منى سلمان

القول قولك يا خال

[ALIGN=CENTER]القول قولك يا خال ![/ALIGN] (النسب عين شمس) مقولة لا يختلف عليها اثنان من أهلنا السودانين عند وصف الأعراف في علاقاتنا الإنسانية، وفي العبارة عبقرية الإيجاز الإعجازي فهي تختصر كل معاني أحترام وتقدير النسب والنسابة مطلقا، فكما أنه من المستحيل أن ترفع بصرك وتركز النظر في قرص الشمس بسبب ضوءها الباهر الذي يعشي عينيك ويمنعك عن ذلك، كذلك علاقات النسب تجبرك على الخضوع وغض البصر إحتراما لها، وهذا الحكم يمتد ليشمل علاقة الزوجة بأهل زوجها وبالاخص أمه وعلاقة الزوج بأهل زوجته وأولهم أمّها، بل وتشمل حتى علاقة اسرتي الزوجين مع بعضهم البعض.
ولتدليل على عمق الإحترام المتبادل بين الأسرتين تلجأ النساء للإستعارة فتقول في وصف حالة الإنسجام بينهم بـ ( الموية ما إندفقت بيناتنا) كناية عن عدم حصول أي مشاكل أو عدم إحترام بين الأسرتين، كذلك من الملاحظ أنه عند مصاهرة الأقرباء كأبناء العُمومة أو الخُؤلة يقدم النسب على علاقة الدم ويتحكم برتوكول علاقة النسب، فعند زواج أبناء الخالات مثلا تتحول العلاقة بين الأختين آليا إلى علاقة بين نسيبتين.
قد يكون لإيقاع الحياة المعاصرة اليد الطولى على زعزعة بعضا من تلك المفاهيم، ولكن على مر الأزمان ظلت العلاقة بين الزوج ووالد زوجته راسخة الأقدام في الاحترام المتبادل ولا تتغير بتغير الظروف، ولقد استعملت أمهاتنا أدب الحكي والحجى لترسيخ تلك المعاني السامية في عقولنا أيام طفولتنا، ومن ضمنها هذه القصة العميقة المعبرة.
* جمعت علاقة الحب الطاهر بين (محمد) وبنت (خاله فاطمة بت عبد القادر)، فقد شبت وترعرعت أمام ناظريه وتحولت من طفلة ودودة ووادعة الى صبية جميلة (تملى العين)، ولذلك كان يتحين الفرص كلما عاد من عمله مع الجلابة في الصعيد الجواني ، كي يلتقيها ويملي بصره منها، عندما يمد لها يده محييا قبل أن تسرع بتغطية وجهها منه بطرف ثوبها ثم تولي الأدبار خجلا منه.
اجتهد في جمع المال واكمال مستلزمات الزواج بعد أن صارح والده برغبته في الزواج من (فاطمة)، فوجد القبول والرضا من خاله (عبد القادر)، وبعد إنتهاء مراسم الزواج وليالي الأفراح التي إستمرت أربعين ليلة، قضاها (محمد) وهو محمول على كفوف الراحة في بيت خاله مع عروسته، إستأذن نسيبه في أن يسافر مع زوجته لمكان عمله ففاجأه الخال الحصيف قائلا:
معليش يا محمد يا ولدي .. فاطنة لسة صغيرة وإنت شغلك كلو في الخلا .. دحين يا ولدي أنا ما بخليك ترحّلا إن ما جنّت!!!!
تحير (محمد) من قول خاله فكيف ينتظر حتى يصيب الجنون عروسته الحبيبة كي يستطيع أن يأخذها معه ، ولكن لأن (النسب عين شمس) لم يجرؤ إلا على قول:
الراي رايك .. وزي ما تشوف يا خال.
سافر لمقر عمله وصار يعاود القدوم في مطلع كل شهر للزيارة، حيث يقضي مع عروسته بضعة أيام، يغادر بعدها وفي عينيه تساؤل لخاله كلما أراد وداعه قبل السفر وكأنه يسأل:
لسة ما جنت يا خال ؟!!!
مرت الأيام وأكملت نصاب العشرة أشهرعندما وضعت فاطمة مولودها البكر، لم تسع الأرض بما رحبت فرحة (محمد) بصغيره، فأولم الولائم وأقام الأفراح أربعينا أخرى، ثم سافر وفي عينيه نفس التساؤل وفي عيني خاله وعد بالفرج القريب ..
بعد مرور شهر آخر عاد (محمد) لرؤية صغيره وأمه، وفي صباح اليوم التالي ناداه خاله خلسه .. ساقه من (ديوان الرجال) لبيت الحريم في هدوء، ثم طلب منه أن يراقب (فاطمة) التي إنشغلت بغسل فوط وملابس رضيعها المتسخة، بينما وضعته على (عنقريب) في ضل الضحى .. كان الصغير يبكي فبدأت تناجيه:
هوي ..هوي .. هوي يا الحبيب .. وحات أبوي خلاس قضيت هسع بجيك ..
ثم غنت له:
جيت لي .. حمدتا الله الحي .. أداني وليد يترسل لي.
قال الخال لـ (محمد) في إشارة لحديث (فاطمة) مع الرضيع الذي لا يفهم ما تقوله له:
شفتها بتتكلم براها مع الجنا ؟ أها بعد ده أنا أذنتا ليك .. رحّل مرتك .. خلاص جنّت !
وللحكاية مضامين عميقة فهي ترسخ للطاعة العمياء والإنصياع للكبير واحترام رغبات النسيب، كما يختبر فيها الخال صبر إبن أخيه وفي نفس الوقت يطمئن على إبنته عندما ترحّل (للخلا) فتجد الونس والرفقة من صغيرها الرضيع.

