منى سلمان
تجارة الحجارة
وطوال عقود شالت السكة حديد وش القباحة لدورها في فرقة الحبان، وان شفع لها بعض الشيء أنها كانت وسيلة الحجاج للوصول للباخرة في بورتسودان، كما أنها كانت شريان الشمال الرابط بين الاخوة في مصر والسوان ..
كان حلم حياة (الهادي) هو زيارة مصر المؤمنة .. راوده منذ الصبى أيام هجرته اليومية كداري للسينما، وجلوسه بين رواد (شعبي) لمتابعة أفلام نجلاء فتحي وميرفت أمين، فقد حلم بأن يذهب إلى أم الدنيا ليسعد برؤية الاهرامات شوف العين، وأن يلتقط له صورة تذكارية تحت ذقن أبو الهول .. اشتهى أن (يضوق) – للدنيا والزمان – الكشري ويلتهم سندوتشات الفول والفلافل، فقد كان كغيره من أبناء جيله يقضي جل أوقات فراغه في التسكع بخياله في أزقة وشوارع (باب الشعيرية) و(الغورية) مع روايات نجيب محفوظ، ويهيم بخيالات (بنات الذوات ) بطلات احسان عبد القدوس الجميلات ..
تحول حلم (الهادي) بمرور الايام لسعي واقعي وجاد، فقد أسعده الحظ بوظيفة في أحد دوواين، ولكن قصور ماهيتها عن تبليغه أبسط مراميه، جعله يفكر في مصدر دخل اضافي يعينه على اختصار المشوار فوقع اختياره على موضة ذاك الزمان الا وهي تجارة الشنطة بين مصر والسودان.
جرد حساباته وقام بتلقيط مستحقاته من صرفات الصناديق، ثم استدار لأمه وابيه وأصحاب الجاة من فصيلته التي تأويه طلبا للاعانة على مصاريف الرحلة الطويلة .. حق تذكرة القطار لـ حلفا وأخرى للباخرة المرحومة (عشرة رمضان) وثالثة لقطار القاهرة – أسوان، كل ذلك بالاضافة لحق الاقامة لمدة اسبوعين في أحد (بنسيونات) (العتبة)، قدّر (الهادي) أنها ستكفيه لـ التشوين من أسواقها ثم القلبة ببضاعة مزجاة تكفي لاسترجاع رأس مالها ويتبقى منها ما يكفى لاعادة الكرّة أكثر من مرّة ..
وصل لقاهرة المعز ونزل في بنسيون (السعادة) وهو يمني النفس بأن يكون لحظه في التجارة نصيب من الاسم، فتفتح له أبواب السعادة بـ (المال وراحة البال) .. مرّ الاسبوعان كـ لمح البصر فجمع (الهادي) مشترواته من (دست) الجلاليب المصرية والخمارات الحريرية والكثير من اسبيرات العربات والملايات وأكياس المخدات، ولم ينسى أن يبر الأهل والاحباب بهدايا بسيطة من (هتش وكشاكيش) دهاليز (السيّدة) و(الحسين) ..
لم يكن (الهادي) من معتنقي مذهب الحريصين الذين لا يضعون كل بيضهم في سلة واحدة، فقد جعل جميع مشترواته في شنطة كبيرة تكاد لشدة ضخامتها تسع في بطنها لشخصين بالغين من الحجم المتوسط، وكان هذا التصرف خوفا من ان تضيع بعض حقائبه مع سفره الطويل وعدم وجود من يعينه على الحمل والتعتيل، فلم يترك خارج الحقيبة إلا غياراته القديمة التي حملها في هاند باك صغيرة استودعها كتفه ..
