حوارات ولقاءات

مولانا عبد الله مهدي: أوكامبو منحاز ولا أستبعد أن يكون القضاة كذلك

88200820254AMP8037592 opt[ALIGN=JUSTIFY]صحيفة الراي العام – حوار: رقية الزاكي- تصوير: اسحق ادريس
مولانا عبد الله احمد مهدي المحامي العام كان ضمن وفد السودان المشارك في اجتماعات المؤتمر الدبلوماسي لانشاء المحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن مشاركاته بصفة راتبة في الاجتماعات اللاحقة تمهيداً لقيام المحكمة – ومهدي من خلال هذا الحوار سرد العديد من الحقائق وتفاصيل وخبايا الاعمال التحضيرية لإنشاء المحكمة. خاصة في ظل الجدل الذي دار أخيراً ابان مذكرة التوقيف التي صاغها مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو ضد الرئيس البشير وفاجأ بها الخرطوم. مهدي ربط المشاورات ابان التوقيع والظرف الحالي، حيث كان القاسم المشترك بين الاثنين مخاوف السياسيين من استغلال السياسة الغربية للمحكمة واستخدامها كأداة للسيطرة على الدول، وهو الامر الذي حمل كثيراً من الدول بما فيها السودان في التردد للانضمام للمحكمة:
……………………………………………………………………………………………………………………………..

? المؤتمر الدبلوماسي لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية في أغسطس 1981 م ، هل كان مؤتمرا دبلوماسياً ام قانونياً، وكيف تشكل وفد السودان الذي شارك في المؤتمر حينها؟
? فعلاً هناك بلدان فهمت من المسمى أن المؤتمر دبلوماسي لذلك تشكلت وفودهم من وزارات الخارجية والدبلوماسيين، إلا أن وفد السودان كان يدرك ان المؤتمر قانوني والوفد كان برئاسة مولانا علي محمد عثمان يسن وزير العدل وقتها الذي وقع على البيان الختامي للمؤتمر ويضم مولانا د. عوض الحسن النور مدير معهد التدريب القانوني وقانونيين من الخارجية معنيين بالملف قبل انعقاد المؤتمر. والسفير القانوني عمر دهب كان وقتها في بعثة السودان بالامم المتحدة في نيويورك ومتابعا لاجتماعات انشاء المحكمة، وكذلك السفير جارلس ماينال وكيل وزارة التعاون الدولي الحالي و(شخصي) وكان رئيس الوفد المناوب السفير في روما العالم الدبلوماسي مهدي مصطفى الهادي والسفير الطريفي كرمنو.والسفير الحالي بهولندا أبو القاسم عبد الواحد ادريس والمؤتمر عقد في مبنى منظمة «الفاو».
? إذاً المؤتمر كان الفكرة او النواة الاولى لإنشاء المحكمة؟
اولاً: الدعوة للمؤتمر وجهتها الامم المتحدة والتوصية خرجت من اللجنة القانونية في الامم المتحدة وبمباركة من الجمعية العامة عقب جهود ودراسات لقانون المحكمة كان آخرها في العام 6991م واستقر الرأي نهائياً على انشاء محكمة جنائية دولية. وكان الرأي حينها لظهور ما يمكن أن يطلق عليه العدالة الجنائية الدولية حيث تم الاتفاق على مجموعة مباديء وقيم ومعارف قانونية مشتركة بين الدول اصبحت مصدراً ليستقي منها قانون جنائي دولي.
? كم عدد الدول التي اشتركت في الاجتماع والمدة التي استغرقها؟
– الاجتماع استمر لـ «53» يوماً واشتركت فيه اكثر من مائة دولة.
? هل شاركت امريكا في الاجتماعات؟
– امريكا شاركت بوفد ضخم جداً ، فمشاركته كانت بأعداد كبيرة. والمؤتمر بدأ متأخرا لتأخير حضور «دي?يد شيفر» رئيس الوفد الامريكي.
? كيف كانت مشاركتكم في الاجتماعات؟
– السودان كان ممثلاً في لجنة الصياغة – صياغة قانون المحكمة – والسودان واحد من «4» دول عربية هي العراق وسوريا والمغرب تمثل لجنة الصياغة.
? ما هي أكثر الدول حماساً لفكرة انشاء المحكمة؟
– دول غرب اوروبا على رأسها هولندا التي اصبحت مقر المحكمة، وبلجيكا والنمسا وسويسرا وألمانيا، وهولندا تحديداً شاركت بوفد ضخم ضم قانونيين ودبلوماسيين وخبراء في العلاقات الدولية وخبراء في القانون العسكري البحري وهو تخصص دقيق في القانون.
? كيف بدأ موقف امريكا من فكرة انشاء المحكمة؟
– امريكا كان موقفها ايجابياً تجاه الفكرة وشاركت في كل المؤتمرات التمهيدية التي سبقت مؤتمر روما، ومشاركتها فعالة وترمي إلى ان قانون المحكمة يحتوي على مباديء معينة وكانت تقوم بتوجيه مسار المفاوضات. وحتى نهاية فترة الرئيس بيل كلينتون كانت امريكا تنظر نظرة ايجابية لفكرة المحكمة الجنائية.
