حوارات ولقاءات

السفير عثمان السيد في حوار مع صحيفة (السوداني) (1-2) : أثيوبيا ليست هي العدو المرتقب للسودان

[ALIGN=JUSTIFY]صحيفة السوداني – حوار: أحمد طه – عادل فضل المولى:
* أثيوبيا ليست هي العدو المرتقب للسودان لأن قادة الحكومة الاثيوبية يعتقدون أنهم وصلوا إلى الحكم عن طريق السودان
* ليس هناك مجال لإصلاح العلاقات بين أثيوبيا وإريتريا مادام النظامان القائمان حالياً موجودين في سدة الحكم
* العملة المشتركة كانت أحد أسباب الحرب بين أثيوبيا واريتريا
* بعد سقوط نظام منقستو وصلت القيادة الجديدة إلى أديس ابابا على متن طائرة كان يقودها الفاتح عروة
السيد عثمان السيد المدير العام لمركز دراسات الشرق الاوسط وافريقيا، والسفير السوداني السابق بأديس ابابا (1991- 2004) ومدير الامن الخارجي في فترة النظام المايوي (1978- 1985)، رجل ملئ بالاسرار والمواقف، وتمثل فترة ادارته للشأن الدبلوماسي مع اثيوبيا سفيراً لأكثر من 13 عاماً فترة زاخرة بالعديد من المواقف التي لم يأت بعد أوان تفاصيلها..
ولما ظهرت الحوادث الاخيرة على الحدود بين السودان واثيوبيا والتي انتهت بحادث مأساوي على جبل حنتوب داخل الاراضي السودانية، رأينا ان نجلس الى الرجل وفي معيتنا بعض الاستفهامات حول ما حدث، وما اذا كانت له جذور، بالنظر الى طبيعة العلاقة بين البلدين، وكذلك بعض الملفات وجدت حظها من المرور..
* ابتداءً عثمان السيد نود التعليق على ما حدث من اقتحام لجبل حنتوب من قبل القوات الاثيوبية ومقتل عدد من السودانيين.. البعض ينظر الى الحادث باعتباره علامة فارقة في تاريخ البلدين..؟
– ينبغي ملاحظة ان المنطقة التي وقعت فيها الحادثة تشهد تفلتاً أمنياً كثيراً والاقليم يشهد مشاكل كثيرة، ليس مع السودان ولكن مع الحكومة المركزية هناك، هناك عناصر متفلتة، كما ان هناك عناصر تأتي من دولة ثالثة ويدخلون اقليم الامهرا باثيوبيا اقليم بني شنقول ويثيرون المشاكل بهدف ضرب العلاقات بين البلدين في مقتل، وانا اعتقد ان الخلافات مُتوقع حدوثها بين البلدين لكن ينبغي احتواؤها بطريقة هادئة ودون أي انفعال، واعتقد ان ما رشح وصدر من زيارة الفريق صلاح قوش المدير العام لجهاز الامن لأديس ابابا لتسوية القضية،اعتقد انه أفضل وسيلة لمعالجة ما حصل دون اللجوء الى التصعيد، لأن ذلك قد يحدث من الجانب الآخر ايضاً، لذلك كلما تم احتواء المشاكل دون اللجوء الى التصعيد كان ذلك أفضل.
