أ.د. معز عمر بخيت

أزمة ثقافة أزمة وطن


[ALIGN=CENTER]أزمة ثقافة أزمة وطن[/ALIGN] المفكر إدوارد تايلور في كتابه الثقافة البدائية والصادر عام 1881م عرف الثقافة بأنها الكل المركب الذي يشتمل على المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والعادات وغيرها من المقدرات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في جماعة وفي مجتمع ما. وقد اعتبر هذا التعريف على أنه الأدق في الإدلال على مفهوم الثقافة منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

مع إيماني الكامل بهذا التعريف من ناحية نظرية إلا أنني أعتقد بأن الثقافة يجب أن تتحول لمفهوم عملي يحقق قيم إنسانية تُعنى بمعاني العدل والخير والحق لتكوين مجتمع سليم ومعافي من دروب الشر والبغض والكراهية. فالثقافة إذن أعتبرها طريق للبناء السليم في كل مظاهر الحياة من فن وسياسة ورياضة وتفاعل يومي مع الحياة الأمر الذي يشير إلى أن الثقافة ترتبط بالظواهر الإيجابية في تركيبة المجتمع ويعني أيضاً أن كل السلبيات هي فاقد ثقافي. لذلك سأركز في مقالاتي الأولي على هذا الفاقد الثقافي في مجتمعنا السوداني حيث تنقصنا ثقافات كتيرة مرتبطة بالحضارة والتي لم يفصلها تايلور عن مفهوم الثقافة.

من ثقافاتنا السالبة أو المفقودة على سبيل المثال لا الحصر ثقافة الحكم، ثقافة الصحة والتعليم والأمن والمسكن والغذاء، ثقافة قبول الجديد، ثقافة الرأي والرأي الآخر، ثقافة الوقت واحترام المواعيد، ثقافة الصف وانتظار الدور، ثقافة الإعتذار، ثقافة الإعلام عن الذات، ثقافة حرية الإختيار، ثقافة تقبل النقد، ثقافة العمل التقني، ثقافة البحث العلمي، ثقافة البيئة، ثقافة رعاية ذوي الإحتياجات الخاصة، وحتى ثقافة الحمام أو التواليت في المنزل وفي الأماكن العامة. كل هذه الثقافات وأخريات تمثل تركيبة المجتمع والتي متى ما أقيمت بصورة صحيحة تطور المجتمع وارتبط بالحضارة ومتى ما نقصت تخلف المجتمع وأصبح قاصراً تحاصره الهموم والسلبيات. وهنا يأتي دور السياسة في النهوض بهذه الثقافات وبالتالي النهوض بالمجتمع وتحقيق مفاهيم العدل والحق والخير والتنمية وصولاً للرفاهية. وحيث أن السياسة نفسها ثقافة مفقودة في بلادنا يصبح أمر النهوض بالوطن حلماً مستحيلاً والدليل على ذلك ما يعانيه الوطن من تدهور متواصل في كل مرافقه منذ خروج المستعمر وحتى هذه اللحظة بالرغم من كل الإمكانيات المادية والإنسانية التي يمتلكها.

السياسة ترتبط في وجهة نظري بأربع موجهات أساسية تدير كفتها لصالح الإنسان وهي الفن والرؤية والحوار والقوة. المقصود بالفن هو فن الحكم والإبداع فيه لإدارة المجتمع لصالح الفرد، والرؤية هي الإستقراء الصحيح لتحقيق رسالة الثقافة عبر أهداف استراتيجية في إطار خطة محددة مرتبطة ببرنامج عمل محدد، والحوار هو عامل مهم في حل النزاعات والإختلاف الملازم لطبيعة البشر في كل المجتمعات، أما القوة فهي تتمثل في الإرادة والعزيمة لتحقيق الأهداف والطموحات وليس الإرهاب. هذه ليست رؤى فلسفية لكنها واقع رأته بعض المجتمعات ومارسته فنهضت بالإرادة وشكلت لأفرادها الرفاهية المنشودة.

أما نحن في واقعنا نعرف السياسة على أنها الإستيلاء على السلطة والثروات لمصلحة الفرد الحاكم وليس المجتمع واستغلال المحكوم فكرياً وعقائدياً ومادياً والزامه برسوم وضرائب وأتوات ما أنزل الله بها من سلطان. وحتى عندما نمارس الديمقراطية تصبح السياسة في نظر رمز القطية ورمز الكفتيرة هي الحصول على القوة لممارسة الحكم والتحكم في الثروة لمصلحة الحزب وليس المجتمع الذي يشكل الإنسان نواته الأساسية.

ارتبطت السياسة في ثقافتنا بالمؤامرة وتسبيب الأذى لصاحب الرأي المخالف والبحث عن العيوب والتركيز على اغتيال الشخصيات والإنغماس في هذه الجوانب السلبية بدلاً عن فكر البناء والذي حتى وإن تم على أدنى شكل يسعى الآخرون لهدمه.

أما أكثر ما يميز السياسة سلبياً في وطننا هو ارتباطها بالفساد بكل أشكاله المادية والإنسانية ومتى ما ذكرت السياسة ذكر الفساد ومعه كل جوانب القصور الواردة أعلاه. ونواصل..

مدخل للخروج:

فيا وطني سيأتي مجلس ثاني بعد المجلس الأول.. ويأتي مجلس ثالث بعد المجلس الثاني.. ونفس يميننا الرجعي ونفس يسارنا القاني.. ونفس العسكر العسكر.. ونفس الحزب نفس القائد الملهم ونفس الوجه والمنظر..

معز البحرين
عكس الريح
moizbakhiet@yahoo.com


تعليق واحد

  1. مشكور جدا يادكتور الرؤية صائبة والفكر مستنير وفقك الله نحو الافضل .