صحة الرئيس مبارك: لماذا تسبب “هيستيريا” للمصريين؟!!
لم ينقطع الحديث طوال الأشهر الماضية حول صحة الرئيس المصري محمد حسني مبارك، وبالتحديد منذ إجرائه لجراحة استئصال المرارة بأحد مستشفيات ألمانيا.
وقد تباينت حالة الاهتمام هذه ما بين قلق شخصي وإنساني على صحة الرئيس الذي يشغل مكانة كبيرة في نفوس المصريين، خصوصا بعد أن صارت هناك “عشرة” بحسب التعبير الشعبي الدارج بينه وبين الشعب قوامها نحو ثلاثين عاما، فأغلب الشعب يتعاطف إنسانيا مع حاكمه كما ظهر ذلك جليا في حالة وفاة حفيد الرئيس.
أما الشق الثاني في حالة الاهتمام تلك فهو نابع من الانشغال بمستقبل البلد العريق، خصوصا مع عدم تعيين نائب للرئيس حتى ذلك الوقت، مما يثير مخاوف لدى أغلب أبناء الشعب من حالة فراغ سياسي لأي ظرف علاجي يحتاجه الرئيس وان كان مبارك في كل مرة يتغلب على هذه المخاوف بنقل الصلاحيات لمن يرى أنه مناسب كما حدث مع د. احمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء، في رحلة العلاج الأخيرة.
هذا بالإضافة إلى حالة الحراك السياسي والاجتماعي التي تعيشها مصر بسبب عدة عوامل من بينها الترويج لبعض الشائعات مثل تمهيد الطريق لنجل الرئيس لخلافة والده في حكم مصر فيما يعرف بالحديث عن “التوريث”، وظهور عدد من الشخصيات البارزة التي تشير الترجيحات لخوضها الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد عدة شهور وعلى رأسها د. محمد البرادعي، الريس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أما أخطر عوامل الضجيج حول صحة الرئيس مبارك فتكمن في التسريبات والشائعات القادمة من دوائر خارجية تتربص ببلادنا وتهدف دائما إلى زعزعة الاستقرار وبث الفوضى فيها وأشهرها طبعا ماكينات الإعلام الصهيونية والأمريكية التي روجت مؤخرا تقارير “مضروبة” حول تأخر صحة الرئيس.
الأمر الذي أدى لاستنفار جميع وزراء وأجهزة الدولة في مصر لتكذيب هذه الشائعات المغرضة التي تكبدت عناء “الدفاع عن صحة الرئيس” وعلى رأسهم وزير الإعلام أنس الفقي الذي كذب هذه التقارير جملة وتفصيلا ود. مفيد شهاب، وزير الدولة لشؤون المجالس النيابية، الذي بث جرعة كبيرة من الاطمئنان إلى أبناء الشعب لدرجة قوله أن صحة الرئيس “زي الفل ولن يصيبه مكروه بإذن الله”.
كما لم تقف رئاسة الجمهورية مكتوفة الأيدي أمام هذه “الفبركات” حيث نفى السفير سليمان عواد، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، ما تردد مؤخراً حول مرض الرئيس حسنى مبارك، وقال إن النشاط المكثف للرئيس خلال الفترة الماضية خير رد على تلك الشائعات التي روجتها تقارير من دوائر إسرائيلية وأمريكية، مشيراً إلى أن حجم الرئيس مبارك ومصر يجعل هذه التقارير تنتقل من مكان لآخر.
وأكد عواد أن مؤسسة الرئاسة لا تعتزم التصدي لمثل تلك التقارير، مشيراً إلى أنه اطلع على التقرير المنشور في جريدة الواشنطن تايمز، متسائلاً: “ما هي مصادر الخبر”، مشيراً إلى أن “هذا الكلام مرفوض ولسنا ملزمين بالتصدي له والرد عليه”
وأشار عواد إلى أن الرد العملي على هذه التقارير هو العمل الدءوب للرئيس مبارك والأنشطة المكثفة التي يقوم بها، مؤكداً أن “العاملين في مؤسسة الرئاسة وبقية الوزارات يلهثون وراءه ليواكبوا سرعة حركته لأن الرئيس لا يكل من العمل وذلك من منطلق حرصه على متابعة جميع التقارير اليومية والاتصالات التي يتلقاها ويجريها مع كل من يعمل بالعمل السياسي في مصر”.
والملاحظ أن صحة الرئيس مبارك، وكما كتب الزميل محمد أبو الحديد بجريدة الجمهورية، لم تكن في يوم من الأيام علي مدي ثلاثين سنة سرا علي الشعب بل تعامل الرئيس مع هذا الملف بشفافية كاملة معنا ومع العالم كله في الحالات الخفيفة العارضة وفي الحالات الأشد التي احتاجت علاجا في الخارج.
فمنذ نحو عشر سنوات وحين أصيب الرئيس بتوعك في معدته عقب تناوله بعض الحلوى في الاحتفال بعيد الإعلاميين نشرت كل وسائل الإعلام المحلية والعالمية الخبر نقلا عن رئاسة الجمهورية وليس عن أي مصدر آخر وتحدث الرئيس بنفسه للصحف مطمئنا المواطنين علي حالته.
