الشماليون فى الجنوب.. بين نارين
يعيش المئات من الشماليين خاصة التجار منهم ببعض مدن الجنوب وتحديداً فى ولاية غرب بحر الغزال بمدينة واو الذين يعملون بها فى مختلف المهن قبل وبعد توقيع اتفاقية السلام الشامل، ظروفاً سياسية واقتصادية مأساوية حقيقية. حيث كثرت المضايقات العلنية تجاههم من قبل افراد الجيش الشعبى الذين يحرسون الاسواق فى المدينة وفى ظل صمت واضح من قيادات الحركة الشعبية والمحاكم المدنية والجنائية بالولاية طوال فترة الأعوام الخمسة التى مرت على عمر نيفاشا كما يقول التجار أنفسهم وأضافوا أنهم عندما يقومون برفع الشكاوى لمجلس تشريعى الجنوب عن التجاوزات المضبوطة بشهادة اهل الولاية نفسها او عند فتح بلاغات جنائية فى مراكز الشرطة فانها تذهب ادراج الرياح لتدخل الجيش الشعبى حاليا فى عمل المجلس وسيطرته على القضاء فى الولاية
—-
واضافوا ان المضايقات لم يجدوا لها مبررات سوى انهم شماليون يختلفون عنهم فى اللون والعرق والدين وذكروا أن المحسوبين على الطبقة المتعلمة فى المنطقة يقولون لنا (ان لونك ودينك فى البلد دى مشكلة) ، فى وقت تكرر فيه قيادات الحركة الشعبية فى الشمال ان الجنوب يسع اهل السودان كافة بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم، اى ان الجنوب منطقة ديمقراطية يحق للجميع ان يعمل فيها ويتمتع بخيراتها، وظلت هذه التصريحات لقيادة الحركة (موضوعة فى علبة ومقفول عليها بالضبة والمفتاح) الى ان تكشفت الحقائق اخيرا مع العملية الانتخابية التى رغم انها يمكن ان تكون قاب قوسين او ادنى من الفشل بغرب بحر الغزال إلا أنها أتاحت على الاقل للصحفيين فرصة للالتقاء بالشماليين بالولاية والتعرف على اوضاع التجار منهم، الذين جاءت افادات الاغلبية منهم صراحة بانهم سيتركون العمل بالولاية عقب الانتخابات فى حال نفدوا بجلدهم وان كانوا يؤكدون ان العمل بالجنوب افضل حالا من الشمال باعتباره يحقق قدرا من الربحية.
«الرأي العام» قامت اثناء تغطيتها للعملية الانتخابية بجولة واسعة فى مدينة واو التقت خلالها بالعديد من الشماليين تجارا ومواطنين واستطلعتهم حول فرص العمل بالجنوب والوضع الامنى بالولاية وطبيعة المضايقات التى يواجهونها اثناء تجوالهم فى طرقات وشوارع الولاية ليلا وفى أية درجة يصنف المواطن الشمالى، فخرجنا بحصيلة من الافادات رسمت صورة قاتمة للاوضاع عامة بالجنوب ومصيراً مجهولاً لكل ماهو شمالى فى الاقليم، وفضلوا فى حديثهم للصحيفة (تسارع الزمن لحلول موعد الاستفتاء للاتيان بانفصال الجنوب لكى يعرف كل واحد مصيره ووزنه فى السودان).
