حوارات ولقاءات

أوراق العمر مع الوزير سناء حمد : لا احتاج إلى حراسة .. واستقل المواصلات العاملة

الأستاذة سناء حمد للذين لا يعرفونها، نعرفها منذ زمان الصحافة الطلابية المستنيرة التي كانت لها تأثيراتها في المحيط الطلابي والسياسي، اريد ان اسألك عن النشأة والتكوين والاسرة والدراسة.
ولدت في الخرطوم، لكن كثيراً لما أفكر في الميلاد والنشأة والتكوين افكر في والدي واعتبره اجمل ما في حياتي توفى وانا في الخامسة عشرة من عمري وهو تربى ودرس المسلمين في مصر وجدي كان جبهة ميثاق وانتمي لأسرة متعلمة ونشاطها محتكر بين القضاء والتدريس والأسرة في غالبها خرطومية لذلك كان هناك اهتمام بالتربية والنجاح لافرادها وطموحات بلا سقف في اطار المحافظة والشعور بانك صاحب قضية وفكرة، كان والدي ليبرالي رغم انتمائه للأخوان المسلمين، لذلك لما تعثر قبولي في المدرسة لصغر السن آثر ان يرحل عن الخرطوم ودخلت مبكراً المدرسة وتفوقت فيها، غرس فينا والدي حب القراءة والاطلاع والتأمل، والدي بدأ معي دراسة الفقه بالتركيز على فقه العبادات وانا في الصف الثالث الابتدائي، دراستنا الاولية كانت في المدينة المنورة وحرص والدي على ربطنا بالمشايخ في الحرم النبوي وأذكر انه في الاجازة ما بين الصف الخامس والسادس اهداني كتاب تاريخ العالم، كان يفكر ان ابنته افهم من انديرا جواهر لال نهرو التي فهمت رسائل والدها في السجن وهي في سن العاشرة، كان يمدني بكتب احسان عبدالقدوس وعبدالحليم عبدالله وشارلوت دينك. والمنفلوطي وكانت لدي جدء من التراجم العالمية ويحفزني على عدد رؤساء العالم والدول التي احفظ عواصمها، يحفزني على التأمل في القرآن، بهدايا مالية أو كتاباً جديداً.

1222011122540PM1

كان دائماً يقول «أنتي فكري بعدين صاح واللا غلط دا كلام تاني».
* هل كان معلماً؟
– نعم كان معلماً وتنقل في مناطق كثيرة في السودان، توفى مبكراً وانا في الخامسة عشر من عمري، من الاشياء الجميلة التي كان يربينا عليها ان الانتماء للأسلام ليس شعاراً ولا لانك ولدت لأسرة مسلمة، بل كان يقول ان الانتماء للاسلام هو سلوك ويقول اجعلوا دقيق امركم في المعاملات وملحه من العبادات والصلاة خمس مرات ما بتأخد نص ساعة من اربع وعشرين ساعة والحج مرة واحدة، وباقي حياتك كلها معاملة ورحم الله امرئ سمحاً اذا باع وسمحاً اذا اشترى، كان يقول ان الشيوعي طالما قد قال «لا إله إلا الله محمد رسول الله» فقد عصم الله ماله وعرضه ونفسه فهو مسلم، لم يكن متعصباً رغم انتمائه للاخوان المسلمين، كثيراً ما كنت اتحدث عن فلان شيوعي وفلان بعثي أو ..أو كان يقول ما تتعلموا الحكم على الناس ويفتكر ان المسلم في سلوكه وهيئته دعوة متحركة حتى وان لم يتحدث، كل المسألة عندي مرتبطة بوالدي حمد العوض.
* الثانوي درستيه وين؟
– الثانوي في الخرطوم، والوسطى في الخرطوم الاميرية ثم مدرسة الصحافة حينما حضرت السودان لظروف اقتصادية سنة 85 وعدم توافر المواصلات درسنا في الصحافة، واحياناً كنت اضطر امشي من مدرسة الاميرية بالقرب من كوبري الحرية بقدمي الى المنزل في الصحافة لعدم وجود المواصلات في السنة الثالثة اضطررت ان انتقل لمدرسة في الصحافة بالقرب من المنزل.
* تذكري منو في زميلاتك في الثانوي؟
– الخرطوم الجديدة كانت مدرسة حية وكانت المدرسة الاولى في العاصمة وكانت مدرسة مديرتها الاستاذة الفاضلة خديجة عبدالله وعانت مني كثيراً وانا رئيس الاتحاد ولكن بيني وبينها مساحة من الاحترام وللأسف لم التق بها بعد تخرجي من المدرسة وقد كرمها السيد رئيس الجمهورية في برنامج الراعي والرعية قبل عام لجهودها في مجال التربية والتعليم، وكانت تتحدث بثناء عني رغم اني اتعبتها كثيراً وكنت احاول الخروج بمظاهرات طلابية وعانت كثيراً جراء ذلك.