* ولكن اذا وقعت مثل هذه الحادثة على الجانب الآخر هل يمكن ان تمر بهدوء..؟
– الاثيوبيون حسب علمي ، يعملون دائما على احتواء المشاكل مع السودان دون اللجوء الى اثارتها في الرأي العام ، وقناعتي ان اثيوبيا والسودان أكثر دولتين يمكنهما ان يؤثرا على الأمن القومي لبعضهما البعض، ولابد من ملاحظة اننا لدينا حدود ممتدة بطول (7) ولايات، اكثر من ربع ولايات السودان، هذه الولايات تشمل كسلا والقضارف والنيل الازرق وسنار بالنسبة للولايات الشمالية واعالي النيل وجونقلي وشرق الاستوائية بالنسبة للولايات الجنوبية، واثيوبيا هي الدولة الوحيدة التي لديها حدود مشتركة مع شمال وجنوب السودان وهي الدولة الوحيدة التي لها قبائل مشتركة مع الشمال والجنوب، لذا فإن النظرة يجب ان تكون هناك علاقة استراتيجية لتوفر كثير من الروابط (النيل الازرق والقبائل المشتركة والتاريخ المشترك…)
* وماذا عن الفشقة الكبرى واراضي شرق العطبراوي التي لا تزال تحت سيطرة المزارعين الاثيوبيين..؟
– الفشقة الكبرى حصل حولها اتفاق (المنطقة المتاخمة لإقليم التقراي) وهذا الاتفاق يرجع الى العام 1995 وهو ينص على انه لحين ترسيم الحدود يتم توزيع الاراضي بنسة (75%) للاثيوبيين و(25%) للسودانيين وهو اتفاق لا ينطبق على المنطقة شرق العطبراوي التي دخلت فيها القوات الاثيوبية عام 1996، نتيجة للتوتر الذي حدث عام 1995 عقب محاولة اغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك، ولعله من المهم ان نذكر أن رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي خاطب مجلس النواب عندما وقعت الحوادث في منطقة الدندر ، ذاكراً ان الاثيوبيين، من قبل استقلال السودان، كانوا يزرعون اراضي تخص السودانيين، وهذا نفس الكلام الذي قاله سيوم مسفن وزير الخارجية الاثيوبي للبرلمان ان هذه الاراضي سودانية وحتى لجنة ترسيم الحدود بين البلدين تعتمد مرجعية واحدة ونفس الخرط الموجودة لدى الجانب السوداني موجودة لدى الجانب الاثيوبي..
وقوع الحوادث امر غير مستبعد لكن لا ينبغي تحت أي ظرف من الظروف محاولة تأجيج هذه الحوادث، بل لابد من العمل على احتوائها بطريقة هادئة ومقبولة للطرفين ولو سُمح لي ان اتطرق الى هذه المسألة، سأذكر الذي دار مؤخراً من أن الصديق كرم الله عباس العوض تحدث في حفل لتكريم الوفد الاريتري برئاسة محمود جابر، لكي يدين اثيوبيا، وانا اعتقد انه على كافة المسؤولين في كل المستويات ينبغي ان يراعوا هذه المسألة وحساسية العلاقة بين اثيوبيا واريتريا، ولا ينبغي الحديث تحت أي ظرف من الظروف امام وفد اريتري سلباً او ايجاباً عن اثيوبيا، وبنفس القدر لا ينبغي الحديث سلباً او ايجابا عن اريتريا امام وفد اثيوبي..ولا اعتقد ان هناك مشكلة أكبر في تاريخ العلاقات بين السودان واثيوبيا مثلما حدث في العام 1995 بعد ان وصلت الأزمة الى الاتحاد الافريقي (كان وقتها منظمة الوحدة الافريقية) ومجلس الأمن الدولي وتدخل فيها الامريكان وغيرهم ، ورغم كل ذلك تمكن الرئيسان عمر البشير وملس زيناوي من معالجة المشكلة بما لديهما من صلة متميزة دون أي وسيط سواء اكان من الأقليم أو الأمم المتحدة أو غيره.
واذا كان البلدان قد تمكنا بما هو موجود من علاقات متميزة – وستستمر بإذن الله – من احتواء أعتى الأزمات وأصعبها ، فأعتقد انهما يفترض ان يمضيا على نفس المنوال في حل المشاكل متى ما ظهرت ومتى تظهر..
* موقف السودان من الصراع الاثيوبي الاريتري كيف تنظر اليه..؟
– الصراع بين اثيوبيا واريتريا مستحكم وانا لست متشائماً بطبعي لكن اقول انه ليس هناك مجال لاصلاح العلاقات بي البلدين ما دام النظامان القائمان حاليا موجودين في سدة الحكم، وما حدث هو اشبه بالشرخ في الاسرة الواحدة بين الاشقاء وليس هناك مجال للاصلاح حاليا..السودان تربطه علاقة متميز باثيوبيا وله علاقة جيدة باريتريا لكن رغم الجهود المبذولة اعتقد انه من الصعب ازالة الشرخ في الوقت الحالي بين اثيوبيا واريتريا.
* هل الصراع على بادمي وزلاامبسا هو ما فجّر الاوضاع بين الطرفين..
