السيدات الأول في موريتانيا حاكمات من وراء ستار
تحمل زوجة رئيس الدولة لقب “السيدة الأولى” لكنها في موريتانيا تحمل لقب “الرئيسة” تأكيدا على مكانة ودور زوجة رئيس الدولة في البلاد، وتضطلع زوجات الرؤساء بمهام عديدة وتنصب اهتماماتهن عادة على الطفولة والتعليم والمرأة وتتوزع مشاركتهن بين المهام البروتوكولية في كافة التظاهرات الوطنية وتدعيم شعبية الرئيس وتلميع صورته في الوسط الاجتماعي والسياسي.
وأخذ نفوذ بعض زوجات الرؤساء يؤثر على سياسة الدولة وقراراتها وعلى صورة وسمعة الرئيس، فالكثير من السيدات الأول الموريتانيات فرضن نفوذهن وتدخلن في أمور كثيرة مثل تعيين أقاربهن ومعارفهن والتدخل في الصفقات العامة والتأثير على الرئيس وتحديد توجهات النظام.
ولا يخفى على الموريتانيين تأثير إحدى السيدات الأول على سياسة موريتانيا ودورها في تعيين وإقالة الوزراء وكبار المسؤولين وإصدار الأوامر لهم من أجل إمداد الموالين لها بالمال، حتى أن الانقلاب الذي قاده الضباط ضد زوجها حدث لأنها هيأت الظروف الأمنية لنجاحه حين أقالت بعض المسؤولين الأمنيين.
كما يتذكر الموريتانيون كيف أدى حب الظهور والتدخل في السياسة والوقوع في شرك الصحافة والخلاف مع السياسيين والفنانين إلى ضياع حلم لطالما انتظره الموريتانيون حين انتخبوا لأول مرة وبطريقة ديمقراطية رئيسهم.
واعتبر المراقبون هذه السيدة الأكثر إثارة للجدل، حتى قيل إنها تحاول أن تكون مثل كريستينا فرنانديز دو كيرشنير التي انتقلت من دور السيدة الأولى إلى رئيسة للأرجنتين بعد نجاحها في الانتخابات واستفادتها من شعبيتها أثناء حكم زوجها.
اقتحمت ختو بنت البخاري المشهد السياسي الموريتاني منذ الإعلان عن ترشيح زوجها سيدي ولد الشيخ عبد الله للانتخابات الرئاسية، وسجلت حضورا قويا بأنشطتها ومواقفها وعلاقاتها الخارجية وصراعها لاحقا مع الصحافة والسياسيين والجنرالات والفنانين، واستحقت بالفعل لقب السيدة الأولى في موريتانيا لأنها كانت محط أنظار واهتمام جميع الموريتانيين.
ولعبت ختو بنت البخاري دورا محوريا في الحملة الإنتخابية الرئاسية التي حملت زوجها إلى الحكم .وبعد فوز زوجها بالانتخابات الرئاسية اضطلعت بنت البخاري بدور جديد وبدأت تنفذ المشاريع التي وعدتها بها إبان الحملة الانتخابية لزوجها، فاهتم بالمجال الإنساني والاجتماعي، وخرجت ختو في وسائل الإعلام تعرض مشاريعها والحلول التي ترى أنها كفيلة بمحاربة الآفات الاجتماعية.
وأنشأت بنت البخاري هيئة خيرية باسمها لتصبح أول زوجة رئيس تنشئ هيئة تحت اسمها، عملت بنشاط منقطع النظير لجلب التبرعات والتمويلات لهيئتها وبفضل علاقاتها مع عقيلات رؤساء الدول تمكنت من جلب أموال طائلة لمشاريعها الخيرية مما جعلها تتعرض لحملة انتقادات شككت في مصادر تمويل هيئتها.
وتعرضت بنت البخاري بسبب وجودها في الواجهة لانتقادات صحفية وقبلية وقاد البعض حملة تشهير ضدها خاصة في الصحف المستقلة. ومع تواصل التشهير بها دخلت في سابقة من نوعها بالنسبة لسيدة أولى في مواجهة مع بعض الصحفيين كادت تصل إلى أروقة المحاكم.
كما دخلت ختو بنت البخاري في مواجهة مع نواب في مجلس الشيوخ ومع جنرالات الجيش بسبب تدخلها في بعض التعيينات، كما كان لها دور في بداية الأزمة بين زوجها والجيش، وحين طالب بعض نواب مجلس الشيوخ بالتحقيق معها لمعرفة مصدر تمويل هيئتها، خرجت للعلن لتقول رأيها في الشيوخ فوصفت السيدة الأولى بنت البخاري أعضاء مجلس الشيوخ الذين اتهموا مؤسستها بالفساد المالي واستغلال النفوذ، بالكذب والخديعة، وقالت إنها تأسف لكون أمثال هؤلاء استطاعوا خديعة الشعب الموريتاني، حتى انتخبهم وأصبحوا أعضاء في مجلس الشيوخ، مؤكدة تحديها لأي مسؤول يثبت أنها تقدمت إليه بطلب للحصول على تمويلات عمومية.
