تحقيقات وتقارير
تحت ضربات آتور والآخرين: باقـــان : (كـــلـــو مـــن الشمـــال)
بغض النظر عن صحة الوثائق التي قال باقان إن الحركة الشعبية تمتلكها، وتثبت ضلوع الخرطوم في زعزعة استقرار الجنوب، فإن الأوضاع الميدانية في الإقليم شهدت هدوءاً نسبياً أثناء عملية التصويت على حق تقرير المصير في يناير الماضي، وحتى الإعلان عن نتائجه النهائية، على خلفية توافقات سياسية ابرمتها الحركة الشعبية مع معارضيها السياسيين، وخصمها العسكري الرئيسي في الإقليم حالياً، الجنرال المنشق جورج آتور الذي ثار ضد الحركة وجيشها الشعبي عقب ما أعتبره تزويراً للانتخابات في مقاطعة جونقلي.
انهيار تفاهم آتور وجوبا، كان سريعاً ومفاجئاًَ، ففي الوقت الذي أخذ فيه المحللون يمتدحون التكتيكات الذكية لقيادة الحركة الشعبية، وقدرتها على إغلاق أبواب التوتر ونوافذ عدم الاستقرار في بيتها الجنوبي، كما حدث في الفترة التي سبقت الاستفتاء وإبانه، في هذا الوقت بالذات، بدأت الأمور تسوء شئياً فشيئاً بين الجيش الشعبي والجنرالات المنشقين أمثال اللواء ديفيد ياو ياو في مقاطعة الإستوائية، والجنرال جورج آتور في مقاطعتي جونقلي وأعالي النيل، والعميد قلواك قاي في مقاطعة الوحدة لتتوالى الأنباء عن الاشتباكات العنيفة بين الجيش الشعبي والمنشقين، ويتهم كل طرف الآخر بخرق التفاهمات السابقة، قبل أن تتسرب مؤخراً أنباء عن صدور أوامر للجيش الشعبي بشن حملة كبيرة على قوات آطور، وديفيد ياوياو، لتنظيف جونقلي من أتباع الزعيمين.
اتهام الشمال بالوقوف خلف الجنرال آتور، وياوياو، وقاي، ليس جديداً، كما أن نفي الشمال وجود علاقة بينه وبين المنشقين الجنوبيين بات معتاداً أيضاً، المختلف هذه المرة، أن الحركة الشعبية رفعت ما بحوزتها من الأوراق في وجه الشمال، الذي شهدت علاقتها معه توتراً خلال الأسابيع الأخيرة، بشأن إبعاد نوابها عن البرلمان القومي، وفي منطقة أبيي التي شهدت أعمال عنف واسعة مؤخراً.
إيقاف تصدير النفط، يعتبره البعض تعبيراً عن حالة غضب بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في الجنوب وتصعيداً إعلامياً أكثر من كونه خياراً حقيقياً قابلاً للتنفيذ العملي كما يقول البروفيسور بول دينق المحلل السياسي الجنوبي. فكل إيرادات حكومة الجنوب تقريباً تأتي من تصدير النفط عبر الشمال، بينما يشكل النفط أربعين بالمائة من إيرادات الشمال، بما فيها إيرادات النفط المنتج في الشمال، ما يعني فعلياً أن جوبا غير قادرة على إيقاف تصدير النفط في هذه اللحظة، وإلا باتت عاجزة عن مواصلة مشروعات التنمية المتعثرة، ودفع رواتب موظفيها، والأهم، دفع رواتب جنودها الذين يشعر عدد كبير منهم بالغضب والاحباط بسبب الفساد المالي، وقلة الرواتب، وتأخرها.
التهديد بإيقاف تصدير النفط عبر الشمال، ليس مفاجئاً تماماً، فمن المعروف أن قيادات الحركة يدرسون منذ وقت طويل إمكانية تصدير نفطهم عبر كينيا، خاصة وأن مقولة نفط الجنوب للجنوبيين، إلى جانب ما يوصف بالمظالم التاريخية، كانا عاملين حاسمين في ترجيح كفة الانفصال عند ساسة الجنوب ومواطنيه، ما حدا بالشمال مؤخراً لمحاولة مضاعفة انتاج آباره النفطية، والتوسع في التعدين، ومحاولة انعاش القطاعات غير البترولية.
ما قد يقلق الشمال بالفعل، ليس إطلاق تهديد غير قابل للتنفيذ العملي بإيقاف تصدير النفط، بقدر ما يفعل التهديد بقطع المفاوضات بشأن قضايا الحدود والديون وأبيي، والمياه، والتفاهمات الأمنية المشتركة بشأن عدم دعم المعارضة المسلحة على الجانبين، فالخرطوم تتوجس من استمرار جوبا في توفير ملاذ آمن ودعم سياسي وربما عسكري لحركات دارفور المسلحة، كما ترغب في الوصول لحل سلمي بشأن منطقة أبيي لإرضاء قبيلة المسيرية وتخفيف الضغط الدولي، فضلاً عن أنها راغبة في الوصول لاتفاقات أخرى بشأن المياه والديون والحدود.
تعليق الحوار مع المؤتمر الوطني، محاولة للضغط على المؤتمر الوطني كما يقول بول دينق، فوقف الحوار تماماً سيعيد الوضع للمربع الأول، وهو ما لا يرغب فيه الطرفان، ويضيف دينق أن على الحركة أن تدير الجنوب بحكمة، عوضاً عن إلقاء الاتهامات على هذا الطرف أو ذاك، خاصة وأن آتور وقلواك وغيرهما من المتمردين على الحركة انشقوا من داخل صفوفها، ولم يعلنوا انشقاقهم من الخرطوم، ولديهم حسابات عالقة مع الحركة، سواء كانت تتعلق بتزوير انتخابات ولاية جونقلي بالنسبة لآتور، أو الفساد بالنسبة لآخرين.
حكمة سلفاكير، وقيادة الحركة الشعبية، تغزل بها الكثير من المحللين على أيام مؤتمر الحوار الجنوبي -الجنوبي، ولقاءات سلفا مع آتور، وبلغت موجة المديح حينها حد مطالبة المؤتمر الوطني بأن يحذو حذو سلفاكير، ويجمع المعارضة الشمالية المسلحة وغير المسلحة، لكن المعارك الدموية التي دارت خلال الآونة الأخيرة بين الحركة ومعارضيها، واكتفاء قيادات الحركة بمجرد توجيه الاتهام للشمال، والتلويح بوقف الحوار وتصدير النفط، يجعل البعض يتخوف من أن تكون الحركة قد ابتعدت كثيراً أو قليلاً عن الحكمة، واختارت الطريقين الخطأ، طريق داخلي لحسم المتمردين بلغة البندقية، وطريق خارجي للتعامل مع جيرانها في الشمال بلغة الاتهامات، وتعليق الحوار، وإيقاف التصدير، وهي لغة، إذا استمرت، ستصيب شظاياها الكثيرين في الجنوب وخارجه، من بينهم الحركة الشعبية نفسها
الراي العام
الى متى نتحمل سخافات هؤلاء القوم
من لهذا الباقان فقد آذى السودان واهل السودان ؟