حوارات ولقاءات
وكيل الصحة السابق د.كمال عبدالقادر : غادرت الوزارة و البشير مبسوط مني !!
حدائق (الصحة) الجميلة لم تعُد خراباً كما يؤكد محدِّثنا، رغم أنه: (وكت الروح تروح طعن الإبر ما بِشفَى/ وفي المعدودة ما بنفع دوا المستشفَى)..!
في استهلالٍ لا يخلو من إيحاء (كلامات) كمال عبدالقادر، قال انه أول سوداني تمَّ جلده لأنه عرف الإجابة الصحيحة، وحين سألناه: وهل جلدتك الرئاسة لأنك عرفت إجابة (الصحة) الصحيحة؟!
قال: أبداً.. أنا البشير مبسوط مني..!
أمّا كيف ومتى وأين (انبسط) منه الرئيس البشير، فتلك حكاية أخرى ستستعرضها (الرأي العام) في نهاية حلقة مقبلة مع الرجل المُثير للصحة.
استحضر د.كمال، (جلدئذٍ) وهو بعد، تلميذ في الأولية، حين ألقى المعلم بسؤال في قارعة الفصل، فسارع التلاميذ برفع أصابعهم للإجابة، لكن أحداً منهم لم يستطع القول الفصل، فالتفت المعلم للتلميذ كمال عبد القادر الذي لم يكن من رافعي الأصبع لأعلى، وطلب منه الإجابة فأجاد كمال رد السؤال.
كافأ معلم الفصل، التلميذ كمال بجلده أمام زملائه لأنه توصل للإجابة الصحيحة، وكان تبريره أمام الملأ: (طالما عارف الإجابة ليه ما رفع صباعو)؟!
لم يقل وكيل الوزارة الصحة السابق (صراحة) ان السُلطات (العليا) جلدته لانه عرف إجابة (الصحة) الصحيحة، لكنه لم يقل لنا أيضاً لماذا لم يرفع أصبعه في الوقت المناسب لـ(الصحة)..!
ترى ماذا قال وكيل وزارة الصحة السابق لـ(الرأي العام)؟!
…….
* بمناسبة (رفع الأصبع للإجابة)، هل رفع المؤتمر الوطني صباعه للاعتراض على تمددك في الوزارة، لأنك لست الرجل الذي يريده الحزب في هذا الموقع؟!
ــ هذا الأمر يُسئل عنه المؤتمر الوطني، وأنا جئت بتكليف واضح من مؤسسة الرئاسة ولم اتلقَ أية توصية بتعيين منسوبي المؤتمر الوطني أو غيره وانما أُمرت أن اتوخى في تعيين الاشخاص الأكفاء الذين يؤدون العمل بمهنية عالية وكان هذا نهجي ليوم مغادرتي الوزارة.
* هل تريد أن تقول انك (ما) مؤتمر وطني؟!
ــ أسألوا المؤتمر الوطني.
* لكن يقال ان د.كمال رفض تعيين منسوبي المؤتمر الوطني في وزارة الصحة؟!
ــ لم اتلقَ أية أوامر بتعيين منسوبي الحزب دون غيرهم، لذلك لم أرفض، لأنه لم يطلب مني إبتداء، لا من القيادات التنفيذية أو قيادات المؤتمر الوطني بتعيين شخص بعينه في أي موقع طوال فترة وجودي في الوزارة، غير ان هناك أشخاصاً بعينهم ظلوا جزءاً من هذا الصراع.
* كيف؟!
ــ البعض يعتقد أن له حق الأمر والنهي في تبوء المناصب بوزارة الصحة، كأنها مكافآت على سيرتهم الجهادية، وهو ما أوضحته منذ اليوم الأول لتعييني حين اتصل بي بعضهم يطلبون ان يكونوا جزءاً من التغيير في الوزارة، طالبين مناصب محددة، فأخبرتهم بما لايدع مجالاً للشك، ان معياري في التعيين هو الكفاءة، وهو أمر قد لا يقبله البعض من الذين يعتقدون انهم حرّاس النظام منذ نشأته.
* ألهذا قلت من قبل ان معايير التعيين في وزارتك هي الشهادات والكفاءة وليست شهادات الدفاع الشعبي؟!
ــ قلت ذلك وأكرره الآن، وسيكون معياري في أي موقع أعمل به، لأنني أتوخى ان يملأ المنصب من هو كفء له، والكفاءة تأتي بالتأهيل العلمي والأخلاق والأمانة.