ودفعت هذه التصريحات الشيوخ إلى تشديد الخناق على الرئيس والمطالبة باستقالته أو عزله والتحقيق في أملاك هيئة ختو بنت البخاري، ودفع الجنرالات النواب والشيوخ الموالين لهم إلى معارضة الرئيس وإعلان العصيان ضده، وفي خضم هذه الأزمة السياسية التي كانت ختو طرفا رئيسيا نشبت حربا بين السيدة الأولى وجنرالات الجيش، وحين أقنعت ختو بنت البخاري زوجها بإحالة الجنرالات للمعاش بسبب تدخلهم الواضح في السياسة قام هؤلاء بتنفيذ انقلاب ضده بعد دقائق قليلة من إذاعة بيان إقالة الجنرالات.
وبعد الإطاحة بالرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله في 6 أغسطس 2008 دخلت ختو بنت البخاري في مشاكل مع السلطات وواجهت بعض الاتهامات الخاصة بطرق تمويل الهيئة وحيازة قطع أراض، واقتحمت الشرطة منزلها عدة مرات واقتادتها قسرا إلى التحقيق، كما اعتقلت ساعات لإجبارها على المثول أمام هيئة مكونة من أعضاء مجلس الشيوخ مكلفة بالتحقيق في موارد “هيئة ختو بنت البخاري الخيرية”.
وأرغمت السيدة الأولى على ركوب سيارة الشرطة دون إبراز إذن النيابة وبشكل لا يخلو من عنف ودون أي استدعاء قانوني مسبق، في وقت لا يزال الدستور الموريتاني يعترف بزوجها رئيسا للبلاد. وقاومت بنت البخاري كل التهديدات والتصرفات التي قام بها معارضو زوجها من عسكريين وسياسيين ورفضت الإجابة على أسئلة لجنة التحقيق لأنها “لجنة غير شرعية” والتزمت الصمت ورفضت التجاوب بأي شكل مع المحققين، وبعد ساعات من الاحتجاز تمت إعادتها إلى بيتها، وتكرر الأمر أكثر من مرة.
ونشب صراع بين المؤيدين لمحاكمة حرم الرئيس والمعارضين له الذين أدانوا بشدة اعتقال حرم الرئيس واقتيادها بطريقة غير قانونية ورفضوا حضور الجلسة لاعتراضهم على الطريقة التي تم بها إحضار حرم الرئيس المخلوع إلى مقر مجلس الشيوخ، بينما طالب المؤيدون بمحاكمة حرم الرئيس وبفتح تحقيق برلماني في موارد الهيئة الخيرية التي تملكها واتهموا عقيلة ولد الشيخ عبد الله باستغلال النفوذ والفساد واستعمال ممتلكات الدولة.
وواجهت ختو اتهامات خطيرة باستغلال النفوذ والفساد بينما أكد محامو الدفاع عنها أن تلك التهم لا تعدو أن تكون تصفية حسابات سياسية، وهو ما تأكد بعد أن توصل الفقراء السياسيون في موريتانيا إلى اتفاق يقضي باستقالة الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله وتنظيم انتخابات جديدة، حيث تم تجميد جميع الدعاوى القضائية التي كانت مرفوعة ضد ختو بنت البخاري وابنها، كما هاجمها الفنانون وخاصة المطربون الذين أكرمتهم وأحسنت إليهم حين كانت السيدة الأولى.
كما دخلت بنت البخاري في صراع مع الصحافة السنغالية حين رفعت دعوى قضائية ضد رجل الأعمال السنغالي المعروف بابا تانجا الذي يملك مجموعة إعلامية في السنغال، إثر ما نشرته على لسانه صحفية “لوماتان” السنغالية التي يملكها، بشأن الأزمة في موريتانيا والإنقلاب الذي جرى في نواكشوط يوم 6 أغسطس(آب).
واتهم تانجا السيدة ختو بنت البخاري بأنها السبب فيما حدث في بلادها، من خلال اتهامها بأنها كانت تتحكم في القصر الرئاسي وفي الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، وبأنها جعلت من الرئاسة الموريتانية أيام حكم زوجها لعبة في يدها، لدرجة أنها باتت تعين المسؤولين السامين في الدولة وتقيلهم، وذهب تانجا إلى حد اتهام السيدة الأولى بتحويل القصر الرئاسي إلى مرعى للإبل والأبقار والأغنام وأحيانا إلى مكان للسهرات وتجمع المخنثين.
أما السيدة الأولى السابقة أم كلثوم بنت الناه فهي حرم الرئيس الموريتاني على ولد محمد فال الذي وصل السلطة في 3 أغسطس(آب) إثر انقلاب أبيض أطاح بحكم الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع الذي استمر 21 سنة، وانتهى حكمه بانتهاء المرحلة الانتقالية حين نظم انتخابات رئاسية وسلم السلطة للرئيس المنتخب مما دعا الموريتانيين إلى إطلاق اسم “سوار الذهب الموريتاني” عليه.
