عالمية

صحيفة إسرائيلية: تل أبيب مذعورة من سيناريوهات ما بعد مبارك

نشرت صحيفة “جيروزليم بوست” الإسرائيلية تقريراً مطولاً لمحللها لشؤون مصر روز أران تحت عنوان “بعد مبارك”؛ تحدث فيه عن مستقبل مصر السياسي بعد الرئيس مبارك.

يقول الكاتب إن وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية في مصر ووسائل الإعلام الغربية في الأشهر الأخيرة لا حديث لها سوى عن الحالة الصحية للرئيس مبارك ومستقبل مصر بعده.

ولفت الكاتب أن بعض الصحف المصرية المستقلة مثل صحف الدستور والمصري اليوم والشروق ناقشت مسألة صحة الرئيس مبارك، وأن كان صدر صفحاتها الأولى اهتمت بانتقالات لاعبي كرة القدم وحصار غزة والأزمة المشتعلة بين جناحي العدالة “القضاة والمحامين”.

وأضاف التقرير أنه برغم أن شائعات مرض الرئيس مبارك البالغ من العمر 82 سنة لم تعد تتواتر في الأيام الأخيرة إلا أن التساؤلات حول مستقبل مصر السياسي ومن سيخلف الرئيس مبارك في الحكم ما زال يشغل بال ليس المصريين وحدهم بال إنه محط اهتمام العديد في المنطقة وحتى رواد الشواطئ في تل ابيب والأكاديميين في واشنطن.

يقول الكاتب أنه سواء رحل الرئيس مبارك هذا العام أو خلال فترة الرئاسة القادمة انتخابات الرئاسة ستجرى في سبتمبر 2011 فإن التغيير قادم وسيناريوهاته عديدة، فبينما يرى العديد من المراقبين أن السياسة الداخلية في مصر سيحدث فيها تغييراُ عميقاً بعد مبارك، فإن البعض الآخر يعتقد أن السياسة الدولة لمصر سيطرأ عليها تغييراُ كبيراً هي الأخرى وهو ما يصدر القلق للعديد من الإسرائيليين.

ولكن المخاوف تفجرت من جديد، بعد أن قالت صحيفة “الحياة” إن مصر ليست الصومال، وإن تنبؤات سيناريوهات التغيير الراديكالي تكشف عن “آليات غير مفهومة للحكم” في بلد عرف عنها على مدى عقود بأنها التي تُحدث نقل سلمي ومستقر للسلطة، حتى إن كان بطريقة غير ديمقراطية.

يقول التقرير إنه على مدى الأشهر القليلة الماضية تحدثت الصحف الأجنبية كثيراً عن صحة الرئيس مبارك وهي قضية حساسة تتمتع بالقليل من الشفافية في مصر، ورغم النفي المتكرر من جانب قيادات الحكومة المصرية لهذه الشائعات وأنه لا يوجد شيئاً “خطأ”، إلا أن الشائعات تطورت وأصبحت بدلاً من اعتلال صحة الرئيس تتحدث عن قرب رحيله.

وأشار كاتب التقرير أن إصابة الرئيس مبارك بورم سرطاني تناولته العديد من وسائل الإعلام الغربية إلا أن مصدره صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية المحسوبة على الدوائر المحافظة في الولايات المتحدة، وصحيفة “القدس العربي” التي تصدر من لندن والمعروفة بمناهضاتها لسياسة الرئيس مبارك؛ ومن بين الشائعات التي طالت صحة مبارك أنه طار في رحلات سرية للفحص الطبي في أوربا، وكذلك عدم حضوره قمة الإتحاد الأوربي أواخر يوليو المنصرم في مدينة كمبالا الأوغندية كان لأسباب صحية.

وقد بدأت هذه الشائعات في الانتشار بعد العملية التي أجراها الرئيس مبارك بألمانيا لإزالة المرارة في شهر مارس من العام الجاري، وهي العملية التي يصفها الأطباء بالبسيطة والمعتادة لدى كبار السن وليس لها أي خطورة تذكر.

وتحدث التقرير عن أن العدد الأكبر من المصريين في سن الـ 24 ومبارك في سدة الحكم منذ 29 سنة وبالتالي فهم لم يشهدوا فترة حكم غير مبارك، وهذا الشباب مشاركته محدودة في العملية السياسية خلال حكم مبارك الذي عرف بتزوير الانتخابات وضعف أحزاب المعارضة.

