حبيسا القيود بخير..تقييد «عبد المنعم والغزالي» «13» سنة فاقم حالتهما المرضية
——
ما هي الجهة التي يتبع اليها المستشفى حالياً؟
يتبع لدائرة الصحة النفسية بالادارة العامة للخدمات الطبية بوزارة الداخلية التي تشرف عليها اللواء طبيب نور الهدى محمد الشفيع، والادارة تشرف على كل المستشفيات النفسية بالسودان وتعتبر مستشفى بروفيسور عبد العال الادريسي «مصحة كوبر سابقاً» هو المستشفى القومي الوحيد في السودان الذي يستقبل حالات من كل ارجاء البلاد.
ما نوعية المرضى الذين تستقبلهم المستشفى؟
مرضى عقليين خطرين، ومرضى القضايا الجنائية ،فالمستشفى تعنى بالطب النفسي والشرعي معاً.
لاحظنا وجود حركة تجديدية في المباني خاصة البرج الشرقي السماوي اللون.. هل تشمل اعادة تأهيل المباني كل المستشفى؟
المستشفى قديمة، شيدت منذ عهد الاستعمار وكانت سجناً تتبع لدائرة السجون ومبانيها اصبحت متهالكة ولذلك شرعت دائرة الصحة النفسية بازالة كل المباني القديمة، وبناء «4» وحدات بأحدث المواصفات العالمية لمستشفيات الطب النفسي، وسوف تضم منشآت تأهيلية للعلاج التأهيلي للمرضى كالرياضة، والبستنة، والموسيقى، والحياكة للنساء، والحركة التجديدية تهدف لتحسين بنية العمل لتصبح بيئة صحية حسب المواصفات العالمية المعتمدة.
هل صحيح ان كلاً من يدخل المستشفى مختل او مريض عقلياً؟
نعم تضم المستشفى عدداً من الاقسام وبالتالي عدداً من اصناف المرضى.
القسم الشرقي: يضم كل المرضى العقليين الذين لديهم قضايا جنائية وهم محولون من المحاكم او السجون.
القسم الشمالي: وهو قسم النساء، ومعهم طاقم تمريض نسائي على مدار الساعة.
قسم العناية: ويستقبل كل الحالات المضطربة والحادة عند دخولها المستشفى.
قسم الجناح: وهو خاص بالمرضى الذين تحسنت حالتهم.
قسم التأهيل: وهو خاص بالمدمنين ومعظمهم مدمنون على الخمر والبنقو.
هل الكادر الذي يشرف على هذه الاقسام كادر مؤهل ومتوافر؟
كل قسم يشرف عليه ضباط فنيون ومعالجون نفسيون، وباحثون وباحثات اجتماعيات. لمن يتبعون؟
لوزارة الداخلية.
ألا يوجد اطباء مدنيون؟
كل قسم مسؤول عنه اطباء مدنيون بجانب ضباط وضباط صف، وكادر تمريض من العسكريين تخرجوا من جامعة الرباط الوطني، ويؤدون عملهم بالتناوب داخل المستشفى طيلة اليوم اضافة الى «7» استشاريين في الطب النفسي «4» منهم عسكريون ثلاثة برتبة لواء وواحد برتبة عقيد، اما الثلاثة الآخرون فهم من كبار اساتذة الطب النفسي.. بجانب عدد مقدر من الحرس، والعمال والعاملات يعملون جميعاً في خدمة ورعاية المرضى النفسيين. ايضاً لدينا معالج من رجال الدين وهو متعاون يعنى بالجوانب الروحانية في العلاج النفسي والارشاد الديني للمرضى، واقامة حلقات التلاوة لهم وتبصيرهم بأمور الدين بجانب وجود طاقم اداري متكامل، ومعمل وصيدلية تديرها كفاءات تتبع لوزارة الداخلية بجانب قيامها بمهمة التدريب للاطباء وطلاب الطب.
هل تقدم المستشفى وجبات مجانية للمرضى؟
أجل ويوجد مطبخ حديث لتجهيز وتقديم الوجبات للمرضى، تشرف عليه اختصاصية تغذية برتبة مقدم.