أما ان يكون الشخص منتمياً لحزب أو آخر، فهذه مسألة تخص الحزب، والمحاسبة يجب ان تكون وفق أداء الشخص لا بجذروه الحزبية، لأن معايير المحاسبة في دولاب العمل يجب ان تكون مؤسسة على اللوائح وقوانين الخدمة، وليست أي شيء غيره.
* أتعني أن تضارب المصالح والتحالفات هي التي أبعدتك عن الوزارة؟!
ــ منذ أن وطأت قدماي وزارة الصحة كنت أعلم أن هنالك مصالح وأيقنت أنه سيأتي اليوم الذي تتكون فيه تحالفات من الذين تتضرر مصالحهم لإبعادي عن الكرسي. * وماذا فعلت لتفادي هذه النهاية غير (الصحية)؟!
ــ أبداً، النهاية (صحية ونُص)، كان حالي يحاكي ذلك الرجل الذي دخل الغابة فهاجمته مجموعة من الأسود، وكلّ ما اقترب منه أسد، يصرفه بنغمة من آلة موسيقية كان يحملها معه، وظل على هذه الحال حتى قضى على كثير من الأسود. وفي يوم أغبر، تقدم أسد صوب الرجل، فأخرج آلته الموسيقية وبدأ في العزف لعل الأسد (يطفش) منه، لكن هيهات.. اقترب الأسد.. اشتد العزف.. الأسد اقترب أكثر.. حتى قضى على الرجل.
قريباً من مسرح الجريمة، كان هناك قردان أعلى الشجرة يستمتعان بالمشهد، فقال أكبرهم سناً للآخر: (ما قلت ليك الأطرش ده بضيّعو)؟!
* من تقصد بالأطرش؟!
ــ لا أقصد أحداً، هذه نكتة رويتها في سياق الحوار.
* بس كده؟!
ــ يمكن أن تقول ان هناك أناس تضررت مصالحهم وهم كالأسود في (غابة الصحة).
* أهذا تشخيصك لما حدث في وزارة الصحة؟!
* ممكن تقول كده.
* من هم أصحاب المصالح المتضاربة؟!
ــ القطاعين العام والخاص، والذي حدث ويحدث في وزارة الصحة نتاج لصراعهما، وما فعلته كان لتقوية القطاع العام.
* وما الذي فعلته؟!
ــ دافعت عن حقوق بسطاء السودان من الذين لا يصل صوتهم لأعلى عبر الصحف أو الأسافير، وهم لا يعلمون أننا ندافع عنهم.
* وكيف استطاع القطاع الخاص أن (يوجع) القطاع العام كما تقول؟!
ــ جزء من القطاع الخاص الطبي يقتات من الهامش الذي يتساقط من القطاع العام، لذا من الصعب عليهم رؤية (شفخانة الميري) وهي في كامل زينتها من عُدة وعتاد وفحص ودواء، فلو أن القطاع العام (شّد حيلو)، فمن أين لهم بالمرضى؟!
ومن الضرورة عدم اغفال دور بعض مؤسسات القطاع الخاص الطبية والتي تسهم بدور غير منكور في تقديم خدمات صحية راقية بمهنية و(انسانية) متميزة.
* بعد كل ما قلت.. كيف (نجوت) بالصحة من الصحة؟!
ــ نجوت بصحتي والحمدلله من محاولة اغتيال فاشلة، ولُذت ببيتي أحمل لقب (وكيل سابق).
* هل يمكن قراءة (تفجيرات) نقل الأعضاء البشرية في هذا السياق؟!
ــ أنا لم أقل ذلك.
* طيّب، نبدأ بتسلل الخلاف حول نقل الأعضاء البشرية.. من أين بدأ التفجير؟!
ــ من الطاقم الوزاري، كان رأيهم أننا غير مستعدين لبداية هذا المشروع رغم ان لجاناً متخصصة هي التي أنجزته، وأنا الذي بادرت بتجميد الاتفاق مؤقتاً العام الماضي حتى يمكن لنا ضمان الإيفاء بما علينا في الجانب السوداني وأوكد الآن أننا وصلنا المرحلة التي يمكن فيها لهذا البرنامج ان يبدأ.
* يعني ما في مشكلة قانون؟!
