سفير السودان في ماليزيا: «99%» من الجالية السودانية طلاب
في مبنى ليس بالفخيم (هرباً من ان اقول متواضع) يقع مبنى سفارة السودان في ماليزيا، ومن هذا المبنى تدير حكومة السودان مصالحها الاقتصادية والسياسية والعملية مع دولة ماليزيا، وترعى شؤون الجالية الموجودة هناك، وهي جالية يسودها العنصر الطلابي..طاقم من الدبلوماسيين يقوم بهذا العمل يقودهم السفير نادر يوسف الطيب سفير السودان في ماليزيا.
بين يدي الحوار معه قلت للسفير انت رجل محظوظ لأنك تتعامل مع جالية الغلبة الغالبة فيها -ان لم تكن كلها- من المتعلمين، هز السفير الشاب رأسه موافقا.
كان هذا اكبر باعث لي لاجراء حوار بعيدا عن السياسة، لأنني اعلم انه لو كان الحوار في مضمار السياسة فلن احصل من السفير إلا على اجابات دبلوماسية، واحكام تقريرية، وقد وافقني السفير نادر نفسه على هذه الملاحظة بعد نهاية الحوار.
—–
* السيد السفير: كم عدد السودانيين المقيمين في ماليزيا؟.
– ليس هناك احصائية محددة حتى اذكر لك الرقم، لكن هناك تقديرات تشير الى ان السودانيين في ماليزيا كأسر وجالية يبلغون حوالي اربعمائة شخص، وما لا يقل عن ثلاثة آلاف وخمسمائة طالب.
– هناك سببان: الاول هو ان ان بعض السودانيين لا يسجلون اسماءهم وبياناتهم في السفارة بخلاف معظم الشعوب الاخرى، وقد حاولنا ان نغري هؤلاء الاخوة بالتسجيل عبر تيسير العملية بوسائل الاتصال الحديثة مثل الانترنت. اما السبب الثاني فهو ان المعلومات التي تأتينا من ادارة الهجرة الماليزية ليست دقيقة لأنها تحصر العدد في المقيمين فقط.
* هم يخافون من الجبايات والضرائب لذلك لا يسجلون بياناتهم؟.
– لسنا سفارة ايرادية، نحن من السفارات التي تدعمها الحكومة، لأن معظم السودانيين هنا دخولهم محدودة، وماليزيا ليست دولة جاذبة للعمل مثل دول الخليج، لذلك فالحديث عن ضرائب تفرضها السفارة امر غير وارد.
انا ارى ان عدم التسجيل يعود لاسباب ثقافية، والدليل ان هناك من يزور السفارة ولا يسجل، ولدينا مسعى للتسجيل من خلال تجديد الجوازات.
* ما هي فائدة التسجيل؟.
– الخدمة التي نقدمها للمواطن، وهي تشمل تجديد الجواز، وشهادة الميلاد للاطفال وكل الشهادات الهجرية، ولذلك نحن الآن نطالب بضابط الشرطة وممثل للجوازات.
* الجالية السودانية تعتبر جالية نوعية بحكم ان معظمهم ان لم يكن كلهم من المتعلمين، هل استطاعوا ان يتركوا اثرا جيدا للماليزيين عن السودان؟.
– في الحقيقة هذا سؤال طيب، لأن معظم الماليزيين لديهم معلومات ضعيفة عن السودان، وهو في هذا ضحية للاعلام المعادي اذا صحت العبارة، وانا اعزو هذا للبعد الجغرافي بين البلدين، رغم ان هناك عدداً من الروابط التي تجمعنا مع الماليزيين ومنها رابطة الدين، لذلك اعتقد ان وجود هذا العدد النوعي من السودانيين من شأنه او من المفترض ان يقدّم صورة صحيحة وحقيقية عن الاوضاع في السودان.
* هل قاموا بذلك فعلا؟.
– اعتقد ان هناك تأثيراً واضحاً سواء كان من جانب الطلاب الذين يدرسون او من جانب الاساتذة السودانيين الذين يقومون بعملية التدريس، بل ان اثرهم امتد ليشمل الاجانب الآخرين الذين يقيمون في ماليزيا.
*رغم انها صفوية إلا ان ذلك لا يمنع من السؤال: هل تعاني الجالية من مشاكل معينة؟.
