المخبازة .. نكهة تَتَحدّى الزمن
نكهة خاصة وبصمة لا تشبه غيرها تتمتع بها مدينة بورتسودان، فهي تمنحك إلفة المكان منذ الوهلة الأولى، وتبهرك في كل طرفة عين بمنظرٍ خَلاّبٍ، فتعقد معها صفقة عشق طويلة الأجل، فالصور المتراصة أمامك لمدينة لم تتجاوز المائة عام بكثير تشدك نحوها بقوة، وأصوات المراكب وصافرات السفن وأمواج البحر تجعلك تصيغ السمع وترهفه، أما روائح الأسماك فهي تنمي فيك مَواهب الأكل والتّمتُّع به.. وكذا تفعل فيك رائحة (المخبازة)..
يبدأ عمل (المخبازة) بعمل العجين، ومن ثَمّ وضعه على الصاج على شكل قطع يتم مسحها بالزيت، وحين يتم تحميرها، تؤخذ العجينة التي تكون أصبحت على هيئة فطيرة، ويتم فرمها بمفرمة خاصة، وهناك أخرى تقوم بفرم الموز، ومن ثم تُوضع الفطيرة وترش بالسكر والموز والقليل من السمن حتى يكون الطلب جاهزاً.. وهناك من يضيفون إليها الكثير من النكهات مثل الطحنية والزبيب والعسل والزبادي، لكن العالمين ببواطن أمور (المخبازة) وهيأتها، يقولون إن الإضافات الكثيرة من شأنها إفساد النكهة الأصلية لـ (المخبازة)..!
ويأتي سر إستخدام الموز في المخبازة للفوائد الصحية العديدة للموز، فأكله بشكل منتظم يمنع الإصابة بالجلطات الدماغية، فهو يحتوي على معدني الكالسيوم والبوتاسيوم المنشطين للدماغ، كذلك غني بالألياف التي تحمي الجسم من الإصابة بالأورام السرطانية ويحمي الجسم من فقر الدم..
يقول عثمان عبد الرحيم عبد الحميد صاحب أشهر محل للمخبازة بديم سواكن في بورتسودان، إنّه ورث هذه المهنة من والده الذي بدأ العمل بها مطلع الثمانينات، ويقول إن أول من عمل المخبازة في السوق هي أسرة نجم هاشم نجم وإخوانه الذين امتدت فترة عملهم حتى السبعينات..
(المخبازة) أكلة يمنية في الأصل، وتعرف على إمتداد سواحل البحر الأحمر وموانئه، فهي معروفة في اليمن والسعودية وأريتريا باسم (المعصوب) والمخبازة كما في السودان، ويقال إنها أتت إلى بورتسودان من مدينة سواكن بعد تحويل الميناء، وهي طَعامٌ لقطاع عريض من الصيّادين، مثلها ووجبة (الصيادية) التي يشتهرون بها..
يتناول أهل بورتسودان المخبازة كوجبة عشاء، أو كـ (تحلية) بعد العشاء، لكن هناك بعض المحال التي تفتح أبوابها منذ الصباح ويأتي بعض الناس لتناول المخبازة خلال ساعات النهار، لكن الأصل فيها أن يتم تقديمها عشاءً..
للرياضيون مقاعدهم الخاصة والدائمة، فأبناء المدينة من الفرق المحلية، يعتقدون أن المخبازة وجبة مغذية وتمدهم بالطاقة، لذا يحرصون على تناولها بشكل يومي أو شبه يومي، أمّا الفرق التي تزور المدينة للتباري مع أنديتها، فزيارة ديم سواكن والجلوس في محل (ابن الشمال) لتناول المخبازة يُعد ضمن برنامج الزيارة الأساسي للمدينة، فكيف يمكن أن تزور بورتسودان دون أن تتناول (المخبازة)..!
ويشير عثمان إلى أنّ الأجانب الذين يأتون للمدينة أيضاً يأتون لتناول المخبازة، وأضاف: تعجبهم طريقة صنعها، فيدخلون إلى المعمل ويقومون بتصوير الطريقة التي يتم بها تحضير المخبازة.
بورتسودان: نشأت الإمام
الراي العام