عالمية

الرجل الذى حبس نصف رجال الأعمال فى عهد الرئيس السابق: مبارك قال لى« إنت مزعّل رجال الأعمال منك ليه»


«الآن أتكلم».. هكذا بدأ أحمد البردعى الرئيس السابق لبنك القاهرة حواره معنا، فالوقت قد حان ليكشف المزيد من الحقائق حول فترة وجوده فى البنك، والتى كانت أكثر الفترات صخبا وجدلا فى القطاع المصرفى المصرى، ومازالت ممتدة حتى اللحظة.

ولم لا، فالبردعى-كما يقول لنا- تعرض لأعنف هجوم لم يسبقه إليه رئيس بنك فى مصر، فطوال 5 سنوات هى فترة توليه منصبه فى بنك القاهرة، منذ عام 2001 وحتى 2005، واجه اتهامات عديدة، أقلها أنه أفسد الاقتصاد المصرى بسبب تعنته وإصراراه على عدم الموافقة على تسوية قروض رجال الأعمال، بل إنه تسبب فى ذهاب بعض منهم إلى السجن وهروب الآخرين إلى خارج مصر. وأنه منح «شلة جمال مبارك.. عز وأبوالعينين ومجدى راسخ» قروضا بالمليارات، سواء عندما تولى رئاسة البنك العربى الأفريقى أو بنك القاهرة.

الاتهامات أيضا طالت علاقته بجمال مبارك الذى زامله فى بنك أوف أمريكا، ثم فى البنك العربى الأفريقى، حتى قيل إن ابن الرئيس السابق فتح أمام البردعى الأبواب المغلقة للترقى فى القطاع المصرفى ولجنة السياسات، وإنه ساهم فى جدولة ديون بعض الكبار، مثل إبراهيم كامل، وتعنت مع البعض الآخر مثل رامى لكح الذى دخل معه فى معركة إعلامية مثيرة، تداخلت فيها أنصاف الحقائق والأكاذيب.

طوال تلك الفترة ظل البردعى مدافعا عن نفسه عن الهجوم الكاسح الذى شنه عليه- كما يقول- أصحاب المصالح من رجال الأعمال الفاسدين، حتى تمت إقالته من البنك دون أن يعلم!
يرى أنه الآن فى حالة هجوم ضد كل من اتهموه «بالباطل» لسبب وحيد يلخصه فى «وقوفه بصرامة ضد تيار الفساد، وضد إهدار المال العام» ويكشف فى حواره مع «اليوم السابع» الأسباب الحقيقية وراء إقالته من بنك القاهرة، وحقيقة علاقته «بجمال مبارك وشلته» وقصة شركة شراء ديون مصر.

وطوال فترة الحوار كان يطلب منا إغلاق جهاز التسجيل لإطلاعنا على أوراق تتعلق بأوراق مهمة مازال يحتفظ بها منذ خروجه من البنك، تحسبا للحظة- يراها اقتربت كثيرا الآن بعد ثورة 25 يناير- قد تأتى للمحاسبة لمعرفة من الفاسد، ومن كان وراء الفساد. ملفات كثيرة مازال يحتفظ بها أحمد البردعى، يثبت بها حقيقة موقفه من قروض رجال الأعمال، أتاح لنا الاطلاع على بعضها.

المفاجآت التى يفجرها كثيرا بداية من علاقته مع جمال مبارك، وفاروق العقدة محافظ البنك المركزى، ومجدى راسخ صهر الرئيس السابق.

> نبدأ من حقيقة علاقتك مع جمال مبارك، كيف كانت البداية.. وما حدود هذه العلاقة التى قيل حولها الكثير؟
– لم تربطنى علاقة صداقة مع جمال مبارك طوال عملى فى البنوك، ولم أكن يوما من شلته، فأنا أكبر منه بحوالى 12 عاما، فهو الذى كان يعرفنى ويسمع عنى جيدا عندما كان يعمل فى بنك أوف أمريكا، وقتها كنت المسؤول المالى لسيتى بنك فى أفريقيا والشرق الأوسط عام 86، ثم انتقلت بعدها بعامين إلى مصر لأتولى منصب مدير البنك فى مصر، ثم المدير الإقليمى فى مصر والسودان عام 88، ثم المدير الإقليمى لأفريقيا الشمالية ومصر ومالطة عام 92، وهو أعلى منصب يتولاه مصرفى مصرى فى بنك عالمى.
فى هذه الأثناء تعرف على جمال مبارك بعد تأسيس شركة شراء ديون مصر، بعد أن قررت مصر عمل برنامج لشراء ديونها الخارجية، بعد أن عجزت وزارة المالية عن السداد، وهو البرنامج الذى تم تطبيقه فى عدد من دول أمريكا اللاتينية بحيث تقوم الحكومة بالسداد بالعملة المحلية مع منح المستثمرين حوافز فى حالة شراء الديون. وبصفتى المدير الإقليمى لسيتى بنك، فوجئنا أن شراء الدين يتم عبر بنك أوف أمريكا الذى كان يعمل به جمال، واشترينا كسيتى بنك نحو مليار دولار، بعدها سافر إلى لندن وانقطعت الصلة معه.