* هل كنت تتبعن لتنظيم الاسلاميين؟
– أيوه
* من جندك للتنظيم؟
– نشأت في بيت وجدت فيه عدداً من قيادات العمل التنظيمي الاسلامي في المدينة المنورة يزورونا الاخوان. لكن احدى الاخوات في الصحافة هي اسماء حسن في ديوان المراجع العام حالياً هي من جندتني للعمل التنظيمي وكنت اقيم دروس فقه في المدرسة، وانتظم عدد من الطالبات بالزي الاسلامي وفي ثانية متوسطة جعلت الفصل كله يرتدي الزي الاسلامي عدا طالبة واحدة مسيحية وكانت تقول لي «اللبس عاجبني لكن اهلي ما بخلوني».
في الثانوي زاملت هاجر سليمان طه ومن الشخصيات المعروفة لدي صديقة بلقيس حمد عبدالباسط خريجة صيدلة الخرطوم ومن الشخصيات الاساسية الآن في معمل استاك ومن الصديقات عدد من المصممات والتشكيليات المعروفات في بنك السودان اغلبهن.
* هوايات مارستيها؟
– بحب ركوب الخيل والسباحة والقراءة والمشي.. وحتى الآن حينما يتعثر على قراءة كتاب اوقف سيارتي واركب الحافلة اصل آخر محطة هنا وآخر محطة هناك حتى استطيع ان اعود لمتابعة قراءة كتاب بتركيز، في المواصلات العامة حتى الآن لا انام إلا بعد اقرأ لمدة ساعتين يومياً وعندي هواية جديدة مزعجة هي تعامل مع الانترنت والشات والمواقع الالكترونية.
لما بدأت خدمة الانترنت جديدة في السودان كان د.غازي صلاح الدين يجدني كل يوم نعسانه في الشغل واخبرته انني بقعد «16» ساعة في الانترنت لقراءة الكتب بالذات التي لا تصل السودان.
وظل الاطلاع والمشي قبلهم السباحة وركوب الخيل كنت في فريق الجامعة وبحب السينما وقبل ما ادخل المدرسة خالي كان مسؤول في القاعة كنت مدمنة على مسرح العرائس سنة 1978 وكنا نقيم في بيت جدي بوسط الخرطوم البرنامج الاساسي كان السينما.
* الجامعة درستيها وين؟
– انا درست جامعة الخرطوم، درست لدى معلمة درستني في الابتدائي توفيت الآن لها الرحمة، جات سألت سناء دخلت شنو؟ وقالت لما جابوها مستمعو سألت الفصل دايرين تبقوا شنو إلا انا لاني كنت صغيرة فاحتجيت واخبرتها اني دايرة ابقى دكتورة في السياسة لان والدي كان يقول ان مشكلتنا ليس في الطب والهندسة بل في السياسة المسلمة فدخلت جامعة الخرطوم برغبة اكيدة في دراسة العلوم السياسية وتخرجت وكانت عندي علاقات ممتدة بكل الوان الطيف السياسي في الجامعة رغم انني كنت منتمية للتيار الاسلامي ولدي مجموعة من الاصدقاء الذين عبروا لله شهداء في اخوتي، من الاشياء اللطيفة التي لا يعرفها الناس ان والدي له الرحمة كان لا يحبذ صحبة الفتيات كان معظم اصدقائي من الصبيان، لدي صديقان كنت لا افترق عنهما منذ المتوسطة احدهم استشهد الشهيد عاصم سيد ابراهيم في منطقة ياي والاخر هو المهندس حامد السليمان وثالثهم هو الاخ عبدالعاطي محمد خطر كان نائب امين الشباب بالمؤتمر الوطني.
والشهيد انس الدولب ايضاً كان صديقاً مقرباً، لما دخلت الجامعة نلت اهتماماً من الاخوان واحدهم وضع بصمة كبيرة في مسيرة حياتي هو الشهيد حسين حسن حسين كان امير الوسط ثم الشهيد علي عبدالفتاح وكان لدي مجموعة من الاصدقاء عمار عثمان ومعظمهم ذهبوا شهداء في الجنوب، وكنت اقول ان الشهيد عمار عثمان بالجامعة بانه حنكوش وشهادة عربية يقول لي انتي ذاتك ما حنكوشة خرطوم، ولما مضي به الامر شهيداً قلت لهم انه يذكرني بمصعب بن عمير خشناً في ملبسه وهيئته بعيداً عن ملامح الدعة التي بدأ حياته الجامعية، ومن المقربين الاستاذ عبيد الله احمد بجامعة الخرطوم ومن الصديقات الفضليات حينما دخلت الجامعة منهم الاستاذة نوال مصطفى دفع الله في الاذاعة السودانية وهي مازالت في حزب المؤتمر الشعبي ولكنها مازالت مقربة رغم الاختلاف السياسي وامرأة السودان محتاج يكتشف امكانياتها مفكرة لم يستفد من امكانياتها.