مفهوم الطب النفسي الحديث يؤكد على ضرورة تواصل المريض النفسي مع المجتمع والاهل اثناء فترة العلاج.. هل تراعون هذا الجانب؟
لدينا قسم يسمى «قسم الخدمة النفسية والاجتماعية» يرأسه ضابط برتبة عقيد وباحث اجتماعي ويضم عدداً من المعالجين النفسيين، والباحثين الاجتماعيين من الجنسين، مهمته بالقيام بالدور النفسي والاجتماعي للمرضى واسرهم والقيام بزيارات ميدانية لاسر المرضى، ومتابعة المرضى بعد خروجهم من المستشفى، ودراسة الحالة الاجتماعية والاسرية لكل مريض، تحتاج حالته للزيارة الميدانية بجانب اهتمامه بالبرامج الترفيهية وتثقيف أسر المرضى ..كل تلك البرامج تعد جزءاً من الخطة العلاجية.
المادة «118»
هل يحق لأهل المريض النفسي الذي يشكل خطراً عليهم بالمنزل ادخاله المستشفى؟
حالات الدخول تتطلب اجراءات المادة «118» الحفظ والعلاج بواسطة وكيل نيابة ويتم الكشف عليه اولاً بالعيادة الخارجية بواسطة طبيب ومعالج نفسي وباحث اجتماعي لتقييم حالته، اذا استدعت حالته دخول المستشفى، اما اذا لم تكن تستدعي فيصرف له العلاج فقط وعلاجه كمريض متردد على العيادة الخارجية ويتم اخطار وكيل النيابة بأن حالته لا تستدعي بقاءه بالمستشفى.
ما هي الاجراءات المتبعة للمريض النفسي الذي تتطلب حالته البقاء بالمستشفى للعلاج؟
فور دخول المريض المستشفى يتم الاعتناء بنظافته الشخصية مثل حلاقة الشعر وتقليم الاظافر والاستحمام ويمنح ملابس جديدة من المستشفى.
هل يدفع اهل المريض رسوماً للمستشفى مقابل هذه الخدمات العلاجية والتغذية وغيرها؟
أؤكد ان المستشفى لا يستلم اي رسوم مقابل الخدمات العلاجية وغيرها التي تقدم للمريض، فقط هناك رسوم دخول مبلغ «35» جنيهاً إما العلاج والوجبات فهي مجاناً رغم ان ادوية العلاج النفسي غالية.
لحظت وجود عيادة خارجية «قديمة» بالجزء الجنوبي الغربي من المستشفى.. ما نوعية المرضى الذين تستقبلهم؟
مبنى العيادة الحالية قديم فعلاً، ونسعى حالياً لتحديثه باعادة بنائه بصورة حديثة وهو يستقبل كل الحالات الجديدة سواء المحولة من مراكز الشرطة او القضاء، او المرضى المترددين الذين خرجوا من المستشفى للمتابعة، بجانب المرضى المحولين من المراكز الصحية، كما يستقبل اي شخص يشكو من اضطراب نفسي.
ما هي فترة علاج او تأهيل المريض في المتوسط داخل المستشفى؟
البرنامج العلاجي للمريض يتوقف على حالة المريض، ومدى استجابته للعلاج وقد يستغرق العلاج شهوراً، واحياناً اياماً قليلة. بعدها يتم تسليم المريض لأسرته بواسطة وكيل النيابة الذي حول حالته.. اما المرضى العقليون الذين لديهم قضايا جنائية – القسم الشرقي- فبعد تماثلهم للشفاء تتم اعادتهم اما للسجن او للقاضي المختص.
الصدمات الكهربائية
كثير من أهل المرضى يمتنعون عن ادخال مرضاهم للمستشفيات النفسية خوفاً من الصدمات الكهربائية التي يرون انها تؤذي المريض أكثر مما تنفعه.. فهل هناك مبرر لهذا التخوف؟ وهل تستخدمون داخل المستشفى الصدمات الكهربائية في العلاج؟
العلاج النفسي ينقسم الى علاج دوائي وعلاج سلوكي وعلاج تأهيلي واحياناً علاج باستخدام الجلسات الكهربائية اضافة الى العلاج الديني، وباساليب الموسيقى والدراما.
واجابة لسؤالك، العلاج بالجلسات الكهربائية نوع من العلاج وهو معتمد عالمياً حتى في الدول الغربية وهو علاج آمن وليس له اي اضرار جانبية، لكن يجب ان يتم تنفيذه حسب المواصفات العالمية المتعارف عليها والا يعطي لجميع الحالات، بل هناك حالات محددة تحتاج للعلاج بالكهرباء وللأسف اغلب المستشفيات النفسية في السودان لا تستعمل العلاج بالكهرباء تحت البنج الكامل كما هو متعارف عليه.
ولماذا يتم العلاج بالجلسات الكهربائية تحت البنج الكامل؟
حتى لا يشعر المريض بأثر التيار الكهربائي.