وكانت بدايتنا بالتجار فى سوق الجو بواو الذين وجدناهم وقد كست الحسرة وجوههم على الظروف التى قذفت بهم الى عالم المجهول بالولاية وجعلتهم فريسة سهلة الاصطياد لمنسوبى الجيش الشعبى، وكان بداية اللقاء بالتاجر محمد على الكباشى (53) عاماً من ابناء منطقة الدويم ويعمل مع شقيقه حسن فى محل تجارى لمواد البناء بالسوق سألناه عن فترة مكوثه بالولاية والوضع الامنى بالولاية قبل وبعد نيفاشا وتوفرفرص العمل، فاجاب والحسرة تكاد تفطر قلبه بانه ظل يعمل بها لفترة (20) عاماً رأى فيها ظلم (الحسن والحسين) (والنجوم فى عز النهار) من قبل منسوبى الجيش الشعبى، واضاف ان محله التجارى المجاور لمحل شقيقه ظل مغلقا لاكثر من ثلاثة اشهر اى فى ينايرمن العام الجارى رغم تسديده لجميع الرسوم المفروضة على المحل من ايجارات شهرية بنظام الدفع المقدم، علاوة على الرخص والتصاديق والضرائب والنفايات باسعارها المضاعفة مقارنة بالشمال، مؤكداً أن زملاءهم فى العمل من الجنوبيين يدفعون فقط النصف، واضاف ان هذا ان دل على شىء انما يدل على تمييز واضح بين ابناء السودان شماله وجنوبه، وذكر وجود (فيتو) رائج ومسلم به اجبارا عم سوق (الجو) منذ ثلاثة اعوام وانتقلت عدواه تدريجيا الى بقية الاسواق و يقول(إنه اذا جاءك اى فرد من الذين ينتسبون للجيش الشعبى وقال لك اغلق محلك التجارى فانه قرار نهائى ولا خيار ثالث امامك سوى الاذعان له اوان تتحمل ما يصيبك من ما يخرج من فوهة البندقية او فى الحالات المخففة الاعتقال والذهاب عنوة الى مايطلق عليه (بسجن الشوك) الذى زاره الكثيرون من التجار شماليين وجنوبيين ووجدوا فيه ممارسات فاقت التى سمعنا عنها فى سجن ابوغريب، وتابع الكباشى الغريب فى الامر ان هذا (الفيتو) حصري على الشماليين وبعض التجار الجنوبيين من المغضوب عليهم، مشيرا الى ان فتح محله مرهون بقرار الفرد الذى امر باغلاقه متى مارضى عنك، موضحا ان اتخاذ القرار قد يتجاوز الشهور والسنوات وأحياناً يوماً واحداً واضاف انه من عجائب الامور ان الشخص الذى اغلق محلى يمر على يومياً صباحاً اثناء تواجدى مع شقيقى بمحله ويلقى على التحية ويبتسم فى استفزاز صريح، وختم قوله بان مستقبل عمله وكسب عيشه اصبح مربوطا بهذا الشخص، حتى ان اسرته فى الشمال( الدويم) المكونة من عشرة اشخاص اضحت تعتمد فى تسيير امورها المالية على شقيقى، فاصبحنا أنا والاسرة عالة عليه.
د. طارق عثمان صاحب صيدلية بسوق الجو من منطقة المتمة لايختلف فى حديثه كثيراً عن الكباشى حيث يقول انه جاء للجنوب عقب توقيع اتفاقية السلام بعد ضيق فرص العمل بالشمال، واضاف ان الامر فى العامين الاولين من عمر الاتفاقية مرت على الشماليين بسلام ولكن الاوضاع تدهورت تدريجياً الى السوء بعد قيامنا باستيراد الادوية والامصال من الشمال وقفل الباب امام البضاعة اليوغندية التى كانت تعم الاسواق لعدم مطابقتها للمواصفات وتسجيلها فى وزارة الصحة الاتحادية، مؤكدا ان قفل هذا الباب فتح عليهم نارجهنم حيث يزورنا عساكر من الجيش الشعبى ويقولون لنا ان الادوية اليوغندية ارخص سعرا من التى تستوردونها من الخرطوم ، كما ان الاستيراد فى يوغندا سهل نسبة لقربها من الجنوب، وتابع: بعد تفاقم الامور كونا لجنة من اصحاب الصيدليات بالسوق خرجت بأن نتبع طريقاً ثالثاً واتفقنا معهم على استيراد الادوية من جوبا، وبدأنا فى الاستيراد لكننا اكتشفنا ان البعض منها غيرمطابق للمواصفات وليس مسجلا فى وزارة الصحة.
ومهما يكن من امر فان الوضع الحالى الذى يعيشه الشماليون بالجنوب سواء كانوا تجاراً أو مواطنين عاديين يفند ما يذكره قادة الحركة الشعبية فى وسائل الاعلام المختلفة من وجود حريات فى الاقليم، ويشي بانه قابل لمزيد من الانفجار فى اى وقت، مالم تصحو الحركة الشعبية من نومها العميق، وتعترف بوجود تجاوزات لمنسوبيها من الجيش الشعبى ومحاسبتهم على ما ارتكبوه من تجاوزات بحق اخوانهم الشماليين.
تقرير: عمار آدم
صحيفة الراي العام
اتمنى ان يحتفظ السودانيين باخلاقيتهم واصالتهم حال إنفصال الجنوب وان يكون السودان وطن يسع الجميع فى شمالة وجنوبة وان لا ننسى بأن حواء السودانية هى التى انجبت دينق ومحمد احمد ونسال الله ان يحفظ بلادنا ويجعلها امنة ومستقرة.