منى سلمان

كاينة كبيرة خلاس

[ALIGN=CENTER]كاينة كبيرة خلاس [/ALIGN] في أحد الأحياء الجديدة بأم درمان، سكن العم (عيسى) بأسرته في ذلك الحي الحديث نسبيا، حيث كانت تشكيلة أهل الحي القادمين من مختلف مناطق السودان، سببا في ترابط النسيج الإجتماعي بينهم ودافعا للتعويض عن بعدهم من الأهل .. وعبر سنوات إقامته بينهم لم يرى سكان الحي أيا من أقارب العم (عيسى) يقوم بزيارته ربما لبعد المنطقة التي قدم منها .. مرت الأيام وتوعك العم (عيسى) ثم ساءت أحواله حتى فارق الحياة، فتجمع الرجال من أهل الحي وقاموا بستر الجنازة والإشراف على أيام المأتم، أما النسوة فبعد أيام الفُراش الأولى صرن يتناوبن في مساعدة الزوجة والعناية بأولاد المرحوم ومؤانستها في أيام الحبس.
في إحدى الصباحات وقد كانت وردية الملازمة من نصيب (البخيتتين) .. حاجة (بخيتة) زوجة (سيد) وحاجة (بخيتة) زوجة (عباس)، تلاقت (البخايت) ثم انطلقن معا لبيت البكا وكل واحدة فيهن (مفنوسة) الظهر جراء حمل صينية فطورها .. (بخيتة عباس) كانت تحمل العصيدة وملاح النعيمة، أما (بخيتة سيد) فقد رصت طرقات كسرتها الرهيفة حول صحن الباشري الملئ بـ (ملاح التقلية) ولم تنس أن تضع بجوارهم الملّاحة.
بعد الفطور واستمخاخة الشاي والجبنة، تمددت (البخيتتين) على العناقريب في الراكوبة بجوار زوجة المرحوم، وانهمكن في ونسة حميمة دون أن يعكر صفوها الهموم والشواغل.
فجأة فتح الباب الخارجي ودخل رجل مسن منحني الظهر يحمل بطيخة في يده .. سار الرجل بخطوات هادئة بطيئة وهو مطأطئ الرأس، وعندما مرّ من أمام الراكوبة ألقى التحية بصوت أجش وواصل طريقه حتى المطبخ ..
دارت الأرض بـ (البخيتين) وغاصت بهن العناقريب رعبا، فقد هالهن الشبه الغريب بين حامل البطيخة والمرحوم .. ظلت المرأتان تتابعن خطوات الرجل فاغرات الأفواه، حتى أختفى ببطيخته داخل المطبخ .. ولم يخرجهن من سهم الذهول الذي أصابهن إلا صوت زوجة المرحوم وهي تقول:
ده عم البنات .. توم (عيسى) الله يرحمو .. جا من البلد بعد سمع بالوفاة !!
تململت (البخيتتين) ثم استأذن بعد قليل وانطلقن وهن يسابقن الريح كل واحدة في اتجاه بيتها، بعد أن كركبت البطون جرّاء (الخلعة) التي أصابتهن، بسبب (لخبطة كيمان) الخرافة مع حجاوي (ألف ليلة وليلة الحبوباتية) عن العائدون من المقابر، وهيجان الأشجان الذي تسبب فيه الشبه الـ (الخالق الناطق) بين المرحوم وتوأمه .. اندفعت كل واحدة منهن في بيتها إلى بيت الراحة بعد أن ألقت بثوبها كيفما اتفق .
بعد ذلك جلست (بخيتة سيد) تحكي لبناتها وقد اتسعت عينيها كـ (الريال أب عشرة) وقالت: وحات اسم الله يا بناتي.. وشوف عينيي ما جابوهو لي.. الليلة عمكن عيسى قام بعاتي .. جا داخل علينا مدنقر وشايل ليهو بطيخة بي إيدينو المعوجات….
ظلت حاجة (بخيتة) تهضرب دون أن تتمكن بناتها من مقاطعتها، لتوجيه سؤال بسيط عن السبب المنطقي الذي حدا بـ (البعاتي) لأن يكلّف نفسو ويجيب معاهو بطيخة !!
أما بخيتة الأخرى فقد (كضمت) من الخلعة واكتفت بالإسراع لبيت الراحة بين الوقت والآخر وهي تردد :
أمانة الليلة ما بقت علينا كاينة كبيرة خلاس !!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