– حسب متابعتي اللصيقة لهذه المسألة الإعتداء على بادمي وزلا امبسا فإن ذلك الأمر لم يكن بداية الخلاف وانما كان نهاية الخلاف هناك مسائل كثيرة كانت موجودة ، تراكمات، واستطيع القول انه منذ اليوم الأول الذي استلمت فيه الحركة الشعبية لتحرير اريتريا السلطة بعد دخولها الى اسمرا في 24/5/1991 ودخول الجبهة الشعبية لتحرير التقراي وحلفائها الى اديس ابابا في 28/5/1991 منذ ذلك الوقت بدأت تظهر الحساسيات بين الطرفين…
* رغم ان الدبابات الاريترية كانت تحرس مبنى البرلمان في اديس لحماية الحكومة الجديدة..
– نعم رغم ان الدبابات الاريترية كانت في حراسة اجتماع البرلمان الاثيوبي،وبالرغم من ان الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا بقيادة أسياس افورقي والجبهة الشعبية لتحرير التقراي بقيادة ملس زيناوي وحلفائه حاربوا سوياً من اجل تغيير النظام القائم وقتذاك في اثيوبيا، وانا حين ذهبت الى اديس ابابا بعد أقل من شهر من التغيير ( 26/6/1991) في ذلك الوقت كانت القوات الاريترية داخل اديس ابابا بحكم التنسيق الذي كان قائما بين البلدين، ولكن سرعان ما بدأت تحدث مشاكل بين الطرفين حتى داخل اديس ابابا، ومن بين المشاكل الاقتصادية التي ظهرت كانت مشكلة العملة حيث كانا يستخدمان عملة واحدة لكن اسعار صرفها تختلف ما بين اديس ابابا واسمرا، ففي الوقت الذي كان سعر صرف العملة في اديس ابابا هو ستة برات مقابل الدولار كان في اسمرا الدولار يتجاوز السبعة برات مما اعتبر تخريبا اقتصاديا وكذلك تفشت عمليات التهريب واغتيال بعض الشخصيات الاريترية التي كانت تقيم في اديس ابابا…
وفيما أعلم يقيناً فإن الاثيوبيين كانوا يشتكون مراراً للاريتريين من التدخلات غير المقبولة في شؤونهم.. ولما دخل الاريتريون في بادمي انفجر الصراع بصورة دراماتيكية ودامية ولابد من ملاحظة ان هناك احساساً لدى التقراي ان اسياسي هو واحد منهم (ابن خالتهم) وفي قناعتهم ان يقوم اسياسي باحتلال بادمي ويقصف مكلي عاصمة أقليم التقراي بالطائرات فإن ذلك امر غير مقبول..
اعتقد ان الصراع بدأ من اليوم الاول وظل مستمراً الى الآن فالاثيوبيون كانوا يشتكون من ممارسات الاريتريين لكن الحوادث التي وقعت في بادمي وزالاامبسا فجرت الوضع بطريقة مأساوية..
* هناك من يرى ان اثيوبيا عدو محتمل للسودان من الناحية الاستراتيجية..؟
– انا شخصيا لا اعتقد انه بعد وصول الانقاذ الى سدة الحكم في 1989 لم تعد اثيوبيا هي العدو المرتقب للسودان، لأن القادة في الحكومة الاثيوبية يعتقدون انهم وصلوا الى الحكم عن طريق السودان، وقد ذكر لي ملس زيناوي في اول لقاء لي معه انهم بعد استلامهم للحكم بعد سقوط نظام منغستو، وكانوا في الطريق الى اديس ابابا قام هو ورفيقه سيوم مسفن بزيارة الرئيس البشير وطلبوا منه النصح فكانت نصيحة البشير لهم “الا يعادوا امريكا او اسرائيل”، ويضيف زيناوي انهم وصلوا الى اديس ابابا – بطائرة كان يقودها الفريق الفاتح عروة بنفسه اجتمعت في نفس اليوم ، اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية الثورية والمكتب السياسي لجبهة التقراي وقرروا في الاجتماع ان يرفعوا درجة الرئيس البشير من صديق الى درجة أخ، لأنهم كانوا يعتقدون ان ذلك الوقت كان الوقت المناسب لكي يملي عليهم الرئيس البشير شروطه ، لكن الرئيس البشير بالرغم من سوء العلاقة بأمريكا واسرائيل قال لهم ” ما تحاولوا تخسروا امريكا أو اسرائيل” ومن ذلك اليوم بدأ الرئيسان البشير وزيناوي في وضع استراتيجية موحدة بين البلدين تشمل التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والتنسيق في المجال الامني والسياسة الخارجية وهناك اتفاقية موقعة للتنسيق بين سفارات البلدين في كل انحاء العالم، والتنسيق في المواقف داخل الاتحاد الافريقي والمنظمات الاقليمية والأمم المتحدة وغيرها.. وهناك اتفاق للتكامل الاقتصادي ويأتي طريق دوكة القلابات غندار المتمة في هذا الاطار بجانب الخطوات الاخرى التي تمت في مجال استيراد البترول السوداني ومد السودان بخطوط الكهرباء من اثيوبيا..لذا فإن الحديث عن ان اثيوبيا عدو محتمل حديث لا يستقيم في ظل التعاون الاقتصادي والاتفاقيات الموقعة بين البلدين خاصة الأمنية وهناك تفكير بمد خطوط السكة حديد وقد تم الغاء التعرفة الجمركية بين البلدين وانشاء سوق حرة لذلك وعليه فإن وضع اثيوبيا في خانة العدو المحتمل هو حديث غير صحيح اللهم الا اذا كانت هناك جهات معينة لاغراض معينة تسعى لإيهام السودان دائما ان اثيوبيا هي العدو، وانا لا اعتقد بذلك.