? لنعود إلى وفد السودان ومشاركته وموقفه؟
بجانب دوره في لجنة الصياغة كان وفد السودان ينتمي لاكثر من تجمع دولي، فقد كان ممثلاً في المجموعات العربية والافريقية والإسلامية ودول عدم الانحياز، «كنا» نحضر كل هذه اللقاءات ونبدي وجهة نظرنا بما يتماشى مع معتقداتنا وانتماءاتنا الاخلاقية، والقانون اصلاً كان القصد منه تحقيق اكبر قدر من نظام التلاقي بين الانظمة القانونية العالمية في محاولة لاستيعاب المباديء القانونية في الانظمة العدلية في العالم. وفي وفد السودان كنا نتحرك في المجالات كافة والقصد حسب الانتماءات المتعددة نسعى على اساس انها لا تعارض نصوص القانون مع معتقداتنا ولا انتماءاتنا الاقليمية او موروثاتنا الاخلاقية والحضارية، وبالتالي كانت في بعض الاحيان هناك شبه معارك تدور حول بعض النصوص المتداولة وفي هذه الحالة «كنا» نتحرك من خلال المجموعة التي يهمها الامر المطروح.
? مثل ماذا؟
– مثلاً كان الجدل حول «عقوبة الاعدام»، فالعقوبات المنصوص عليها ليس من ضمنها عقوبة الاعدام وهذا الامر استحوذ على مداولات ومناقشات ساخنة ومستفيضة لدرجة ان رئاسة المؤتمر خاطبت رؤساء «5» دول من ضمنها السودان ترجو منها ان تلين مواقفها فيما يختص بعقوبة الاعدام، وكان تشدد الدول بما فيها الخرطوم على أساس ان لا تدمغ الأنظمة التي تطبق عقوبة الاعدام بأنها تطبق عقوبة لا إنسانية وتم الاتفاق بأن لا تورد عقوبة الاعدام، لكن يجب ان يكون هناك بيان رئاسي لتوضيح أن تطبيق أو عدم تطبيق عقوبة الاعدام لا يعني دمغ العقوبة بأنها عقوبة لا انسانية وان لا يكون هناك مأخذ على الدول التي تطبقها.
? ما هي القضايا الاخرى التي امتدت اليها يد الخلافات؟
– كان هناك جدل ايضاً حينما جاء تعريف الأسرة، فقد كانت هناك محاولة خبيثة من بعض الدول الاوروبية وبعض منظمات المجتمع المدني لتوسيع تعريف الأسرة بحيث يشمل العلاقات المحرمة (بين الرجل والرجل) و(المرأة والمرأة) ونحن نجحنا حتى خرج التعريف بأن الاسرة هي الرباط بين الرجل والمرأة والاطفال المترتبين على تلك العلاقة في الإطار الشرعي.
وامتد الجدل كذلك الى موضوع اختيار القضاة في المحكمة وتمت ضغوط بأن تكون بالإضافة للمواصفات الشخصية ان يراعى تمثيل الانظمة القانونية في العالم والإقرار بأن نظام الشريعة الإسلامية من الانظمة القانونية الرئيسية في العالم.
? هل توجد (مادة) من مواد قانون المحكمة يمكن أن تستغل لدخول السياسة في المحكمة؟
– المادة «61» ادت إلى تدخل السياسة، فالدول كانت رافضة ان يكون هناك رابط بين المحكمة ومجلس الامن وبالتالي المادة «61» جاءت كتسوية، ففكرة انشاء المحكمة مفترض تكون منظمة قائمة بذاتها ولا تتبع للامم المتحدة، لكن نظام المحكمة يجرم العدوان.. والعدوان حالة يقررها مجلس الامن، وبالتالي استغل اصحاب دعاة وجود رابطة مع مجلس الامن المسألة بمزاعم أن المحكمة لا تستطيع أن تقرر ما إذا كان هناك عدوان ام لا. وهذا ما تبلور بالمادة «61».
? هل يعني ان اوكامبو استغل هذا الامر في توجيهه الاتهامات للرئيس البشير؟
– اولاً: مجلس الامن احال الحالة في دارفور ولم يشر إلى حادثة معينة ولا إلى أي متهمين وترك هذا الأمر بما يمكن ان تبذله المحكمة من نشاط في التقصي والتحري وهذا القرار دعا السودان للتعاون مع المحكمة.
? قلت إن وفد السودان كان في لجنة الصياغة ما هو دوركم في هذا الاطار؟
– «كنا» نتدخل في كثير من الاشياء وقمنا بتغيير كثير من الصياغة ولاحظنا أن هناك عدم ثراء في اللغة ولا توجد جماليات في اللغة لذلك طلب منا ان نراجع تعابير عديدة وان نختار التعبير الذي يكون رشيقاً ومفهوماً وكانت اللجنة تضم د. شريف بسيوني «مصري الجنسية» وقد كان مرشحاً لمنصب المدعي العام في محاكمات يوغسلافيا.