> لكن قيل إن علاقتك توطدت معه بعد إنشاء شركة مصر للاستثمارات المالية مع إبراهيم كامل؟
– لم أسمع بهذه الشركة، ولم أعرف بها إلا عندما توليت رئاسة بنك القاهرة الذى كان مساهما فيها بنسبة 10% كبنك قطاع عام، وكنت ممثل المال العام، وفى هذا التوقيت خرج من الشركة جمال مبارك وإبراهيم كامل، الأمر الثانى أن الشركة تأسست قبل ظهورى فى القطاع المصرفى العام فى مصر، فعندما تأسست عام 96 كنت فى سيتى بنك ولم أعرف بوجودها إلا بعد توليتى بنك القاهرة، إذن أين هى العلاقة مع جمال مبارك.

> لكن هناك محطة أخرى فى العلاقة فى البنك العربى الأفريقى؟
– الذى طلبنى لرئاسة البنك العربى الإفريقى- العضو المنتدب التنفيذى- هو إسماعيل حسن، محافظ البنك المركزى فى ذلك الوقت، عندما كنت فى سيتى بنك، حيث كان الفائض النقدى للاحتياطى الأجنبى للبنك المركزى المصرى فى سيتى بنك، عندما كنت المدير الإقليمى، فطلبنى إسماعيل حسن وقال لى «مصر عاوزاك» ووافقت على تولى المنصب بعد أن حقق البنك خسائر بلغت 1.5 مليار دولار، واستمررت فى منصبى فى سيتى بنك فى الوقت نفسه لمدة شهر حتى سبتمبر 96. قرار تعيينى صدر فى نفس الوقت مع تعيين جمال مبارك كعضو لمجلس الإدارة، يعنى كنت أنا رئيسه، بل كان يطرق باب مكتبى عندما كان يريد مقابلتى.

كل ذلك يؤكد أننى لم أكن صديقه، ولم أعرف حتى رقم تليفونه أو بيته.

> رغم ذلك قيل إن «العربى الأفريقى» فى وجود جمال مبارك كان بابا ملكيا للترقى فى القطاع المصرفى مع صعود جمال السياسى؟
– أولاً أنا كنت قبل العربى الأفريقى فى منصب أعلى بكثير فى سيتى بنك، فلم أكن أبحث عن وظيفة أو منصب، ولم أكن سياسيا حتى أطمح فى الصعود، بل حصلت على راتب فى العربى الأفريقى أقل 30% من راتبى فى سيتى بنك، ثم إن جمال مبارك عام 96 لم يكن هو جمال مبارك بعدها بثلاث أو أربع سنوات.

بل عندما تقدمت باستقالتى من البنك العربى الأفريقى بسبب تدخلات العضو غير التنفيذى الكويتى، لم يكلمنى جمال مبارك بل إنه تخلى عنى.

وذهبت بعدها إلى مدينتى الصف بالجيزة لأكثر من عام، ولم أتصل به ولم يتصل بى طوال تلك الفترة. وهنا أتساءل من جديد أين صداقتى وشلتى معه.

> خلال رئاستك للبنك العربى الأفريقى، ألم يحصل أحمد عز، ومحمد أبوالعينين، ومجدى راسخ «شلة جمال» على قروض بالمليارات؟
– على الإطلاق لم يحصل عز أو أبو العينين أو راسخ أو غيرهم على أى قروض، ففى تلك الأعوام لم يكن أحد يسمع عنهم، فراسخ كان موظفا عند محمد نصير، وعز لم يكن لديه سوى شركة السيراميك قبل الحديد، فلم أمنح أحدا منهم أية قروض كل هؤلاء «طلعوا فى البخت» جديد فى نهاية التسعينيات.