* التكامل بين الاقاليم والولايات الحدودية..
– التكامل سيكون بين ولاية اقليم التقراي وولاية كسلا وجزء من ولاية القضارف، وهناك طريق يربط من الحمرة بمنطقة حمداييت ثم القضارف، والمنطقة الثانية للتكامل ستكون بين اقليم التقراي وجزء من ولاية كسلا وولاية القضارف ونفس الشيء فقد بدأت الترتيبات في الجزء الثاني بين اقليم بني شنقول وولاية النيل الازرق ، اما مجالات التعاون فهي متعددة وتشمل حظيرة الدندر التي تربط بين ولاية سنار واقليم الأمهرا وهكذا وبين ولاية اعالي النيل وقمبيلا حيث تتمركز هناك قبيلتا الانواك والنوير وهما من القبائل المشتركة.
ما اريد ان اخلص اليه هو أن التكامل الإقتصادي بين اثيوبيا والسودان أمر بدأ حالياً وينبغي ان يستمر مع تقديرنا لبعض التدخلات والتحرشات التي تحدث من وقت لآخر مثل الحوادث الأخيرة التي وقعت في جبل حنتوب وغيرها لكن معالجة هذه الأمور ينبغي ان تكون بطريقة سرية وناجعة وسريعة .
ومشاكل المزارعين في تقديري التي تقع تحتاج الى صبر وأناة وعدم انفعال وانا لا اشارك الصديق كرم الله عباس في انفعاله في هذه المسائل خاصة وانه زار اثيوبيا اكثر من ثلاث مرات وتمت مناقشة هذا الأمر في اجتماعات الولايات الحدودية التي هو عضو فيها من ولاية القضارف.
ونخلص الى انه كلما كانت هناك مشاكل ينبغي ان تتم معالجتها بطريقة سرية اما اذا سلكنا طريق التصعيد فإنه سيكون وبالاً على البلدين، وانهيار العلاقة بين البلدين سيكون وبالاً عليهما وعلى الأمن في منطقة القرن الافريقي.، ويجب ان نضع في اعتبارنا ان السودان واثيوبيا هما أكبر دولتين في منظمة الايقاد واذا حدث اختلاف او اقتتال بين البلدين، لا قدر الله ، فهذا يعني انهيار منظمة الايقاد، مع العلم ان الاتحاد الافريقي يعتمد اعتماداً اساسياً على المنظمات الاقليمية مثل الايقاد في شرق افريقيا والايكواس في غرب افريقيا وسادك في جنوب افريقيا.
وانا اعتقد انه ينبغي الاستفادة الكاملة من العلاقة المتميزة بين الرئيسين ميلس زيناوي والبشير، والملاحظ هنا ان اللجنة المشتركة بين البلدين تتبع لهما مباشرة اي برئاستهما وهي ليست مثل اللجان الوزارية الأخرى التي عادة ما تكون على مستوى رئاسة الوزراء او وزراء الخارجية، واذا كانت العلاقة بين البلدين متميزة على مستوى القمة فلا ينبغي لها أن تشهد توتراً..[/ALIGN]