? اذاً، السودان بعدها وقع على نظام المحكمة الجنائية؟
– التوقيع كان على النظام الاساسي، ووفد السودان وقّع على البيان الختامي وهو إعلان ترحيبي بفكرة المحكمة في روما والخطوة التالية صدور قرار الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بتشكيل اللجنة التحضيرية لانشاء المحكمة واستغرقت عامين، والسودان كان حضوراً في كل الاجتماعات في نيويورك، وكان وفد السودان في الاجتماعات التحضيرية يشكل بشكل ثابت من وزارتي العدل والخارجية، وإجراءات تعديل القانون طالت المسودة التي تمت في العام 6991م (مادة مادة) والتوقيع على نظام المحكمة تم في احتفالية بالالفية الثالثة للامم المتحدة في العام 3002م ووقعت كل الدول بما فيها السودان، وهذا التوقيع اعطى السودان والدول الموقعة على النظام الاساسي صفة (المراقب)، لكن بمجرد ما انشئت المحكمة بإعلان اكتمال اللجنة التحضيرية انتفت صفة مراقب، والدولة إما عضو او غير عضو. والدول العربية ناقشت موضوع العضوية والانضمام للمحكمة وخلص القرار العربي أن مسألة الانضمام للمحكمة يترك لكل دولة لتقرر بشأنه. وليس هناك قرار ملزم بالانضمام، وغالبية الدول العربية أرجأت مسألة الانضمام لاجراء مزيد من الدراسة.
? برأيك لماذا تراجع الموقف العربي ودول اخرى من الحماس للمحكمة الى محاذير من الانضمام لها؟
– حقيقة كانت هناك محاذير من ان تكون المحكمة مسيسة. ومسألة الانضمام أُرجئت حتى يستبين الموقف والى أي مدى يمكن أن تكون هذه المحكمة مسيسة ام لا.
فكان هناك (ترقب) بل (تربص) ودرجة عالية من الشك في ان تسيس المحكمة .. وان تكون معاملتها انتقائية مع الدول وبعدها اتضح ان المخاوف كانت صحيحة، والمخاوف ليست بسبب القانون (فالقانون جيد من ناحية تشريعية)، لكن المخاوف من التطبيق.. كما أن المتحمسين للمحكمة يمثلون دولاً تتربص بالدول المستضعفة. فرئيس المحكمة (كندي) والمدعي العام (أرجنتيني) احتضنته امريكا والمقر في (هولندا) وهي دولة معروف موقفها من الإسلام والمسلمين.
? وهل يؤكد قرار المدعي العام الحالي تجاه السودان هذه المخاوف؟
– بالطبع، فورقة الاتهام التي ذكرها واسلوبه وافكاره وطريقته في العمل اثبتت صحة المخاوف التي أبداها السياسيون، فأوكامبو خلط السياسة بالقانون وهذا اكبر خطأ وقع فيه وحاول ان يمتطي ظهر القانون لتعضيد حملة تستهدف السودان اصلاً والحملة كانت (مستعرة) واوكامبو صب عليها (الزيت) وهي مؤامرة مستمرة. اوكامبو يريد أن يستغل مسرح المحكمة الجنائية لمزيد من الاستهداف: هي سابقة ويريد أن يجعل منها اوكامبو مثالاً يسعون الى تطبيقه في دول اخرى وهذا امر تقف وراءه اخبث العناصر المشاركة في المحكمة وهي منظمات المجتمع المدني.
? هل لاحظتم هذا الاستهداف إبان المؤتمر؟
– لاحظنا موقف منظمات المجتمع المدني. وخلال أيام المؤتمر كانت توجد منظمة كنسية وجاءت احدى ممثلات المنظمة لتسألني عن السودان وعن القوانين وفوجئت بأنها تتحدث عن قوانين سبتمبر «38» وليست لديها أية معلومات عن الرئيس وتتحدث بنقص شديد في المعلومات وهذا يدل على أن الحرب ضد السودان حرب (عمياء) ودارفور زفة وهم سائرون فيها، وهذا المدعو أوكامبو انضم لهذه الزفة ومذكرته تفتقر لأبسط قواعد القانون.
? هل ترى ان هذا الموقف سيكون منفراً من المحكمة؟
– الدول التي انضمت للمحكمة (تورطت) واستبعد ان تنضم أية دولة للمحكمة، فالمدعى الآن اتضح انه شخص (منحاز) وتقوده (السياسة) ولا نستبعد أن يكون القضاة كذلك (فالطيور على اشكالها تقع) ورأينا في المحكمة قياساً على مدعيها العام انها مسيسة والسودان ليس ملزماً بها….[/ALIGN]