وحين تعرض الرئيس لبعض الإرهاق أثناء إلقائه خطابا في اجتماع مجلسي الشعب والشورى واحتاج أن يستريح لبعض الوقت قبل أن يستأنف خطابه كان ذلك علي الهواء مباشرة ودون أن يتم قطع الإرسال التليفزيوني أو التعتيم علي الأمر أو علي تداعياته.
وفي المرتين اللتين سافر فيهما الرئيس للعلاج في الخارج واستغرقت كل مرة منهما عدة أسابيع كان وزير الصحة برفقته في المرتين.. الدكتور محمد عوض تاج الدين في الأولي والدكتور حاتم الجبلي في الثانية وكان هناك تقرير طبي شبه يومي يجري إعلانه علي شاشات التليفزيون عن تطورات الحالة الصحية للرئيس حتى تمام الشفاء في كل مرة.
صحة الرئيس إذن لم تكن في يوم من الأيام مجالا للتكهنات أو إثارة البلبلة، لأنه لا يوجد فيها أسرار، وليس هناك من يرغب في حجب أي شيء بشأنها وأولهم الرئيس نفسه الذي اعتاد مصارحة الشعب بكل شيء وفي مختلف الظروف، على النحو الذي حدث مرتين خلال الأسبوعين الماضيين.. إحداها عند تأجيل زيارة نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل لمصر لعدة أيام ومرة عند قيام الرئيس بزيارة سريعة لباريس.
ففي المرتين أشاع البعض أن أسبابا صحية تتعلق بصحة الرئيس وراء التأجيل والزيارة، وقيل أن تأجيل زيارة نتنياهو تم لأسباب صحية مع أن الأيام القليلة التي جري التأجيل فيها كانت حافلة باتصالات مكثفة جرت بين القاهرة وواشنطن وتل أبيب ورام الله وغيرها من العواصم المعنية للتعرف علي آخر ما وصلت إليه المفاوضات غير المباشرة حتى يمكن بناء موقف قبل استقبال نتنياهو في القاهرة.
وقيل أن زيارة الرئيس لباريس كانت لإجراء فحوص طبية مع أن الزيارة لم تستغرق أكثر من 48 ساعة وتخللها اجتماع للرئيس مع الرئيس الفرنسي.
فضلا عن انه في باريس بالذات حيث توجد عيون كل العالم لا يستطيع أحد إخفاء شيء حتى لو أراد.. فما بالك لو كان هذا الشيء هو صحة رئيس مصر
وأيا ما كانت عليه ألوان هذه التغطيات التي تناولت موضوع صحة الرئيس فإن هناك عدة ملاحظات يمكن تسجيلها في هذه الظاهرة لعل أولها أن هناك التصاقا شبه تام بين شخص الرئيس والشعب، ولعل لهذا ما يفسره من تدخل الرئيس في مئات الأزمات التي يظهر خلالها منحازا لصالح المواطن البسيط حتى ساد اعتقاد أن حل أي مشكلة لا يمكن أن يكون بعيدا عن الرئيس.
أما ثاني الملاحظات فتتعلق بما يتوقعه الشعب من الرئيس، فمع تضخم معاناة المواطنين من أوضاع فقر ومرض وبطالة واشتعال أسعار بصورة توحي بطرد الغلابة من المجتمع الذي لن يعيش فيه سوى “…….” يبقى هم ملايين المصريين عالقا في رقبة الرئيس مبارك الذي يدعو له المصريون بدوام الصحة والنظر إليهم بعين الرعاية والرحمة وأن يغل أيدي الوزراء قساة القلوب عنهم ممن يشعلون الحرائق في البلاد ولا يطفئها إلا الرئيس، أمد الله في عمره.
كذلك ينتظر المواطنون من رئيسهم المحبوب أن يحاسب المسئولين الفاسدين الذين باعوا ضمائرهم للشيطان ويستبيحون أقوات وحقوق الشعب لتتضخم أرقام ودائعهم بالبنوك السويسرية، وأن يبقى الرئيس هو الحصن المنيع ضد نهب ثروات الشعب.
كما يدعو الشعب للرئيس بطول العمر حتى يتمكن من تنفيذ برنامجه الانتخابي الذي رسم أحلاما وردية للبسطاء يتمثل في توفير فرصة عمل ومسكن مناسب لكل من يعيش على تراب هذا الوطن، فهم على يقين أنه وحد لا غيره القادر على تنفيذ هذه الوعود التي وضعها كأمانة في رقبته، وأن يعبر بالبلد الآمن والشعب الذي يحبه ويدعو له بالخير، إلى شاطئ السلامة عبر الانتقال التدريجي للسلطة من بعده ليقطع الطريق على مثيري الشائعات والفتن الذين يلقون بمشاعر المصريين إلى هوة سحيقة.
محيط