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

‫12 تعليقات

  1. ((جيت لي .. حمدتا الله الحي .. أداني وليد يترسل لي….!))
    هكذا هي الفطرة …هكذا هي الأمومة والحنان…؟
    يا سلااااااااام عليك يا منو..؟
    إنتي أكثر من رائعة..
    دمتي لنا يا ست الكل وأميرة الصحافة..!

  2. احسنت بت سلمان . سردا ومضمونا .. فما احوجنا لمثل هذه الحكايات التي تؤصل للقيم السودانية الاصيلة فاحترام النسب من العادات السودانية التي ليس لها مثيل في كل العالم لا عربا ولا عجما ..
    صادة الاحترام

  3. رائعة كما عودتينا دائما استاذة منى والقصة ممكن تكون سيناريو لقصة كبيرة تحتوى كتاب بحاله ربنا يقويك يا المنينة وبمناسبة المنينة دى فجأة تذكرت الوالدة عليها رحمة الله عندما تخبز المنين تقول دة لى ولدى محمد بريدو واليسكويت دة للجميع باقى محمد ما بياكل البيض ربنا يعطيك العافية ويقويك ويقوى قلمك دائما يا رب

  4. بجد يا استاذتنا العزيزة بنت سليمان بالغتي عديل كدي هذه الدهشة لشدة جمال إبداعك وروعة الوصف والتعريف الدقيق لكلام اهلنا الكله حكم …..وانتي كمان كلامك كله حكم واصلي الإبداع وسنواصل الإدمان لكتاباتك حتى الثمالة …..الله يديك الصحة والعافية ويخليك لينا وما يحمنا من كتاباتك الحلووووووووه.

  5. سلام منى والقصه جميييييييييييييييلة شدييييد واجمل حاجه كلام الخال (ما بخليك ترحّلا إن ما جنّت!!!!)
    وجد الاطفال هم البصبرو الام على الدنيا فى كل الظروف

  6. مالك يا ابو عبدالله مسخن وجاي من الاخر؟؟
    ان من السنة ومن عاداتنا السودانية ان تقول للمرء حين يحسن انك احسنت ولا غبار على ذلك اللهم الا اذا خبث تفكيرك فذاك امر آخر..
    لست بصدد الدفاع عن الاستاذة منى فهي صحفية وتعي رسالتها جيدا ثم انا اقطع الشك باليقين انها ليس لا تملك الزمن الكافي لتقرا كل ما يكتب من تعليقات ..
    اذا كان لك رأيا مغايرا اخي المحترم فكن ايجابيا بدلا من هذه السلبية واكتب رايك بصراحة فيما تكتبه الاستاذه لانه ليس قرانا منزلا!!!
    لم اكن لارد عليك ولولا انني وجدت عبارة احسنت ( وهي عبارة تخصني في مداخلتي هنا فقد احسنت السرد فقلت لها ذلك ) وذلك من ضمن ما افردت في قائمتك مما وصفتها بعبارات التملق وفقدان الحنان …
    لا اريدك ان تكثر الاخطاء في حكمك على الناس فالنسبة لي انا ليست لي معرفة شخصية بالاستاذة ولكن فيما يبدو لي ان كثير من المعلقين لهم معرفة شخصية او معرفة قرابة بالاستاذة ولهذا لا تخلو مداخلاتهم من عبارات المجاملة والتحية وليس التملق !!!الا ترى ان الفرق بين الفلجة والشرمة هو في موقع الكلام رضاءا او سخطا اذا رضينا اسميناها فلجة وان سخطنا اسميناها شرمة..
    اما اذا اردت ان تعرف عني وعن تملقي وكيف اتعامل مع الاستاذة فارجع فقط الى موضوع العرس بالفاتحة واقرا كلامي هناك جيد
    صادق مودتي

  7. أخي عبد الواحد شكرا على مدافعتك الكريمة بلسان المتداخلين .. لكن أحب أن أصحح لك معلومة لا توجد سابق معرفة بيني وبين جميع المتداخلين ولكنه التقدير والاحترام المتبادل فالكثيرين منهم داوموا على قراءة مقالاتي منذ بداية ظهورها بالتالي أصبحوا وكأن بيننا معرفة … وهذا صحيح لأنني أقوم بقراءة التعليقات يوميا واتفاعل معها ما استطعت ولا أخرجها من سياقها الطبيعي وهو ابدا الاعجاب بالمادة المطروحة والتفاعل معها ..فـ لا تبتئس ولا تلتفت لمحاولات التجريح:cool: 😎

  8. الاستاذة الرائعة بروعة حروفك وكلماتك
    لك مني الف تحيه لك مني كل التقدير والاعجاب علي هذه الجمل التي مازالت وستظل منبرا للحظات نعديها بين دهشة الاسلوب وجمال الفاظك
    تمنيت كثيرا لو يصلك اعجابي وداومت مرارا وتكرارا علي ان اتابع كل اعمدتك واداوم عليها دون اذن مني
    فاتمني لك دوام الصحه والعافيه وان يجعلك الله ذخرا لقلمك

  9. ماشاء الله اولا واخيرا (اتمني من كل مسؤل في اي اسره سودانيه ان يقراء مثل هده الكتابات الهادفه التي لها اكثر من معني )

    (وانتي تستحقي بجداره لقب ملكة الصحافه العالميه لماتحتويه مقالاتك الرائعه من

    معلومات وحكاوي شيقه )

    الله يحفظك ياملكة العالم للصحافه ويوفقك لخدمة الناس ويزيدك في العلم والرزق والصحه والعافيه .