تحقيقات وتقارير

جيل ضائع.. عصر الإنترنت والفيس بوك

من المؤكد أن الجامعات هي صانعة القرارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في كل العالم، ففي الجامعات تنضج شخصية ومهارات الطالب وميوله ويكون قد اتضح مستقبله السياسي أو الاجتماعي. إلا أن المراقب لجيل المراهقين والثياب في الجامعات يجد جل اهتمامهم أصبح متعلقاً بالأغاني والأفلام بأنواعها والألعاب الرياضية ولا يفقهون في السياسة والاقتصاد شيئاً. بل إنّ ثقافتهم ثقافة مستوردة لا علاقة لها بالعادات والتقاليد المحلية. مما يجعل عدداً من التساؤلات تقفز إلى الذهن فما هي الأسباب والدوافع التي جعلت الجيل الحالي وقيادات المستقبل يلجأون إلى مثل هذا التوجه؟ ولماذا اختفت القيادات السياسية من الجامعات؟ وما هو الحل الأفضل لجعل هذا الجيل يهتم بعاداته وتقاليده؟
(آخر لحظة) تجولت بين هذه الشريحة المهمة في المجتمع لمعرفة الأسباب والدوافع التي جعلتهم يجهلون أمور بلادهم ويتمسكون بالثقافات الوافدة؟ هل هذا هو الحل الأمثل للهروب من الواقع؟.. حيث أكد عدد من الطلاب بالجامعات أن ما يحدث في الجامعات من سياسة في الواقع استهتار ووصفوها بأنها «وجع رأس» لا أكثر.
أسمهان كمال طالبة بكلية الهندسة قالت إنّها لا تستفيد من السياسة ووصفتها بأنها وجع رأس أما الاقتصاد فمعرفتها به قليلة وتقضي كل وقتها بين الانترنت والقنوات الفضائية. وفي إفادة سلوى ياسين أنها لا تدوام على حضور أركان النقاش لسماع المهاترات بين الأحزاب السياسية حيث كل حزب يسخر من الآخر والتي غالب ما تنتهي إلى مجزرة بشرية أما ميولي الثقافي فأدوام على تتبع القنوات التي تبث آخر أخبار الموضة والأزياء والمكياج وهذا ما يهمني والأغاني العربية أفضل من السودانية.
الطيب خضر سخر من السؤال وتساءل ماذا يهمني فيما يدور في الساحة السياسية الآن؟ وما يدور في الجامعات من أركان نقاش ومهاترات ما هو إلا مسرحية كوميدية هزيلة أبطالها كوادر الأحزاب السياسية بالجامعات. لذا وجهت ميولي للرياضة والثقافة لأنني شاب أريد أن أفرح وألهو وأعيش حياتي دون هم أو نكد.
ووافقه الرأي سموءل طه الذي يدرس بنفس الدفعة قائلاً مازلنا شباباً ويجب أن نعيش حياتنا بالطول والعرض وندع السياسة لأهلها وما يدور في القنوات العالمية والإخبارية والمحلية من سياسة شيء يدعو الإنسان إلى الإحباط.
أسامة الرضي قال إننا نحترم العادات والتقاليد لكن العالم يتطور بسرعة ومن يتمسك بهذه العادات لا يلحق بالركب ويقال عنه جاهل أو متخلف وهذا ما يصفنا به الغرب وتساءل ماذا جنينا من تمسكنا بالقديم غير أننا دول نائمة ومتخلفة.. وماذا يدور في عالمنا غير الحروب والنزاعات..
طرحنا سؤال الأسباب والدوافع هذا لخبراء التعليم فأجرى بروفيسور حمزة أحمد أبو قرون مستشار نائب عميد الشؤون العلمية بجامعة الزعيم الأزهري مقارنة بين الحاضر والماضي في اهتمامات وطموحات طلاب الجامعات والخريجين بصفة عامة وقال نجد أنه في الماضي الطلاب يتعايشون ويتفاعلون مع بعض الأحداث التي حولهم بصورة فاعلة في السكن والدراسة منذ المراحل الثانوية مثل «خور طقت- وادي سيدنا- حنتوب» مما يتيح لهم مزيداً من التفاعل كما يمكنهم أيضاً من إظهار قدراتهم الكامنة سواء كانت ثقافية أورياضية أوسياسية حيث يسهل التعرف على من يتميز بقدراتهم كقيادات. وهذا النوع من البيئة يوفر للطالب اكتساب المعرفة الواسعة عن مجتمعه العريض ويجعله أكثر إلماماً بمشاكله وطموحاته.
أما طالب اليوم فلا تتوفر له هذه الفرصة و يتركز اهتمامه على أموره الشخصية إذ قل احتكاكه بزملائه وأيضاً ما يمكن اكتسابه منهم فيما يخص قدراتهم المختلفة فيصبح محدود الرؤية ومحصور التفكير مقارنة بطالب الماضي. وأردف في الماضي كان الطلاب يتمتعون بنشاطات مختلفة مكثفة تشمل حضور الندوات السياسية والمشاركات في الجلسات الفكرية والثقافية بصفة عامة أما الآن فلا تتوفر مثل هذه الأنشطة للتغيير الذي طرأ على البرامج الحياتية للطلاب. وهذا التغير خلق بعض الفراغ ولذا فكر بعض الأفراد في ملئه بجلب ثقافات خارجية الشيء الذي جعل تراثنا خلطاً مشوهاً لا يعكس حضارتنا العريضة وما كانت عليه من مجد تتناقله الأجيال جيل بعد جيل.