ودرأ لهذه الشائعات حرص الرئيس مبارك على أن يبدو قوياً خلال الاحتفال بذكرى ثورة يوليو وألقى كلمة في 10 دقائق وهو واقف؛ كما التقى بالعديد من مسئولي الدول الأخرى بينهم المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جورج ميتشل ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيسه شيمون بيريز، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن؛ من جانبهم قال الدبلوماسيون الغربيين إن بدا في صحة جيدة وروح عالية.

في سياق مغاير، مصر على أعتاب انتخابات تجري في ديسمبر هذه السنة هي انتخابات مجلس الشعب وانتخابات الرئاسة في سبتمبر من السنة المقبلة، ولا أحد يعرف من هو الرئيس القادم لمصر حيث أجاب الرئيس مبارك على سؤال أحد الصحفيين خلال زيارته لإيطاليا في شهر مايو الماضي حول من سيخلفه في رئاسة مصر فرد عليه مبارك “الله وحده يعلم من سيكون خليفتي”.

ولفت كاتب التقرير أن هناك حملة جديدة انطلقت مؤخراً لدعم جمال مبارك تسمي نفسها “الائتلاف الشعبي لدعم جمال مبارك” لخوض غمار انتخابات الرئاسة المقبلة، ورغم أن العديد يرون أن مبارك الابن يفتقد للخبرة السياسية ليتولى منصب الرئاسة، إلا أنه عضواً في العديد من اللجان الهامة جداً بينها أمانته للجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم، كما أنه عضواً في المجلس الأعلى للحزب الوطني التي تضطلع باختيار مرشح الحزب في انتخابات الرئاسة.

وبينما يتخوف البعض من تمرير مبارك الأب الحكم لمبارك الابن على غرار ما حصل في سوريا، يشعر البعض الأخر أن مبارك الصغير يوفر الاستقرار والألفة، ويظهر بعض النخبة الشبابية في مصر عدم اهتمامهم بالسياسة الداخلية، وبدا هذا جلياً في نسبة التصويت في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى التي جرت يونيو الماضي، ولم يكن هذا بغريب أو بمفاجئ باعتبار أن هذا نتيجة هيمنة الحزب الوطني الحاكم على المشهد السياسي المصري ووضعه العديد من العراقيل بوجه أحزاب المعارضة.

يشير التقرير إلى أنه بينما يعتقد بعض النخبة الثرية من المصريين في الاستقرار الاقتصادي والسياسي الذي يوفره جمال مبارك رئيساً، لا تزال الطبقة الدنيا من المواطنين سهلة الانقياد سياسياً، فهم غير مهتمين بمسألة خلافة الرئيس مبارك التي تمثل مسألة ثانوية في حياتهم.

وأحد الوجوه المرشحة لتولي الرئاسة خلقاً للرئيس مبارك رئيس المخابرات المصرية الوزير عمر سليمان المعروف بعلاقته الوثيقة بالغرب ومعالجته للعديد من القضايا الأمنية والدبلوماسية الهامة منها المحادثات بين غزة والفلسطينيين والإسرائيليين، ويوحي سليمان بأنه ذو وزن كبير لدى الدوائر الرئاسية.

وتطرق التقرير للحراك الذي أحدثه رجوع المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي أوائل العام الجاري في الشارع السياسي المصري وظهوره كمرشح معارض محتمل للرئاسة، لكنه يواجه الكثير من العوائق القانونية والسياسية لخوض غمار معركة الرئاسة.. فمصر سمحت بتعددية حزبية في انتخابات الرئاسة في التعديلات التي طالت الدستور المصري غي 2005، لكن المرشح الذي حل ثانياً في انتخابات الرئاسة الماضية المحامي أيمن نور انتهى به المطاف خلف القضبان على خلفية اتهامات بالتزوير في أعقاب انتخابات الرئاسة مباشرة.

ويقول الكاتب إن الصحف الرسمية أخذت على عاتقها مهاجمة البرادعي وترشحه المحتمل للرئاسة، واعتمدت هذه الصحف على نشر صور له مع السفير الأمريكية بالقاهرة مارجرت سكوبي بهدف الإيحاء بأن البرادعي ما هو إلا أداة في يد القوى الأجنبية وكذلك إشارة الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام في مجال له بالصحيفة اليومية إلى أن الدكتور البرادعي يقع ضمن رزمة من الشخصيات الهامشية الذين يرغبون في “شن حرب على إسرائيل”.