ما هو الأثر العلاجي الذي تحدثه الصدمات الكهربائية على المريض؟
الهدف من علاج الكهرباء انه يساعد على اعادة الموصلات الكيميائية في المخ الى وضعها الطبيعي، وهو من انجح وسائل العلاجات للمرضى الذين يعانون من حالات انتحارية او الذين لم يستجيبوا للدواء.
إعتقاد خاطئ
البعض يعتقد ان الداخل للمستشفيات النفسية مفقود، والخارج منها مولود لانعدام فرص الشفاء حسب اعتقادهم .. ما صحة هذا الاعتقاد الشائع؟
اعتقاد الناس في السابق ان الدخول للمستشفى اتجاه واحد وان من يدخل لا يخرج وهذا اعتقاد خاطئ فنسبة الشفاء كبيرة جداً، فالمريض النفسي مثله مثل الأمراض الأخرى قابل للشفاء.
ولكن اعتقاد الناس السابق نابع من اعتقادهم أن المستشفيات النفسية تمارس الحبس والتقييد والعقاب في حق المرضى؟.
أؤكد انه لا توجد اي اساليب عقابية او سجن او تقييد للمرضى داخل المستشفى فهذا ممنوع تماماً الا في حالات الاضطراب النفسي الشديد حيث نقوم بحجز المريض في غرفة خاصة حتى تستقر حالته.
حبيسا القيود
حبيسا القيود الشقيقين «عبد المنعم والغزالي» اللذين كشفت مأساتهما الغريبة «الرأي العام» اذ ظلا محبوسين داخل المنزل مقيدين بالسلاسل بواسطة والدتهما طيلة «13» سنة متواصلة.. يتعالجان الآن لديكم بالمستشفى هل تحسنت حالتهما النفسية؟
أجل.. حالتهما في تحسن مستمر وامهما تزورهما بصفة مستمرة، وعلاجهما بدأ باعلان وزارة الرعاية الاجتماعية ولاية الخرطوم بتخصيصها مبلغاً معيناً لمقابلة احتياجاتهما الاضافية، مثل الوجبات الغذائية الاضافية حيث ان العلاج والوجبات داخل المستشفى مجاناً كما ذكرت لك.. ومن هنا نتقدم بالشكر لوزيرة الرعاية الاجتماعية ولاية الخرطوم.
متى يتوقع خروجهما من المستشفى؟
حالة عبد المنعم والغزالي تشرف عليها اللواء طبيب نور الهدى، لكن كما ذكرت لك هما بخير وحالتهما في تحسن مستمر وعلاجهما يحتاج لفترة طويلة حتى يتماثلا للشفاء.
والدة حبيسي القيود «نادية» امضت حوالى شهر بالمستشفى وتماثلت للشفاء وقابلتها في منزلها بالثورة الحارة العاشرة وكانت انسانة طبيعية وذلك خلال عطلة عيد الفطر الماضي، بل اجريت معها حواراً إلا انني علمت انها اعيدت للمستشفى مرة اخرى.. لماذا؟
نادية والدة «عبد المنعم والغزالي» قضت بالمستشفى خمسة اسابيع تقريباً وتعافت تماماً ثم غادرت الى المنزل، الا انها لم تواظب على العلاج فانتكست حالتها مرة اخرى فعادت للمستشفى وحالياً تحت العلاج الا ان حالتها تحسنت كثيراً.
«عبد المنعم والغزالي» ظلا حبيسي القيود السلاسل داخل المنزل طيلة «13» سنة متواصلة.. ما تأثير ذلك على حالتهما النفسية؟
أعراض المرض النفسي فيها معاناة كبيرة للمريض وللأسرة معا، فالمريض يكون في أمس الحاجة للعناية والشعور بالأمان لان بعض الامراض النفسية تجعل المريض يشعر انه مستهدف وسوف يتعرض للاذى فاذا تم تقييده بالسلاسل او الحبال يتسبب ذلك في تدهور حالته كثيراً، وكرد فعل عكسي يمكن ان يتحول المريض الى شخص عدواني وهناك نماذج لمرضى قتلوا شيوخهم بحجة ان الشيخ سبب لهم المرض او حبسهم بالقيود.. لذلك تقييد المريض بالحبال او السلاسل او ضربه بالسوط لا يعتبر من اساليب العلاج ،بل يجب تجنبها تماماً لانها تؤدي الى نتائج عكسية تماماً وتفاقم من المرض.