وعزا كذلك هذا التغير إلى عدم انخراط الخريج في العمل بسهولة بعد تخرجه مما يجعل الطالب أكثر إحباطاً وينصرف إلى معالجة هذا النوع من الإحباط بما لا يجده كالاهتمام بما يلهي ويروح عن النفس من برامج تلفزيونية أو حاسوبية «الانترنت والفيس بوك..» إذ إن عدم حصوله على وظيفة تناسب مجاله وتخصصه الدراسي صرفه إلى الانخراط في مجالات عمل لا تمت بما يدرسه في الجامعة بصلة خاصة إن كان مجال عمل غير مرض وغير مجز ولا يوفر له الوضع الاجتماعي الذي ينشده ولا يساعده على تحقيق أحلامه الخاصة منها والعامة وأن حل مشكلة الخريج والاستفادة من قدراته في مجالات مناسبة يحسه على الارتقاء بقدراته.
ولمزيد من المعرفة طرحنا هذه التساؤلات على الباحثين في مجال علم النفس والاجتماع الأستاذة سلافة بسطاوي حسين الباحثة الاجتماعية عزت السبب إلى شخصية الطالب وهدفه في الحياة وإلى أين يذهب ونظرته للحياة والمهارات الحياتية وهل هو شخص عنده هدف؟ وبهذا يكون فاعلاً ويستطيع أن يقوم بتحقيق هذه الاحتياجات. وقالت إذا نظرنا للمدرسة – المؤسسة التعليمية- نجد عندها دور عظيم في بناء الشخصية وإن غياب التربية الوطنية يساعد في إعداد الفرد وتقييمه لعاداتهم وتقاليدهم يكون مربوطاً بالوضع الحياتي.
وأكدت أنّ دور التربية الوطنية يحتاج إلى وقفة حقيقية وأن العمل في اتجاه تحويل الهوية الثقافية وجعلها مزدوجة وهنالك ثقافات داخل ثقافات وهذه الثقافات أثرت حتى على مستوى الاسم. مما يؤثر على فهمه للبلد والقضايا المطروحة في الساحة. وقالت إنّ الإعلام الخارجي أو الغزو الثقافي جاء بقوة وكل البرامج والأنشطة التي فيه مستهدفة الشباب من حيث أنه في الجانب الثاني كان هنالك غياب للإعلام الداخلي.وأوضحت أن السياسة داخل المؤسسة التعليمية ارتبطت بالعنف إذا كان لفظيا أو جسديا وإنهم مجموعة شباب متهورين وغياب أسلوب احترام الرأي الآخر والحوار الجيد حيث يوجد إشكالات تجعل الفرد محبطا وبعيداً.كذلك نجد بعض الطلاب يدخلون الجامعات وهم غير مقتنعين بهذه الكلية وإنما تنفيذاً لرغبات الأسر. وكل هذه الأسباب تجعل الطالب ليس لديه نظرة أو اتجاه للحياة الجادة.
وانتقدت سلافة دور الأسر التي انشغلت في تطوير وضعها المعيشي وتجعل الابن يعمل أي عمل هامشي «سواق حافلة، ركشة، أمجاد..» والتحصيل المادي غير مجزي.
وقالت إن هنالك أجيال تربت خارج السودان وجاءت بثقافات تضعف ثقافاتنا السياسية والوطنية فأكثرهم من الشباب ولا يوجد لديهم ارتباط بالوطن بل يعتبرون أنها سياحة ويعودون إلى حيث تعمل الأسرة.وطرحت سلافة عدداً من الحلول لإيقاظ الشباب وتوجيههم نحو الأمور الجادة في الساحة بأن تكون هناك توعية واضحة للشباب واحترام للرأي الآخر والاهتمام بالتربية الوطنية التي تربط الشباب بأن يكون عندهم وطنية والاعتراف بثقافتهم.
وطالبت الأسر بأداء دورها تماماً ورفع مستوى التفكير وصدهم عن الحصيلة المادية وأن تبني المؤسسات التعليمية الشخصية القيادية التي تبدأ من الأسر وأن يكون للطالب فرصة في اختيار الكلية أو الجامعة ودعت وزارة التربية والتعليم إلى وضع منهج متكامل يكون فيه أسلوب التربية الوطنية واضحاً من الأساس إلى الجامعة وبعد التخرج يقوم بنفس الدور المطلوب منه.
أما الأستاذة هناء البيلي خبيرة علم النفس التربوي فعزت أسباب عزوف وانصراف الشباب عن السياسة إلى ضعف البرامج السياسية وبعدها عن طموحات الشباب ورغباتهم وان انقسام الاتجاهات السياسية بمختلف أنواعها يهز الثقة لدى الفرد تجاه الوجهة السياسية المحددة وقالت إن تحويل السياسة تجاه المصالح الشخصية وأهداف مادية بدلاً عن أهداف سامية تخدم الفرد والمجتمع مما اتاح الفرصة للشباب إلى الانصراف إلى الفضائيات والاهتمام بالموضة وعدم الاهتمام بالتجديد في البرامج السياسية وفقاً لمتغيرات الحياة. وكذلك خلو البرامج التربوية والمدرسية والجامعية من التعريف بالسياسة وأهميتها وشكلها ومضمونها.

