منى سلمان
وصية الميت

اجتمع أهل الحي لمواساة (الصادق) واسرته وانتظروا معه حتى اكتمال تجهيز الجثمان ورفعة على الشاحنة ذات الدفع الرباعي التي قدمها أحد الأصدقاء لأن الوقت كان خريفا، والطرق بين القرى في عمق الجزيرة عادة ما تكون في هذا الوقت من العام، مغمورة بالمياة المتجمعة بفعل الامطار وفيضان ترع المشروع ..
في قمة لحظات الكرب تذكر (الصادق) حوارا دار بينه ووالده في أيام مرضه الأخيرة، فقد اخبره حاج (مأمون) بانه رأى رؤية في المنام انه سيموت ويدفن بجوار قبة (الشيخ الرضي) شيخ الطريقة التي يتبعها ويدين لها بالولاء ..
فكر (الصادق) ان رؤية والدة بمثابة الوصية واجبة التنفيذ، لذلك عندما اتصل لينقل خبر الوفاة لاهله في القرية أخبرهم بنيته على دفنه في مقابر الشيخ الرضي حسب وصيته، حيث تقع تلك المقابر في قرية أخرى تبعد حوالي الاربعة كيلو مترات من قريتهم ..
كانت عقارب الساعة قد جاوزت العاشرة ليلا بقليل عندما ابطأ سائق السيارة حسب أوامر (الصادق) الذي كان يجلس بجواره، فقد اقتربوا من النقطة التي يجب أن يفارقوا فيها طريق الأسفلت ليصلوا إلى القرية عبر الطريق الترابي الذي مهدته السيارات في مسيرها من وإلى القرية .. أحس (الصادق) بالعبرة تخنقه وغامت عيناه بالدموع عندما لاحت من بعيد جماعة كبيرة من أقربائه وأهل قريته ينتظرون الجثمان على حافة الطريق رغم الليل والمطر، الذي ظل يهطل طوال اليوم ومازالت قطراته تواصل النزول على رؤوس الرجال المنتظرين ..
نزل (الصادق) وجيرانه الذين أصروا على السفر معه لملاقاة الرجال، وبعد الفاتحة والترحم على المرحوم بدأت رحلة السباحة ضد الظلام وتيار البحيرات العظمى التي تحولت لها الفضاءة التي تفصل القرية من الطريق العام .. بالاسترشاد بتوجيهات الرجال الذين احاطوا بالسيارة وكانوا يوجهون السائق نحو الردميات والاماكن العالية واصلت السيارة طريقها ببطء، ولكن في منتصف الطريق غرست عجلاتها في الوحل وصارت تدور في مكانها لتنثر على الرجال مطر الطين .. بعد قرابة النصف ساعة من المجهودات الجبارة لدفع السيارة وتخليصها، تخلوا عن الفكرة وحملوا الجثمان على عواتقهم وواصلوا الطريق ..
خلّصت النسوة (الصادق) من بين ذراعي أمه واخواته المكلومات، فخرج للحوش الامامي وجلس على الارض يبكي في صمت وقد غطى وجهه بيديه، وفجأة أحس بشيء بارد وحاد يلامس عنقه من الخلف، إلتفت ليجد جدّه خال ابيه قد استل سيفه القديم من جرابة ووضعه على عنقه وهو يقول في غضب:
قلت لي بتدور تدفن ابوك يا ولد في مقابر الشيخ الرضي ؟ .. يعني غرضك تشقيها على الناس في الليل والمطر ده عشان يشيلوا الجنازة تاني ويقطعوا بيها البحور دي عشان يدفنوه جنب الشيخ الرضي ؟!
أجابه (الصادق): لكن يا جدي دي وصيتو .. قال شافا في المنام …
وهنا قاطعه الجد بعنف:
ها ولد أبوك ده ساويلوا عمله في دنيتو بدور يدرّق منّها بالشيخ الرضي وللا شنو ؟ حرّم يندفن هنا قبلوا وما تتني لي تاني كلمة.
استسلم (الصادق) وتنازل عن رأيه وهو يقول:
يا جدي أنا أبوي وجبتو وصلتو ليك لغاية البيت .. إن قلتا ندفنوا هنا قدام الديوان ده أنا ما عندي مانع.
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com
أرى أن يتم تنفيذ وصية الميت ،،، إلا إذا استحال تنفيذ ذلك.
you are greater writer my sister thank you … he has to be burred as his recomonding to his son
عفارم عليك وعلي كتاباتك الرايعة …… عندي طلب بسيط انك تجمعي اللطائف في كتيب …. وشد حيلك عندك قاعدة جماهيرية تنزلك في الانتخابات …. شكرا للامتاع
طبعا مبالغه يا منى وحقيقه مافي كلام في كتاباتك يا رائعه وياريت تنعشينا دوما