ويضيف الكاتب أن الحدود أمام البرادعي وفيرة من حيث أنه مستقل لا ينتمي لأي حزب رسمي معترف به وقد اختبر مدى تأثيره على الساحة في حدود النظام المصري.. وأشار إلى أن مناقشته لمسألة السماح لمرشحي الرئاسة بالظهور على شاشة تليفزيون الدولة جعل وزير الإعلام أنس الفقي يصرح بأن المرشح يمكن أن يظهر إذا كان لديه شيئاً هاماً ليقوله، لكنه أضاف أن البرادعي “حالم رومانسي لم يقدم برنامج يستطيع من خلاله حل مشاكل مصر، وشرح أن عدم انضمام البرادعي لحزب سياسي يفقده الشرعية.

ولفت إلى بروز مرشح آخر للرئاسة هو رئيس حزب الوفد الدكتور السيد البدوي الذي صرح بأنه حال توليه الرئاسة سيتراجع عن معاهدة السلام المصري الإسرائيلي، لكن فرصته تكاد تكون معدومة.

وبحسب معظم الخبراء، يبدوا أن الحزب الوطني الحاكم سيحتفظ بالسلطة بغض النظر عن متى يغادر الرئيس مبارك المشهد؛ وبينما هو ما ي زال قائد الحزب والدولة، بنى بيروقراطية واسعة ومختصة بينها مجلس وزراء قوي من التكنوقراطيين.. وهو ما صرح به عضو الحزب الوطني أشرف نجيب للجزيرة بأنه يشعر أن الرئيس مبارك “وضع مرحلة التغيير” ونقل العديد من المسئوليات لأجيال أصغر، لكنها أجيال تدين بالولاء للحزب الوطني.

وبالنظر إلى أن مصر تنتظرها مرحلة انتقالية مشوشة يبقى جمال مبارك الاحتمال المنطقي لخلافة أبيه، وبدأ في رفع مكانته السياسية ببطء ولكن باطراد في السنوات الأخيرة ، وتواصل مع الإصلاحيين الاقتصاديين البارزين في مجلس الوزراء، ويواظب على الاجتماع مع الوزراء لمناقشة السياسة العامة والإستراتيجية، ويشير البعض إلى أن مجلس الوزراء بـ”حكومة جمال” ، والتي وفقا للكاتب المصري المعارض وائل نوارة هو جزء مما يسمى “الحرس الخاص” لجمال مبارك.

ويوضح الكاتب أن بعض السيناريوهات تقول إن يتولى الوزير عمر سليمان الحكم بدلاً من الرئيس مبارك لفترة حتى يكتسب جمال مبارك خبرة أكثر وتعزيز مؤهلاته الأمنية والعسكرية.

ويسير جمال مبارك على خطى سياسة والده، وكشف عن ذلك في العديد من المقابلات الصحفية، فهو عبر عن عدم توافقه مع القيادة الإيرانية وسياساتها، وأثنى خلال مقابلة مع رئيس تحرير مجلة “النيوزويك” الأمريكية فريد زكريا على الرئيس السابق صانع السلام أنور السادات وقال “الطريق الوحيد إلى الأمام لهذه المنطقة هو السلام والمصالحة”. ومردد لسياسات والده، قال في مقابلة مع دورية الشرق الأوسط سنة 2009 “فيما يتعلق بالسلام مع إسرائيل، لا شك أن الرئيس السادات سلك الطريق الصحيح”.

ويقول الكاتب تولى أحدا من خارج الحزب الوطني للحكم أو تولى جمال مبارك أو عمر سليمان فإن السياسة الخارجية المستقبلية لمصر لن تتغير، وفق ما قاله الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب والقيادي البارز في الحزب الوطني لصحيفة المصري اليوم ” ضرورة موافقة الإدارة الأمريكية وعدم اعتراض إسرائيل على رئيس مصر القادم”.

ومع ذلك ، بالنسبة لجميع الإسرائيليين ينتابهم الذعر من أن رحيل الرئيس مبارك قد يخلق فراغا في السلطة وعدم استقرار وكسر في الوضع السلمي الراهن بين مصر وإسرائيل، لكن أرجح سيناريوهات الخلافة السياسية لن يحقق أي من هذه الكوارث؛ فمبارك عمل طوال مدة حكمه على تعزيز حزبه الحاكم والأجهزة الأمنية وترك الكثير من المؤيدين في المكان للحفاظ على تراثه وراء حياته.

مصراوي