‫4 تعليقات

  1. الاخت والاستاذة منى متعك الله بالصحة والعافية كما امتعتينا بكتاباتك الشيقة والله انا من المعجبين شددددددديد بكتاباتك وعامودك ده انا بنتظروا بى فارق الصبر وحقيقة انا ارى فيكى مشروع كاتبة واديبة وروائية من نوع فريد وشكلك كدة عندك محاولات شعرية وعندى لك اقتراح بان تجمعى كتاباتك هذه فى شكل كتاب روائى واتمنى لك التوفيق والى الامام دائماوما تحرمينا من كتاباتك بالذات هى المتنفس الوحيد لينا فى بلاد الغربة يعنى الواحد فينا يكون عايش فى اجواء الوطن حتى صدور العامود التالى اما تعليقى عن البخيتين هن بخات لكن ما سعداء بدليل موقف البعاتى ده وبدل البخيتات كان يسموهم الشقيانات ولا شنو رايك

  2. الله يخت محنك يا بت سلمان انت بتجيبي القصص ده من وين يعني انا قاعد في المكتب امام الكمبيوتر وبضحك زي المجنون والله كان جاء زول داخل في تلك اللحظة يقول انا جنيت
    ربنا يمتعك بالصحة والعافيه كما انت تمتعيننا دائما بإبداعك الراقي والله انت مثال للكاتب المتمكن ( السهل الممتنع) وفقك الله

  3. والله صحى قالو المابعرف يقول عدس انا لمن جيت لى حتة صحن الباشرى دة وقبل ماشوف كلمة ملاح تقلية كنت مفتكر الباشرى زاتو ياهو الملاح هههههههههههههههههههههه.عليك الله انتى بجيبى الكلام دة من وين

  4. المحترمة الاستاذة منى .. تحية وسلامات وكل سنة وانتي طيبة ..
    القصة طريفة طبعا لا يختلف فيها اثنان والذين من قبلي لم يقصروا في الاطراء ..
    لكن والحق يقال ان حكاية البعاعيت والحاجات دي والله تحير المرء ..
    ليس هنالك اسطورة اشد رسوخا في اذهاننا في السودان من هذا البعاتي .. وفيه من الصقص و الحكاوي العجيب والمثير ..
    البعاتي يتربع في عقولنا محتلا مساحة لا باس بها من تفكرينا حتى عندما نصل الى اعلى درجات التعليم ( االبروفيسر ) يكون البعاتي ايضا آخذا هذا الحيز من تفكيرنا ..
    بالله عليك استاذتنا الكريمة يمكنك ان تعملي استبيان صحفي للطلاب في الجامعات عن حقيقة البعاتي فتجدين ان 80%منهم يعتقدون بوجوده ..
    نرجع لموضوع البخيتتتين :
    مع ان الارملة المسكينة وضحت لهن انه الشقيق التوام للمرحوم فانهن ابدا لم يقتنعن ..
    فهذا يدل على ان البعاتي راسخ اكثر من الحقائق نفسها في رؤوسهن . ..
    كان جميلا تصويرك لحالتهن وهن يرينه وقد اتي مطاطا راسه وهذه طبعا حركات البعاتي كما وصف لنا في كتاب (الوصف البديع للبعاتي المريع ) طبعا لايوجد كتاب بهذا الاسم ولكنه يكاد ان يوجد من كثرة حكاوي البعاعيت في زمننا الغابر ذاك ..
    اسخف ما يتصف به البعاتي حسب الروايات انك اذا صارعته فانك ما ان تسقطه ارضا حتى تراه من اعلى لك وهذه هي المصيبة ثم انه يدغدغك حتى تموت من الضحك .. شفتو مصيبة اكبر من دي ؟؟
    لولا ان اطلت الكلام كان لي من احاديث هذا المخلوق الكثير فنحن عاصرنا (الزمن الذهبي ) للبعاتي .
    عاطر الامنيات للاستاذة منى والمتداخلين ومعذرة للتطويل