وظهرت أم كلثوم في مناسبات معدودة وحضرت بعض اللقاءات الرسمية كلقاء سيدات إفريقيا الأوائل واستقبلت عقيلات الرؤساء اللاتي زرن موريتانيا، كما ظهرت إلى جانب زوجها في كل الأنشطة والأسفار التي قام بها، وكانت محط إعجاب واحترام الجميع كما زوجها الذي خلص البلاد من حكم دام 21 عاما.
واحتفظت أم كلثوم بلقب السيدة الأولى لمدة 19 شهرا هي عمر المرحلة الانتقالية التي عاشتها البلاد بعد انقلاب 3 أغسطس 2005، وشاركت في هذه الفترة في فعاليات نسائية دولية كما ساهمت في جلب بعض الشركاء لإقامة مشاريع خيرية في موريتانيا، ورغم هذه الفترة القصيرة تحظى أم كلثوم بفضل أخلاقها وجمالها بمكانة خاصة لدى الموريتانيين.
هي السيدة الأولى منذ اغسطس 2008 حين قاد زوجها العقيد محمد ولد عبد العزيز انقلابا على الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، وأصبحت السيدة الأولى رسميا بعد انتخاب زوجها رئيسا للبلاد في انتخابات يوليو 2009، ونادرا ما كانت ترافق زوجها في زياراته الخارجية أو مهامه الرسمية بسبب مسؤولياتها الأسرية وأطفالها الصغار.
تعرف ولد عبد العزيز على زوجته في المغرب حين كان يدرس في جامعة مكناس العسكرية، وبعد التخرج اقترن بها وانتقلا معا إلى موريتانيا، ومع دخول ولد عبد العزيز كتيبة الحرس الرئاسي وجدت “تكبر” مكانها للعمل في بروتوكول السيدة الأولى وكانت آنذاك حرم ولد الطايع، وتحمل الجنسية المغربية إضافة إلى جنسيتها الأصلية.
وقد حضرت مؤخرا تكبر بنت ماء العينين إلى جانب عقيلات رؤساء الدول احتفالات فرنسا بعيدها الوطني وشاركت في حفل العشاء الذي أقامته السيدة الفرنسية الأولى عارضة الأزياء الإيطالية السابقة كارولا بروني.
وظهر الارتباك واضحا على بنت ماء العينين وهي تخطو درج قصر الايليزيه، لكنها سجلت حضورا لافتا في أول ظهور رسمي لها، ويتوقع المراقبون أن ترفع تكبر من مستوى أنشطتها الاجتماعية والخيرية حين تتأقلم مع الوضع الجديد ومع الأنشطة الرسمية وعدسات المصورين.
ترددت عائشة بنت الطلبة طويلا في اقتحام المشهد الرسمي فهي عكس جميع زوجات الرؤساء اللاتي اجتزن تجربة الرئاسة خطوة خطوة، فقد اقترنت عائشة بمعاوية ولد الطايع وهو رئيس لموريتانيا بعد أن توفيت زوجته الأولى اللبنانية سادية محمد كامل، وكان ترددها راجع لسببين.. الأول صغر سنها وعدم تأقلمها مع الوضع الجديد لأنها كانت تعيش في مدينة صغيرة، والثاني راجع لأنها كانت تنتظر أن ينسى الشعب الموريتاني الزوجة السابقة التي كانت تشاركه في أغلب التظاهرات الوطنية، واكتسبت احترام الموريتانيين وحبهم.
وفي الوقت المناسب ظهرت عائشة بنت الطلبة كسيدة أولى في موريتانيا واقتصر ظهورها الأولي على المحيط القبلي المؤثر في موريتانيا، وفي المرحلة الثانية تطور حضورها في المشهد الموريتاني حتى بلغ مرحلة المساهمة والتأثير في القرار السياسي وانفردت ببعض الأنشطة والأسفار والمهام، وأصبحت تمارس نفوذها لتعيين بعض أقاربها والموالين لها في مناصب حساسة.
واعتبرها بعض المراقبين من أسباب الانقلاب على حكم ولد الطايع لأنها كرست ممارساتها الفئوية والقبلية، بينما تتهمها المعارضة بالتورط في ملفات فساد والتربح غير المشروع في مجالات العقار والنفط.
وتعيش عائشة بنت الطلبة اليوم في منفاها بالدوحة في قطر حيث فضّل زوجها الإقامة بعد الانقلاب عليه، وعاشت عائشة ذكريات صعبة وقت الانقلاب حيث كانت في القصر الرئاسي مع أطفالها بينما زوجها في السعودية، وعاينت بنفسها كيف انقلب رجاله وحرسه عليه حين رحلوها من موريتانيا مع أطفالها لكنها اعترفت للمقربين منها أنهم عاملوها باحترام وسمحوا لها بأخذ جميع ممتلكاتها الشخصية والاحتفاظ بثروتها كاملة.
وتقوم عائشة اليوم بدور كبير حيث تدافع عن زوجها وتسير شؤون العائلة بعد أن اعتزل ولد الطايع الحياة الاجتماعية وأصبح يخشى الاختلاط بالناس منذ أن تمت الاطاحة به، كما تدير ثروتها وثروة زوجها الموجودة في مصارف أوربا والمستثمرة في مجال الصيد البحري والنقل والعقارات بموريتانيا.
العربية نت