ــ بالطبع لن يكون قانون زراعة الأعضاء مبرأ من كل شبهة إلى ان تتم الممارسة، حينها ستظهر حالات تستوجب المعالجة وسد الثغور، والقانون الانجليزي نفسه يتعرض للتعديل بين الحين والآخر، لأن زراعة الأعضاء قابلة للتطور، ويمكن تطوير القانون تبعاً لذلك، ولا يمكننا الانتظار لسد الثغرات في القانون قبل ان نبدأ، لأن هناك المئات من الذين يحتاجون لزراعة الكُلى والبنكرياس والكبد، وهؤلاء لا يمكنهم ان ينتظروا.
* وهل من أجل هذا ناشدت رئاسة الجمهورية؟!
ــ نعم ناشدت رئيس الجمهورية المشير البشير ونائبه الأستاذ علي عثمان، لأن هناك لجنة الآن في وزارة الصحة يجب ان ترفع تقريرها للبتِّ فيها، لأن الفرصة مواتية لتحقيق الحُلم، وليست مجرد مسألة مرتبطة بشخص أو أشخاص.
* ولكن هناك أصوات تقول ان الأمر محض بيع للأعضاء؟!
ــ قانون السودان واضح جداً، إذ انه يمنع تعاطي أي مال نظير العضو المنقول من شخص لآخر، وإذا قلنا ان الشركة لن تبيع لأنها لا تتعامل بالربح حسب الاتفاق المبرم، وإذا قلنا ان الإقرار يثبت ان العضو المتبرع به من سوداني لمريض سوداني، فما هي التخوفات..؟!
أنا قرأت إقرار المتبرعين، وقرأت الاتفاقية نفسها، ولا أرى أي مبرر للانتظار حتى نفقد هذه الفرصة.
* لكن التخوف يأتي من كون الاتفاقية حصرية؟!
ــ هي فعلاً حصرية للمستشفيات وزارة الصحة الاتحادية، لكننا لم نحجر على كل الولايات الخمسة عشرة، التي تملك 400 مستشفى ويمكنها أن تنشئ برامجاً لنقل الأعضاء وفق هواهم إذا رأوا ذلك، ولا حجر على مستشفيات الشرطة ولا القوات المسلحة ولا القطاع الخاص، يمكنهم جميعاً أن ينشئوا برامجاً لزراعة الأعضاء إن أرادوا ذلك، فما هي المشكلة؟!
* المشكلة أن الاتفاقية تم تسويقها للمواطنين بشكل غامض؟!
ــ وهل يكمُن الغموض في الاتفاقية أم في الذين سرَّبوها على هذا النحو؟!
* حسناً، ماهي الجهة المستفيدة من هذه التسريبات؟!
ــ في ظل الخلاف الذي كان يدور بوزارة الصحة، كل شيء ممكن، وأنا لا أتهم جهة بعينها، ولكن أضع الحقائق أمام الرأي العام بكاملها ليحكموا على هذا الأمر بعد قراءتهم لها، ومعرفتهم بها، وإذا رأى الناس بعد كل هذه التفاصيل أن هذا العقد يجب ان يجمَّد، فليجمَّد. فأنا قد أخليت مسؤوليتي بأن أوضحت الحقائق بحكم أنني كنت معرفتي بتفاصيل هذه العملية، وبعد ذلك فليقرر من يشاء ما شاء.
* هل من ايضاحات اضافية حول (حق) التبرع بالأعضاء؟!
ــ الاتفاقية المجمَّدة تقول ان كل الأنسجة والأعضاء التي تنزع من سودانيين تزرع لسودانيين فقط، حسب الإقرار (ومافي زول بفرتقوهو اسبيرات)، لأن المتبرع أو (أهله) يأتي ويقول: (أنا أودُّ أن أعطي كبدي أو كليتي للمريض السوداني.. فلان)، وهذا الأمر محدد في الإقرار، وبالتالي كل الأعضاء التي تُنزع من سودانيين تنقل لسودانيين، ولكن إذا جاء مريض من خارج السودان ويريد ان يتبرع لمريض من جنس آخر، فهذا مكفول له.
* بالعودة لتركك الوزارة.. بصراحة، هل أقالوك أم استقلت؟!
ــ انت شايف شنو، أنا لا أود الحديث عن هل أُقلِت أم استقلت لأسباب اقدِّرها، المهم أنا الآن وكيل سابق.
في الحلقة القادمة :
– انا ما مغبون وهذه تفاصيل الخلاف داخل الوزارة..!
– لا علاقة لي بأي استثمار في الحقل الطبي وإليكم قصة المستشفى الجنوبي والفساد المزعوم
حوار: محمد عبدالقادر ـ وجدي الكردي تصوير: يحيى شالكا
الراي العام