* اقترابك من المجاهدين هل ابعدتك العاطفة من قلبك كفتاة في مقتبل العمر؟
– ربما.. لم تستوعبني المسألة في شكلها التقليدي المحدد.. لكن انا خطبت في السنة الاخيرة بالجامعة من زميل مولانا خالص وتزوجنا قبل ظهور النتيجة وهو من فداسي في الجزيرة من اسرة متعلمة.. زوجي هو هيثم بابكر يوسف والده عالم في اللغة العربية وكان عميد كلية التربية في جامعة الجزيرة من أسرة مليئة بالمتفوقين هيثم كان صديقي واخي ثم زوجي والآن كثيرون من المقربين يرون فينا ثنائياً مختلفاً اصدقاء وازواج وهو رجل ناجح في عمله.
* لماذا لم يقترن اسمك باسرتك المعروفة «البيلي» فعرفت بسناء حمد دون سناء البيلي؟
– لكني احب حمد واعرفه، بالمناسبة معظم اهلي واسرتي يستخدمون اسم جدي البيلي اذكر ان لي كتاب صدر كتبت اسمي سناء حمد العوض قرافي فوجدت اخواني واعمامي محتجين طالما اصلاً بكتب لقب ما تكتبي البيلي معروف اكثر من قرافي، لم اشعر باني محتاجة لاسم الاسرة اشتهر بها لكن يعجبني سناء حمد العوض.
* استاذة سناء انت الآن اصغر وزيرة في حكومة السودان كيف تتعاملين مع الوظيفة وهل توقعت الاختيار؟
– بتذكر اول مرة لمن جبت رئيس تحرير لصحيفة «المسيرة» كنت متضايقة، حتى في المدرسة ما كنت بحب اقعد في الكنبة القدام واذكر ان المعلمة استدعت والدي قائلة (بنتك قصيرة ودائماً بتقعد في الكنبة الورا)، جاء الوالد قال ليه قلت ليهو البقعد قدام بتفرجوا فيهو لكن وراء بتفرج في الناس كلها، لما جيت رئيس تحرير كنت متضايقة جداً وقبلها كنت مديرة للمركز القومي للإنتاج الاعلامي كأول سيدة تدير المركز، كنت أصغر شخص في إدارة المركز ايضاً وأتذكر جيت لجدي عليه رحمة الله توفى في العام 2006، قلت له ما عندي مانع اشتغل في المركز لكن ما مدير قال لي ليه تعلمي ان تفيض اشياء للدنيا ما في كرسي بيضيف لي زول حاجة بل انتي ما تضيفين له واحرص دائماً على النجاح والتعامل بصناعته والتأثير ولا تتأثري وان اعاش في الدنيا تمر بل هي تجربة في حالة الفشل والنجاح واذكر لما اخترت ضمن «41» خبيراً للمركز الاستشاري لمفاوضات السلام مع د.غازي صلاح الدين اليوم الاول كل الحاضرين افتكروني من ضمن مجموعة السكرتارية في وفد الخبراء واذكر انها الايام الاولى كلها ما بتكلم مشيت لدكتور غازي واحتفى بعلاقتي واستفادتي من العمل معه جيداً تعلمت منه الكثير، اشتغلت معه في وزارة الاعلام واذكر انه طلب مني كتابة خطاب ليلقيه في الهند، اعدت صياغة الخطاب احدى عشرة مرة ولكن اكسبني ثقة في النفس، لما اختاروني مع الخبراء مشيت قلت ليه «الناس ديل كبار، وخبرة وتخصصات، الناس ديل انا خايفة منهم»، رد قائلاً «المعايير الجابتهم هي الجابتك معاهم في اللجنة ماتعايني لي سنهم».