> ولم يحصلوا أيضا على قروض من بنك القاهرة عندما توليت رئاسته؟
– أنا لم أمنح أحدا قروضا طوال رئاستى للبنك، فعلى سبيل المثال أبوالعينين لم يتعامل مع البنك حتى تركته، والباقون أيضا سواء راسخ أو عز، وإذا ثبت أننى منحت قروضا لأحد فحاكمونى، أما من منحوا القروض بالمليارات منذ عام 96 وحتى 99 فحاكموهم.

> من تقصد تحديدا بالذين أخرجوا المليارات من بنوك القطاع العام؟
-الذين تولوا رئاسة بنوك القطاع العام فى تلك الفترة وواحد منهم قالوا عنه أبو البنوك، وبنكه كان مخروبا.

> تقصد محمود عبدالعزيز؟
– هاجمنى لمجرد أننى أتحدث اللغة الإنجليزية و«شكلى حلو»، لكن خبرتى المصرفية هى التى أخافتهم فقد توليت منصبى فى سيتى بنك وعمرى 36 عاما، فالخبرة ليست فى عدد السنين، والذين هاجمونى لم يكونوا يعملون فى مصارف، وإنما فى «محلات بقالة» منذ الستينيات.
ثانيا: عندما يتولى رئاسة اتحاد البنوك العربية بالتربيط، هل هذه هى الخبرة؟ وهل يقارن ذلك بعضويتى فى مجلس إدارة مؤسسة التمويل الدولية مع دويتشه بنك، وسيتى بنك وإتش إس بى سى.

> من كان وراء تعيينك فى بنك القاهرة إذا لم تكن من«شلة جمال» كما قلت؟
– يوسف بطرس غالى كان وراء تعيينى فى بنك القاهرة، عندما كان مستشارا لرئيس الوزراء، فقد كانت تربطنى به علاقة مع حضور وفود من سيتى بنك إلى القاهرة لمقابلة مسؤولين مصريين على رأسهم رئيس الوزراء، واتصل بى وأنا فى مدينتى، وقال لى لقد رشحتك لبنك القاهرة ووافق الرئيس. إذن جمال مبارك لم يكن وراء تعيينى، ولكن بعد يومين اتصلت به لأخبره بالقرار، فقال لى «خليك مرن فى المنصب الجديد» ثم رأيته بعدها بثلاثة أشهر.

> وما قصة مشروع تطوير القطاع المالى؟
– أولا أنا قدمت المشروع فى اللجنة الاقتصادية التى تم تشكيلها من رئيس الوزراء لإصلاح القطاع المصرفى وقطاع التأمين، ولم أقدمها فى لجنة السياسات كما قيل، والغريب أنه بعد تولى فاروق العقدة منصب محافظ البنك المركزى، قام بتنفيذها حرفيا، وقال لى فيما بعد «اللى إنت كاتبه هوه اللى هينفذ».

> لماذا توقع لك البعض أن تكون فى موقع قريب من جمال مبارك مثل أحمد عز؟
– لم أفكر يوما فى العمل السياسى، ولم يكن لى طموح، إضافة إلى أننى أحمل جنسية أجنبية، ولم أرشح للجنة السياسات، بل كنت أحضر الاجتماعات كرئيس اتحاد البنوك، ورئيس ثالث أكبر بنك فى مصر. وحضورى الاجتماعات كان محدودا، ولا أعرف حتى الآن لماذا ضخم الناس من لجنة السياسات، وأعطوها حجما غير حقيقى، فهى لم تكن تتخذ قرارات، فالقرارات كانت تؤخذ مسبقا من الوزراء.

> لماذا كان الاعتراض شديداً على تعيينك فى بنك القاهرة؟
– كان لازم يعترضوا لأنى سأكشف المخالفات والخلل، وأول مرة جلست مع إسماعيل حسن محافظ البنك المركزى وقتها، قلت له البنك فيه خلل قيمته 4 مليارات جنيه، فرد قائلا «إنت مهزوز شوية، ولاتعرف كيف يعمل القطاع العام.. هناك مدارس للائتمان» فقلت له أنا لا أعرف سوى مدرسة واحدة هى مدرسة تقييم المخاطر. وقدمت له قائمة كاملة بالمتعثرين الذين حصلوا على القروض. الذين اعترضوا كان اعتراضهم على شخص سيتعامل بطريقة مختلفة، وسوف «يطلع القطط الفاطسة» وحجم العفن، فكل القروض التى خرجت من البنك كانت قبل توليتى وقدرت بحوالى 11 مليار جنيه، تصل إلى 16 مليارا من إجمالى محفظة القروض بالبنك 23 مليار جنيه لم يدفعها أحد المتعثرين.

