تحقيقات وتقارير

قضية اللواء حسب اللّه والوصاية المرفوضة على الإسلام

في الأيام الفائتة قد توقفنا كثيراً عند الحملة التي طالت اللواء حسب الله عمر الأمين السابق لمستشارية الأمن القومي من أهله بالمؤتمر الوطني لأنّه قد نطق بكلمة قد تكون عفوية- ولكنّها قد أخذت ضده كجريمة وصلت درجة إقالته من وظيفته ورغم ما تعرّض له من هجوم فهو لازال يؤكد أنّه قيادي بالمؤتمر الوطني وهذا شأنه ولكن حول هذا الأمر ما يدفعنا لإبداء الرأي حول الحملة وأسبابها وهو الإدّعاء بالحرص على الشريعة وإنّي لا أُريد الدفاع عن حسب الله ولكني آخذ قضيته للحديث عن أشياء أخرى مهمة وفي اعتقادي بأن الرجل وطالما هو مسلم فلا يمكن أن يكون قصده من عبارة فلتذهب الشريعة هو رفضه للشريعة أو إنه ضدها ولكنه ربما أراد أن يؤكد للآخرين الذين معه من الأحزاب أنهم يحترمون الرأي الآخر وإن اجتماعاتهم سوف تسودها الديمقراطية – لأن أمر تطبيق الشريعة في السودان حوله عدة آراء وهي تحتاج للنقاش بين كل الأطراف ومن ضمن هذه الآراء فقد قرأت بالأمس في صحيفة «آخر لحظة» الحوار الذي جاء مع الإسلامي الكبير ونائب الأمين العام للشعبي الشيخ إبراهيم السنوسي وجاء في حديثه عن تطبيق الشريعة (لا ينبغي أن تطبق الحدود في هذا الوقت لأن أغلب السودانيين جياع)

وهذا رأي مواطن سوداني ومسلم ومثل هذه الآراء من أي فرد يجب احترامها ولكن الهجمة ضد اللواء حسب الله أمر خطير ويستحق الوقوف عنده لمعرفة هل أمر العقيدة الإسلامية وأمر الشريعة هو مسؤولية مجموعة معينة من أهل السودان وهم وحدهم من خصّهم الله بالدفاع عن الإسلام وعن شرع الله أم هذه المسؤولية حق لكل المسلمين؟ والإجابة الطبيعية بأن الحق في كل هذا حق للجميع ولا يحق لمجموعة محددة أن ترعى احتكارها وحمايتها للإسلام دون غيرها وإن ماحدث من زجر ومحاسبة قاسية لحسب الله لأنّه قال لو أن الأحزاب قالت لا فلتذهب الشريعة وهذا معناه ليس للأحزاب رأي في أي وقت طالما الأمر يتعلق بالشريعة ونعتقد أن كثرة الحديث بالحرص على تطبيق الشريعة لا يعني صدق الحرص بل إن الأمر لازالت فيه متاجرة لأننا قد ظللنا نرفع شعار تطبيق الشريعة لأكثر من عقدين من الزمان دون فعل وكل ما حولنا لا يدل على أننا نهتدي بشرع الله ونحن نُريد الصدق في القول كما أننا نرفض بشدة إطلاق عبارة إسلاميين على فئة محددة لأنه لا فرق بين مسلم ومسلم إلا بدرجة التقوى وهذا لا يجد التمييز إلا عند الله سبحانه وتعالى وهو وحده الذي يعلم صدق المسلم لأن الإسلام الصحيح والتدين والقبول عند الله ليس بالمظهر بل بما وقر في القلب وما في القلب لا يعرفه إلا الله وربما تجد رجلاً ملتحياً وعلى جبهته غرة سوداء علامة على كثرة الصلاة ومسبحة طويلة لا تفارق يده وآخر ليس له من كل هذه المظاهر شيئاً ويكون عند الله أكثر قبولاً ولابد لنا أن نقول ليس هناك شروطاً تعطي البعض حق احتكار الإسلام ولكننا في هذا الزمان قد ظهر بيننا هذا التمييز وهذا الإدعاء بين المسلمين وهناك من أحسوا بأنهم أفضل من أخوانهم المسلمين ويطلقون على أنفسهم الإسلاميين ونحن لا ندري ما هي الأسباب التي خصتهم بهذه التسمية وما هو الفرق بيننا وبينهم وما هي أسباب التفضيل؟