كلمته هذه من الاشياء التي اكسبتني الثقة في العمل العام اما عن تعييني وزيراً دولة في الإعلام، كان في ارهاصات في الصحف، معظم المقربين مني يعرفون أني مسافرة للدراسات العليا في بريطانيا وعملت اجراءاتي فعلاً، مشيت العمرة وقلت اجي عشان اسافر بريطانيا الاقامة والتأشيرة كلها كانت جاهزة، فوجئت بالخبر بالتلفون من الاستاذة عفاف احمد عبدالرحمن في الساعة الواحدة صباحاً وكنت في جدة متوجهة للمدينة المنورة، قبلها اتصلوا على بعض الاخوان واخبروني بالاختيار ولكن عفاف اكدت الخبر باني اول أمرأة تشغل المنصب، تذكرت قصة في السيرة لعبدالله بن عمر ان رأى والده فقال ما اخرك عنا فقال عمر الآن فرغت من السؤال وكانت الرؤية بعد احد عشر عاماً من وفاته، هذا عمر الذي يفرق بين الحق والباطل ووافقه القرآن واحاديث النبي «صلى الله عليه وسلم» من حق عمر.
* استشاروك؟
– لم اشاور قط.. لكن العمل العام صعب شخصياً كانت مفاجأة بالنسبة لي لان خيارات المؤتمر الوطني للإنتخابات احتج فيها بشدة كما تابعت بالذات في قطاعات الشباب، ولم يكن بخلدي شخصياً، ربما لترتيباتي الدراسية وان اصبح دكتورة في السياسة واسهم فيها من غير العمل في وظيفة سياسية مباشرة، جملة الشباب الذي شارك في التشكيل الحكومي رقم كبير يحسب لصالح الحكومة، سألتني احدى الأخوات ما هي المعايير التي تم تعيينك على ضوئها فقلت لها لست مسؤولة عنها ولكن اسأليني عن عملي فأنا لم أختر نفس للوزارة.
* هل كان الاختيار لعملك المتميز في القطاعات الطلابية ام وجودك ضمن الخبراء في اتفاقية نيفاشا 2005؟
– والله اسأل الذين اختاروني، حقيقة انا من جيل مختلف حقيقة فيهم المتميزون، افتكر ان قدري هو ما قادني للموقع واتمنى ان امثل جيلي بصورة جيدة لافتح الباب امام عظيمين وعظيمات يشكلون مستقبل مشرق للسودان، مساحة الاختلاف السياسي بين جيلينا والحساسية غير كبيرة في الثانويات والجامعات عاصرنا انهيار النظرية الشيوعية والاتحاد السوفيتي وإنفجار تكنولوجيا المعلومات ونحن جيل نشأ في تحد سياسي امام الاجيال السابقة اتخذ من جامعة الخرطوم مكاناً لنشاطه نحنا جينا من جيل العالم مفتوح ومساحة التحدي الكرة الارضة كلها، والتدافع بين افكار ليست في الفطرة التقليدية للاسلام كحركة أو تنظيم سياسي لكن الاسلام بكامله دين وحضارة وعقيدة ونمط حياتي متكامل مقابل لنمط رأسمالي مادي جشع مسيطر على العالم تمثله امريكا، بساحة التحدي طلعنا ضد امريكا ضد فوكوياما عندما تحدث عن نهاية التاريخ وشكل التحدي ليس في ندوة محدودة في الجامعة ولكن دعوة لتشكل نظام ساسي جديد وعولمة. ومساحة القراءة لا تتوقف عند سيد قطب في الفكر السياسي الاسلامي بل وصلت المهدي المنجي في الحرب العالمية الثالثة ونظريات الرأسمالية الامبريالية ومساحة الانفتاح بقت عن كليات الخلاف المنهجي بين مدرستين وحضارتين مختلفتين وليس بين احزاب، التحدي والصراع اكبر.
حتى الشهداء المدافعة عن ارض وجيل في ادغال الجنوب جيل سمته الاساسية ان ندى الوطن بعمره ما قارب العشرة آلاف شهيد.
* الوزارة وضعت عليك قيود اجتماعية، هل حياتك استمرت كسابقها قبل توليك الوظيفة؟
– اول تغيير علق عليه الناس اني بقيت البس التوب، كنت ارتديه في مناسبات قليلة، اثرت على رياضة المشي فقد كنت امشي يومياً «4» كيلو مترات بعد صلاة الفجر تأثرت مساحة زمني لحد ما، لكن مازالت صديقاتي هنّ صديقاتي وجيراني جيراني ومازلت استمتع بشراب القهوة مع الاهل والصديقات في بيوتهن يوم الجمعة احب اتونس مع اهلي واستشار في اشياء الاسرة واتصل هاتفياً بمعارفي لتفقد احوالهم والتواصل.
* هل لك حراسة؟
– لا.. لشنو.. انا وسط اهلي في الخرطوم ما في داعي اعمل حراسة.

حوار: كمال حسن بخيت – تصوير: شالكا
الراي العام