تأهيل المدمنين
كثير من مدمني الخمر والمخدرات الذين يحاولون الاقلاع لوحدهم دون الاستعانة بالاطباء النفسنين ذكروا انهم يعانون من الاعراض الانسحابية فما حقيقتها؟ وهل يمكن ان تتسبب في عودة المدمن للخمر او المخدرات مرة اخرى؟
الاعراض الانسحابية تختص بحالات الادمان، وتنتج من توقف المدمن عن تعاطي المادة المخدرة بصورة مفاجئة وفورية.
ما طبيعة هذه الاعراض الانسحابية؟
تتمثل في الاعراض التالية:
الارتعاش، والهذيان، والتوتر الشديد، والتعرق المتواصل، والقلق، وعدم القدرة على النوم، ويمكن ان تؤدي الى التشنجات وفقدان الوعي خاصة عند مدمني الخمر لذلك يحتاج المدمن عند التوقف الى تدخل علاج طبي حتى لا تحدث له الاعراض الانسحابية.
وهل تعالج الاعراض الانسحابية بسهولة؟
اجل .. ويتبع ذلك العلاج التأهيلي للمدمن والذي يشمل العلاج الدوائي والنفسي والسلوكي والاجتماعي والديني او الروحي وهي علاجات متكاملة.
اسباب الامراض النفسية
نلحظ تفشي الاضطرابات النفسية بصورة لافتة للنظر داخل المجتمع السوداني فما الاسباب؟
هناك عدة عوامل متداخلة تسبب المرض النفسي والعقلي وتشمل:
النواحي الوراثية – الظروف الحياتية – المشاكل التي تواجه الانسان – القابلية الشخصية للمرض النفسي – واسباب اخرى فسيولوجية وعضوية تسبب المرض النفسي، مثل: بعض اضطرابات الغدد، او الامراض المزمنة والمخدرات بأنواعها.
المرضى العقليون بالشوارع
شوارع العاصمة والمدن الاخرى تمتلئ باشخاص مختلى العقل من الجنسين وهم يشكلون خطورة بالغة على المارة.. ما دور المستشفيات النفسية في حفظ وعلاج هؤلاء؟.
هناك بعض المرضى العقليين المشردين الذين يجوبون الشوارع وليس لهم عائل ويتم ادخالهم للمستشفى بواسطة شرطة امن المجتمع، والمستشفى يقوم بالدور العلاجي لهم لكن للأسف بعد تعافيهم وخروجهم من المستشفى، يعودون للشارع لعدم وجود عائل او دور رعاية اجتماعية للعناية بهم، مما يتسبب في انتكاسة المرضى مرة اخرى وهذا دور وزارة الرعاية الاجتماعية للم شملهم مع اسرهم او تأهيل دور رعاية لهم وتأهيلهم اجتماعياً.
علاج الشيوخ
كثير من الاهل يلجأون للشيوخ لعلاج مريضهم العقلي.. فهل اساليب الشيوخ من حبس وضرب تدخل في منظومة العلاج النفسي؟
المرض النفسي والعقلي لا يختلف عن اي امراض اخرى عضوية واغلب الحالات تتماثل للشفاء، وندعو المواطنين عدم الخجل والصاق الوصمة بالمريض النفسي بل السعي لعلاجه ومساعدته بدلاً من اخذه للمشعوذين والدجالين الذين يستخدمون اساليب تفاقم كثيراً من المرض، وتزيد معاناة المريض، مثل الحبس والضرب والتقييد بالسلاسل والحرمان من الاكل واستعمال اساليب اخرى لا تتناسب مع آدمية وكرامة الانسان.
زيارة المرضى
لحظت ان ادارة المستشفى تهتم اهتماماً كبيراً بتواصل المرضى المقيمين داخل المستشفى تحت العلاج مع عائلاتهم من خلال الزيارة فهل ذلك يعد جزءاً من العلاج النفسي؟
نسمح بزيارة المريض بعد استقرار حالته، كما نسمح بخروجه باذن مع الاسرة لفترة تتراوح من ايام الى اسابيع ثم العودة للمستشفى مرة اخرى خاصة ايام الاعياد والعطلات وهو جزء من العلاج حتى يتكيف المريض مع الحياة الاسرية قبل خروجه النهائي من المستشفى.. وهناك لقاءات متواصلة مع عائلات المرضى لشرح المرض بواسطة الفريق العلاجي، وتبصيرهم كيفية الاهتمام والعناية بالمريض والاشراف عليه فالاسرة لها دور اساسي مكمل للعملية العلاجية بعد خروج المريض من المستشفى.
الراي العام
حوار وتصوير: التاج عثمان