قير تور

لم تقل عيب أنا بت

[ALIGN=JUSTIFY]الطين هناك على الأرض.. جزء منه يجده الأطفال قد يكون نتيجة مياه الأمطار والجزء الآخر

بفعل فاعل هو المحتاج لهذا الطين. ولا مبالاة مستمرة للأيادي المغطاة به فهو طاهر لهم، لا

يعرفون اي ميكروب او رائحة غير مقبولة او مرض كامن فيه يمنعهم من اللعب به.
…والزمن جميل وكذلك المكان أجمل والمتعة لا مثيل لها…
هذا يملأ يديه مما ظنه كافياً ليصنع منه: حربة وكوكاب وحصان وحمار ورجل.
وهذه تصنع وتنحت لنفسها: فتاة وطبق طعام و…
و… وفي يوم ما رأت ذاك وأمامه التماثيل الطينية فأخذتها الدهشة مما ترى وصنعت أجمل مما

عند ذلك، فأبدعت في الفرس وراكبه الذي يحمل سيفاً. ويتجمع حولها عدد من الصبيان

مندهشين جداً من هذه المهارة الفائقة.. وليت مهارتها تدهش الصبيان دقائق فقط ويتعلمون منها

القليل.. فجأة يأتي صوت: دا شنو دا؟ يا بت الكلام دا عيب.. انتي بت ولازم تعرفي دا.
وتدخل البيت مطأطئة رأسها والدموع منهمرة من عينيها وأثر الضرب ظاهر على جزء من

جسمها بسبب جريمتها: التعدي على لعب الأولاد.
ويبقى عليها أن تتعلم الخضوع والخوف والإذلال ليس لرب العالمين خالق السموات والأرض بل

لاخوانها حتى تكون جاهزة كـ(إمراة) صالحة في المستقبل. يجب أن تعرف بأن السيف

والحصان والسلاح رموز للفروسية والرجولة.
والفروسية والرجولة والشهامة صفات رجالية يجب أن يحتكرها الرجال دون بقية خلق الدنيا.
وحتى من تربى في المدينة فإن والده يشتري له ما كان يصنعه لنفسه أيام طفولته وتشتري الأم

لبنتها ما كانت تصنعه من الطين كلعب معروف للبنات.
وإذا كانت هذه الصورة أعلاه صورة عابرة فلابد لنا من إدراك بأن القاموس العام لبعض

المربين لم يدخل فيه كلمة: الإنسانية.
والإنسانية هذه لم يأت اليوم مع العولمة حتى يظن البعض أنها وليدة الحضارة الغربية، بل إنها

موجودة في كل إنسان يعرف متى يخاف ومتى لا يخاف.
…وفي قصة أغرب وأروع من قصة المطالعة الإبتدائية: مريم الشجاعة تلك الفتاة التي وقفت

أمام القطار والنار التي اشعلتها لتصنع دخاناً كثيفاً ولم تكتف بذلك إنما وقفت من بعيد تصرخ

وتشير لوقوف القطار منقذةً لمن فيه.. جاءت فتاة من وسط هذا الجيل الذي يوصف اليوم بـ(

الطائش) لم تقف مثل مريم مسافة من النيران.
ولم تقف أمام جسم مندفع قادم من بعيد بل هي داخل جسم مندفع هبط من الجو وهي محاطة

بالنيران.. والنار تلتهم كل الموجود بالداخل كان الرجال أول من خرجوا..
لكن، كانت هناك واحدة تعرف: واجب أخلاقيات السلوك الإنساني وعملها ودورها حتى انها لم

تبال بالنيران.
وسهام عبد الرحمن في ذلك المساء المشؤوم لم تقل في نفسها: انا بت.. وإلا لكانت أول من

خرجت من الطائرة. كانت تفك هذا وتقذف بتلك المرأة المريضة المقعدة التي هتفت لها يا بتي

ألحقيني. فأنقذتها سهام واحترقت دون أن تشعر بأنها (بت).
الشجاعة والفروسية والإقدام والقوة ليست مجرد ألعاب نوجه نحوها بكلمات هذا للولد وهذا

للبنت، إنما منهج جسّدته الشهيدة سهام عبدالرحمن التي تستحق ان تكون قصتها موضوعة في

المنهج المدرسي حتى يعرف الأجيال القادمة بأن التضحيات لم تنته.
اللهم أرحم سهام وأسكنها جناتك مع الشهداء والصديقين.

لويل كودو – السوداني-العدد رقم 980- 2008-08-6 [/ALIGN]