في أثناء الرحلة بالقطار إلى أسوان تعرف (الهادي) على (ابن بلد) حلو اللسان، فلازمه وجعل من أنسه رفيق يعينه على طول الطريق، وعند الوصول لـ أسوان نزلا معا في نفس اللكوندة بعد أن علم (الهادي) أن رفيقه سيذهب لزيارة أقارب له في السودان .. غادرا اللكوندة وتوجها معا للباخرة في صباح يوم السفر، دون أن يكترث (الهادي) لأن رفيقه قد اشترى حقيبة (الخالق الناطق) مثل حقيبته، فقد أخبره بصورة عرضية أنه اشتراها في مساء اليوم السابق ووضع فيها بعض المشغولات والتحف والاناتيك الرخيصة كهدايا لأقربائه ..
في زحمة الوقوف أمام ميزان العفش في الميناء افتقد (الهادي) رفيق سفرته وحقيبته، فاعتقد أنه قد سبقه للركوب في الباخرة .. طوال رحلة الباخرة من أسوان لحلفا كان يبحث عنه بين الركّاب وعندما يأس من العثور عليه ظن وفي بعض الظن (كياشة) أن عائقا قد أعاق الرجل من اللحاق بالباخرة فتأسف على فقدان رفقته المسلّية .. وعندما وصلت الباخرة لـ حلفا حمل (الهادي) حقيبته الضخمة ونزل، دون أن يستوقفه (ثقلها) الزايد فقد عزا الأمر لاجهاده والمشقة التي عاناها من طول السفر ..
من شدة الفرحة والشفقة رفض (الهادي) ان يصبّح الواطة لفتح الحقيبة، كما طلب منه (ناس البيت) كي يرتاح أولا قبل أن يريهم (مجائبه) من بلاد اونكل (رمسيس الثاني) .. طلب من شقيقه أن يحضر بسرعة ترابيزة الحديد الكبيرة ورفع عليها الشنطة ثم فتحها ليفاجأ برؤية أكوام من الحجارة والخيش !!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com
والله شر البلية ما يضحك ..
لا يعرف المرء ايضحك على هذا الهادي ام ياسى لحاله ..
اكثر من شخص حكى لي حكايات كلها تحكي عن اخواننا العائدين من مصر وتحدث لهم مثل هذه المقالب ومع السودانيين بالذات وليس المصريين والشاعر يقول ان ظلم ذوي القربى اشد مضاضة من وقع السهام المهند ..تخسر اخا وسمعة اهلنا وتخسر بضاعتك ..
مجموعة من الاحباطات تصيب المرء من هذه المقالب ..
تحيات مباركات استاذتنا الجليلة مع عاطر الامنيات ..
بصراحة يا اساتذه منى كدت اموت من الضحك والله كما انا دائما اسلفت فى تعليقاتى المتواصلة لكى انتى كاتبة بجد بارعة فى تشويق الانسان للقراء وجعله يعيش فى عالم جميل لذيذ يعنى تجدين طرافة الكتابة وتصويرها بشكل جميل بصراحة انت حقا كاتبة رائعة ذكرتينى ايام كتابات الدكتور محمد عبد الله الريح الله يطريه دائما بالخير اننى بصراحة معجب كثير بكتاباتك اتمنى دائما ان تتحفينا بمثل هذه الروائع الجميلة وحقيقة ان هذه القطعة تعبر عن احلام الزمن الجميل اكيد انك تملكين الكثير من الروائع التى لا تنضب من معينك الاخاذ اننى اعجب حقا بهذه القصص القصيرة الطريفة الجميلة الرائعة
الاستاذه منى :-
اتمنى ان تظلى فى هذا المنوال الجميل والخيال البارع الممزوج بالواقع فهذه خصلة جميلة
كل يوم عن يوم بيزيد اعجابي بيك يااستازتي الفاضله والرائعه دوما اختي مني سليمان فقدتتدخلي في نفسي البهجه والاطمئنان بان الدنيا بخير طالما فيها رائعين مثلك بارك الله فيك واعطاك الصحه والعافيه ودمتي ودام قلمك المضئ بالحيويه دوما 😉
لكن مانجااااارة
قلتى كيف ؟ تجارة الحجارة !!