– ليس هناك مشاكل واضحة، الشيء الذي يميز الجالية السودانية هو ان حوالى «99%» منها ملتحقين بالجامعات، بعضهم طالب بكالريوس وآخرون طلاب ماجستير، وبعضهم طلاب دكتوراة، بل تجد في الاسرة ان الزوج يدرس وزوجته تدرس وهكذا.
* من خلال اقامتي القصيرة سمعت ان هناك بعض المشاكل وسط الطلاب؟.
– بالطبع قطاع الطلاب وبحكم العمر ليس لديهم خبرة في الحياة العملية، ولذلك لا تسلم هذه الشريحة من بعض الاغراءات التي يتعرضون لها، كما لا تسلم من بعض الانحرافات السلوكية لدى بعض الطلاب، وهذه بالطبع ظاهرة سالبة ونسعى لاحتوائها.
* البعض يتحدث بقلق عن هذه المشاكل؟.
– نعم، هي قد تأخذ الطابع المقلق، ولذلك اناشد اولياء الامور ان يطلبوا من اولادهم التسجيل في السفارة.
* هل يعصمهم ذلك من التعرض للمشاكل والانحراف؟.
– يمكن ان اعطيك مثالا قد يكون فيه اجابة على سؤالك: هناك طالب سوداني تم اعتقاله في مطار كوالا لمبور، والسبب ان في جوازه تأشيرة مزورة، وعندما تحرينا عن الموضوع وجدنا ان هذا الطالب تجاوز المدة المخصصة له في الاقامة واستعان ببعض اصدقاء السوء الذين نصحوه بدفع مبلغ من المال للحصول على تأشيرة ولكنها كانت مزورة بكل اسف، وقد حوكم هذا الطالب محاكمة قاسية.
* ماذا كان يمكن ان تقدموا لهذا الطالب؟.
– نحن لدينا اتفاق مع ادارة الهجرة، وكان يمكن التوصل الى تسوية يستطيع بها هذا الطالب ان يواصل دراسته، لأن ماليزيا تعاقب على تزوير التأشيرة بالطرد من البلاد، وقد جاءتنا حالات لطلاب انتهت مدة اقامتهم واستطعنا حل الاشكال.
* الملاحظ ان هناك قطاعات اخرى غير الطلاب تجيء الى ماليزيا، هل صار السودانيون اغنياء ام ان ماليزيا من البلاد الرخيصة؟.
– السودانيون لم يعودوا فقراء، آخر احصائية من وزارة السياحة الماليزية ان السودانيين الذين جاءوا بغرض السياحة في ماليزيا في العام 2009 تجاوز عددهم الاحد عشر الف شخص، وهذا العدد ينبيء عن امكانات اقتصادية، لأن كلفة السفر ليست منخفضة.
* قابلني سودانيون يعملون كوسطاء ومرشدين للسياح؟.
– نعم، وفي بعض مراكز السياحة صاروا يطلقون اسم السودان على بعض الشوارع.
* الى اية شرائح ينتمي هؤلاء السياح السودانيين، لأن الرقم يبدو كبيراً، هل هم الصفوة؟.
– لا تحكم من الرقم على ان كل السياح يأتون من السودان، هناك اعداد مقدرة من السودانيين تأتي الى ماليزيا من دول الخليج لقضاء عطلة الصيف او خلافه، كما انه صار من المألوف ان يأتي العرسان الى هنا لقضاء شهر العسل.
* الى اين يتجه هذا العدد الكبير من الطلاب السودانيين الذين يدرسون في ماليزيا بعد التخرج؟. لماذا لا نحس بأثرهم في الحياة العملية في السودان؟.
– الحقيقة معظم الطلبة هنا يدرسون في مجالات وتخصصات مطلوبة ونوعية، فحوالي ثمانين بالمئة منهم يدرسون الهندسة بمختلف تخصصاتها الى جانب ادارة الاعمال والطب.
يمكن ان يكون مردود دراسة هؤلاء ممتاز اذا كان سوق العمل في السودان جاذبا، والحقيقة ان جزءاً من هؤلاء الطلاب يفضل الذهاب الى الخليج.
* يعني انه لم يأت أوان الاستفادة منهم بعد؟.
– أبداً، هؤلاء الطلاب لديهم انتماء عميق للوطن، ولديهم حب وعاطفة قوية تجاه بلدهم، وهناك بالفعل من عاد الى السودان وانخرط في الحياة العملية، انا اتمنى ان يعكس هؤلاء الطلاب سريعا تجربة ماليزيا في النهضة التي قامت على اساس العلم.
الراي العام
حاوره في كوالا لمبور: مالك طه