لأن كلمة إسلامي تعني أن الآخر غير ذلك ولكننا لابد أن نضع النقط على الحروف بأن هذه التفرقة المقصودة بأن هناك نفر من هؤلاء قد فكر منذ زمن ليس بالقصير باستغلال الدين من أجل الدنيا ومن أجل تحقيق المصالح وهذه الفكرة قد جاءت أساساَ من أجل الدنيا ومن أجل تحقيق المصالح وهذه الفكرة قد جاءت أساساً من الذين أطلقوا على أنفسهم الإسلاميين وعلى مستوى كثير من الدول العربية والإسلامية ونرى هؤلاء ينشطون في عدة دول تحت هذا الاسم وخاصة في جمهورية مصر ولكن مصر قد عرفت خطورة هذه التسمية والتفرقة التي تحدث بسببها بين المسلمين وغير المسلمين وقد ظلت تمنع العمل السياسي للإسلاميين وأعتقد أن الثورة الجديدة قد أقرت في تعديل الدستور منع العمل تحت مُسميات دينية أو إسلامية لأن الدين لا يُحتكر عند فئة أو مجموعة وفي السودان هناك أيضاً من سموا أنفسهم بالإسلاميين ولكنهم قد ظلوا لوقت قريب يبحثون لموقع قدم في السودان ولا يجدونه حتى سعوا للدخول في المعترك السياسي باسم جبهة الميثاق وكانوا قلة لأن أهل السودان الذين كان يقودهم أهل الطرق الصوفية ما كانوا في حاجة لمن يهديهم الى الإسلام ولكن الإسلاميين ظلّوا يبحثون عن ضرورة أن يجدوا مكاناً بين الجماهير وكثفوا دعوتهم بين الطلاب وبين النساء بإطلاق شعارات دينية وإسلامية مؤثرة وغيروا من جبهة الميثاق إلى الجبهة الإسلامية القومية والتي خدمتها عدة ظروف دعم بعض الدول الإسلامية والبنوك الإسلامية في أول ظهورها بالسودان كما أنّ أكبر داعم للجبهة الإسلامية كانت ظروف الجفاف والتصحر والتي أكثرت من النزوح وأصبحت هناك فئة كبيرة من الفقراء وأصحاب الحاجات الذين سكنوا أطراف المدن والقرى وظهر في هذا الموقف ما سمي بمنظمات الإغاثة الإسلامية وقد أفلح أنصار الجبهة في احتكار مواد الإغاثة من دقيق وألبان وأرز وتم استغلالها وتوزيعها على النازحين بأطراف القرى والمدن وقد شاهدت أحد الذين فازوا في دائرة ريفية وكان يأتي بالعربات محملة بالإغاثة من المواد التموينية الضرورية وكان يتم توزيعها لمن يضمن بأنّهم سوف يصوتون له وبالفعل قد تمّ فوزه بسبب هذه الإغاثة وهناك آخرين قد تأثروا بالشعارات الإسلامية والوعود بتطبيق شرع الله وهذا ما جعل الجبهة الإسلامية تفوز بعدد من النواب في انتخابات 1986 واستطاعوا تقوية إعلامهم الذي ساعدهم في الهجوم المكثف على الأحزاب وقياداتها كما أنهم قد نجحوا في بناء تنظيم داخل القوات المسلحة وقد ساعدهم في هذا ضعف الأحزاب وما بينها من صراعات ولهذه الأسباب استطاعت الجبهة الإسلامية أن تحقق انقلاب 1989 وجاءت بحكومة عسكرية تحت مسمى الإنقاذ لتطمين الشعب السوداني بأنهم سوف ينقذونه من حالة التردي التي كان يعيش فيها وعملوا على تضليله بأنهم ضد الحزبية مع أنهم قد جاءوا على ظهر دبابة بتخطيط ودعم حزب الجبهة الإسلامية وزعيمه الترابي والذي اعترف بأنه قال لقائد الانقلاب عمر البشير اذهب إلى القصر وأنا الى السجن وصدق بعض أهل السودان النّظام الجديد وانبهروا بشعاراته الدينية وبوعوده للإصلاح وبتطبيق شرع الله ولكن وبعد مرور الأيام فقد انكشف المستور واتضحت حقيقة الشعارات التي تقول لا ولاء لغير الله ولا تبديل لشرع الله وهي لله لا للسلطة ولا للجاه وكل هذه الشعارات اتضح أنها غيرحقيقية وفضحتهم شعاراتهم عندما انقلبوا على بعضهم البعض واتضح أن صراعهم على السلطة وعلى الجاه وليس على الدين وشيخهم الآن بالسجن حبيساً يخافون منه ومن انقلابه عليهم لأنه نظام يصفه هو ومن معه بأنه نظام فاسد وبالأمس وفي حواره بصحيفة «آخر لحظة» قال الشيخ إبراهيم السنوسي الآتي وعندما سئل عن: هل تراهم قد بعدوا كثيرًا عن النهج الإسلامي الذي أتيتم به في عام 1989 ؟