صحيفة آخر لحظة

‫2 تعليقات

  1. بسم الله الرحمن الرحيم
    الأح كاتب المقال في صحيفة آخر لحظة
    لك التحية
    موضوع مقالك هو عزوف الشباب عن التوجهات السياسية. أولاً أختلف معك في كون الشباب لا يرغبون الممارسات السياسية و أعتقد أغلبيتهم يداولون هذا الأمر في حياتهم اليومية و أنت لا تلاجظ ذلك لأنه ليس علي طريقتك التقليدية فأنت من جيل و هم من جيل آخر. ثانياً آراء الشباب مثل أسمهان و سلوي هي تعبير عن رغباتهم الشخصية في متابعة الفضائيات و غيره من السبل الترويحية و الترفيهية. ثالثاَ هذا الجيل من الشباب يستطيع و قد إستطاع فعلاَ أن يغير حكومات بأكملها” دعوة الشباب من أجل التغير علي الفيس بوك” ظهرت عبر الإنترنت. إذن هذا الجيل الذي تسميه جيل الإنترنت و الفضائيات قد إستغل تكنلوجيا جيله للتعبير عن خبراته السياسية. رابعاً أنت لا تنتمي لهذا الجيل لذلك لن تستطيع الجكم علي كيفية ممارستهم للسياسة لأن السياسة في نظرك أنت هي شعارات تقليدية تاريخية “دقة قديمة” تلقيتها عن طريق التلقين من توجهات سياسية سودانية زات توجهات دينية أكثر و ليس من تجارب فعلية و قد حفظتها عن ظهر قلب , لكن جيل اليوم يختلف عنك في أنه يكتشف توجهاته السياسية عن طريق ملاحظاته لما يدور في العالم ككل عبر الإنترنت و الفضائيات. و أري في مقالك محاولة إرجاع سبب عزوف الشباب عن السياسة الي الأوضاع الإقتصادية و أن الكل يسعي لتأمين عيشه لذلك ليس للشباب رغبة في ممارسة السياسة و هذا في نظري أمر خاطئ و أدعم وجهة نظري بالثورة المصرية و التونسية فقد تمكنوا من تغيير التوجهات السياسية لحكوماتهم بسبب تدهور الأوضاع الإقتصادية.

  2. هذا الجيل خطير جدا احذروه واحذروه ، هو الذي سيغير الخريطة وهو الذي سيرمي بالزبالة ويرمي بالجيف والديناصورات ، ويستطيع اكثر من غيره باحداث التغيير مثلما حدث في مختلف الدول العربية التي كانت تئن تحت وطأة الحكم الجائز ولسه البقية تأتي