اكتشفت أن أحد رجال الأعمال حصل على قرض نحو 3 مليارات جنيه أى ضعف رأس مال البنك، وقيل عنه «خط أحمر» ولذلك كانت خسائر البنك أول ما توليت كانت 12 مليار جنيه، وعقدنا نحو 12 جلسة مع رئيس الوزراء لوضع قواعد للمتعثرين، والبعض كان يرى أن المقترضين متعثرون وفى طريقهم للسداد عينيا، واتضح أنهم كانوا يسددون من أراضى الدولة.

> لكن الهجوم استمر ووصفوك بأنك «ذراع نهب البنوك»؟
– أنا حاربت الفساد فى بنك القاهرة، وسبحت عكس تيار الفساد السائد وقتها مع سيطرة رجال الأعمال على القرار السياسى، لأننى أيضا «قفلت الحنفية» ولم يحصل أحد على قرض.

> لماذا اعترضت على تسوية الديون مع المتعثرين بالمخالفة للقانون؟
– التسويات فى هذا الوقت مع المتعثرين كانت إهانة لمصر وإهدارا للمال العام. فالفساد كان مدروسا تماما فى القوانين، وتم تعديل القانون حتى لايستطيع البنك تحريك الدعوى الجنائية ضد متعثر إلا بموافقة البنك المركزى، وكان هذا يمنح الحق للمحافظ بتحريك الدعوى ضد البعض وعدم تحريكها ضد آخرين حسب أمواج السياسة.

على سبيل المثال قضية رامى لكح تحولت للمحكمة لمدة 8 سنين، دون أن تنعقد جلسة واحدة.
فقد تم وضع مادة فاسدة هى المادة 133 فى القانون 2004 بشأن التصالح، تسقط كل القضايا عن كل الجرائم المتعلقة بالواقعة فى حالة سداد جزء من المديونية، واعترضت اعتراضا شديدا عليها، فكيف تسقط جرائم التزوير والغش والتربح، فقالوا لى هل تريد أن تسجن رجال الأعمال، قلت السجون للفاسدين وليست للشرفاء.

> وهل كنت تريد حبس رجال الأعمال فى هذا الوقت تحديدا وأنت أدرى بنفوذهم؟
– لم أكن أتحدث عن تعثر، وإنما جرائم، ولم أكن أنا الذى أحبس، وإنما الجهات المعنية، وكل الذين هربوا لم يعيدوا الأموال حتى بعد تركى لبنك القاهرة ثم أين هى التسويات التى تمت حتى الآن، ولماذا تتم مقاضاة رامى ويعقوب وأبو الفتوح مرة أخرى. وفى رأيى أن الفلوس لن ترجع مرة أخرى، وضعفاء النفوس فى البنوك تباهوا بالتسويات، وهى فى الحقيقة جريمة يجب التحقيق فيها.

> ما حقيقة غضب مجدى راسخ عليك؟
– راسخ كان يريد شراء حصة بنك القاهرة فى شركة الجيزة للاتصالات التى كان يمتلكها محمد نصير وعقيل بشير، ورفضت العرض و«زعل منى وقال لابن عمى توفيق البردعى، قول لأحمد ما يزعلش إحنا اضطرينا نعمل دمج لبنك القاهرة ومصر عشان نشيله».

> هل تعتقد أن رجال الأعمال وراء إقالتك وإبعادك عن بنك القاهرة؟
– نعم هم الذين أقالونى، وأتذكر أنه بعد توقيع قانون الضرائب، ذهب وفد من رجال الأعمال المعروفين واجتمعوا مع الرئيس السابق حسنى مبارك، وذهبنا للاجتماع معه بعد ذلك، فقال لى «إنت مزعل رجال الأعمال ليه يا بردعى» وبعدها بـ45 يوما تمت إقالتى، فقد أقسموا أن يجعلونى عبرة لغيرى، وأتذكر ذات مرة عندما قالى لى فاروق العقدة «إنت مش سياسى، رغم إنك أفضل مصرفى فى مصر».

فأنا لم أرتكب خطأ حتى أدافع عن نفسى الآن، وكل ما فعلته أننى وقفت ضد إهدار المال العام. فعندما تتولى بنكا وتجد أن 44 عميلا فقط حصلوا على 70% من محفظة القروض، بل إن 10 عملاء استولوا على 11 مليار جنيه فقط، ثم تقف للمواجهة فإنك بالتأكيد تسبح ضد تيار الفساد.

اليوم السابع