فكانت إجابته – لا تتحدثين عن هذا النظام وعن إسلام فيه الإسلام سلوك راشد في القيادات وفي الرموز ورموزه كلها فاسدة، أيضاً الإسلام هو إعطاء الناس حريتهم ويقوم على الشورى وقد قمعوا لشورى – انتخابات مزورة وصناديق مبدلة الإسلام عدل ولا عدل في السودان لا تحكم إلا بقرار من النظام فأين الاسلام في هذا -بل وفي نيفاشا قد تم إسقاط الشريعة الإسلامية وشطب اسم الله من الدستور وكذلك هذه الشعارات التي تنادي بتطبيق الشريعة ولا تطبق الشريعة إلا بعد تطبيق الحدود في الحاكم ولا تطبق الحدود في هذا النظام لأن عمر بن الخطاب أوقف حد السرقة في عام الرمادة حين كان الناس جياعاً وما أكثر الجياع في السودان» هذا نص من كلمات الشيخ السنوسي التي جاءت بآخر لحظة وشهادة هذا الرجل هي أكبر وأهم شهادة ضد هؤلاء الذين يتحدثون عن الشريعة وحمايتها وبعد هذه الشهادة الواجب ألا يدعي هؤلاء أنهم إسلاميون وحماة للشريعة والأحرص والأقوم على تطبيقها ونقول لهم يكفي أهل السودان متاجرة ومزايدة بالدين وبالشريعة وأن محاولة التضحية بالرجل الذي يحسب عليهم اللواء حسب الله أمر فيه مبالغة للاحتواء وبالوصاية على المسلمين ونحن نُريدكم محاولة المراجعة من هذه المواقف التي تدل على المزيد من كبت الحُريات على الشعب السوداني وأحزابه التي تمثله وأنتم لا تعترفون بحقها بأن تقول رأيها الذي أراد اللواء حسب الله مشكورًا الاعتراف به لأن مقولته إذا قالت الأحزاب لا فلتذهب الشريعة فهي لا تعني المعنى الرافض للشريعة بل تعني رسالة اطمئنان واحترام للجالسين معه فلا يستحق هذا الرجل كل ما وصله من لوم وعتاب وصل درجة التعنيف والزجر والواجب أن يسجل له صوت شكر على أسلوبه الذي يصنع الثقة ويبعد التنافر وهذا ما نرفض استمراره في مجتمعنا المُسالم.

صحيفة آخر لحظة

تعليق واحد

  1. [FONT=Simplified Arabic][SIZE=4]هذا ما سطره قلم الاستاذ علي نايل محمد
    له الشكر والتقدير وكم تمنينا ادارة النيلين كتابة اسم الكاتب
    وليس الصحيفة لكم الشكر مكرر[/SIZE][/FONT]