تحقيقات وتقارير

قرار مجلس الأمن 1828.. مشاورات مغلقة ومواقف معلنة

[ALIGN=JUSTIFY]قبل ساعات من انتهاء التفويض الممنوح للبعثة المشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور (يوناميد) تبنى مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يمدد عمل البعثة لعام كامل.وكان المجلس, وعلى إثر خلافات نشبت في الساعات الأخيرة, اضطر لخوض مشاورات مغلقة ومكثفة لتفادي وجود فراغ في حال انتهاء تفويض اليوناميد بنهاية يوليو الماضي. وفاجأ الوفد الأمريكي باقي الأعضاء بأن لديه توجيهات تقضي بضرورة حذف أية إشارة للأفكار الأفريقية من مشروع القرار بعد أن توافق الأعضاء على صيغة بهذا الشأن.القرار الجديد الذي تم تبنيه بموافقة أربعة عشر عضواً وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت يتضمن فقرة في الديباجة تضع في اعتبار مجلس الأمن الدولي ما أثاره مجلس السلام والأمن الأفريقي من قلق بشأن التطورات المحتملة التي يمكن أن تنشأ جراء الطلب المقدم من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو في الرابع عشر من شهر يوليو الماضي. وإضافة إلى تمديد تفويض قوات اليوناميد, رحب القرار باعتزام الأمين العام للأمم المتحدة نشر 80% من العملية المختلطة في دارفور بنهاية العام الجاري كما حث الحكومة السودانية والدول الأخرى والجهات المانحة والأمانة العامة للأمم المتحدة وجميع الجهات المعنية, على بذل كل ما في وسعها لتيسير ذلك.سبق قرار مجلس الأمن 1828 بخصوص التمديد لقوات اليوناميد العديد من النقاشات والتفاعلات داخل المجلس وخارجه أسهمت بدرجة كبيرة في خروج القرار على هذا النحو, ويتجلى هذا الأمر بشكل واضح في مواقف القوى الدولية التى تم التعبير عنها عقب صدوره.
الموقف البريطاني
من المهم الإشارة إلى أن مشروع القرار كان في الأصل مبادرة بريطانية نجحت كل من جنوب أفريقيا عن كتلة الدول الأفريقية وليبيا عن كتلة الدول العربية داخل مجلس الأمن في إضافة فقرة تعبر عن القلق تجاه مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس البشير. وعقب التصويت رحب السفير جون سورز الممثل الدائم لبريطانيا لدى الأمم المتحدة بتبني القرار وعبر عن أسفه لعدم التمكن من التوصل لإجماع حوله لضيق الوقت, في إشارة غير مباشرة للموقف الأمريكي الذي تغير قبيل جلسة التصويت بقليل.
وأكد سورز أن المجلس برمته يدعم قوات اليوناميد وضرورة نجاحها مؤكداً على أن بلاده لن تقف عائقاً أمام بحث المجلس القضية وأضاف: “يجب بحث هذه القضية في وقت آخر”. وأكد سورز أن المجلس سيواصل بحث القضايا المتعلقة بالعدل وستكون الفقرة السادسة عشرة من ميثاق المحكمة الجنائية الدولية من بين القضايا التي سيناقشها المجلس.وقال سورز يتعين علينا بذل كل ما في وسعنا للتسريع في نشر العملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور . فهذا القرار يؤيد هدف الأمين العام المتمثل في نشر 80 % من القوة بحلول نهاية هذا العام، أي خلال فترة خمسة أشهر .ونعرف جميعا العقبات، غير أنه يتعين بذل المزيد للتغلب عليها.وشدد على مجلس الأمن ألا يدخر وسعا في دعم العملية السياسية . ورحب بتعيين السيد باسوليه كبيراً للوسطاء.
الموقف الأمريكي
أفادت التقارير الإخبارية أن الوفد الأمريكي تقدم بطلب قبيل انطلاق جلسة مجلس الأمن بقليل لتأجيل جلسة التصويت لساعتين بذريعة إجراء المزيد من المشاورات حول مشروع القرار المعدل. هذا وقد مثل الموقف الأمريكي مفاجأة كبيرة للوفود التى كانت تتوقع أن يتم التصويت على الصيغة التوافقية التى اعتبرتها كل الوفود مرضية, بما في ذلك الوفد الأمريكي. وقد أثار هذا الموقف المتردد حفيظة الوفود التى عبرت عن عدم رضائها إزاء ما يحدث. وفي خاتمة المطاف امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت الذى كانت تتعشم الوفود أن يكون بالإجماع. إن امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على مشروع القرار لم يمنع صدور القرار إلا انه ترك الكل غير متيقنين من ما ينطوي عليه هذا الامتناع. برر الخاندرو وولف نائب الممثل الأمريكي الدائم لدى الأمم المتحدة موقف بلاده مدعياً أنها بلاده تدعم بقوة تحقيق العدالة في دارفور. يأتي هذا الحديث والجميع يعلم أن الولايات المتحدة نفسها لم تنضم إلى نظام الجنائية الدولية, بل وأنها ترهن موافقتها للمشاركة في عمليات مجلس الأمن بعدم تعرض عناصرها المشاركة لأي ملاحقات قضائية في تجسيد لقمة التناقض, إذ كيف يمكن للولايات المتحدة أن تطالب غيرها الالتزام بولاية المحكمة وهي في ذات الوقت تسفهها.
وفي جانب آخر قال وولف إن الهجمات على أفراد اليوناميد غير مقبولة ولن يتم التسامح معها. دون أن يستند إلى وقائع بعينها ومتجاهلاً في الوقت نفسه الهجمات التى شنتها الحركات ضد هذه القوات والأرواح التى أزهقت وكذلك الآليات التى يستولي عليها المتمردون من المنظمات المتواجدة في دارفور وتقوم الحكومة باستردادها وتسليمها لها.
الموقف الروسي
من جهته ثمن مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين عمل القوات “الهجين” التابعة للاتحاد الأفريقي ومنظمة الأمم المتحدة والعاملة في دارفور وقال “نظرا لدور هذه القوات فان روسيا تصر على تمديد تفويض البعثة الأممية في الوقت المناسب”.
كما أكد تشوركين قلق بلاده من تطور الأحداث بخصوص قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوجيه اتهام إلى الرئيس السوداني بشأن الإبادة الجماعية في دارفور. ومن المهم الإشارة إلى أن روسيا خلال المناقشات التى سبقت صدور القرار, آزرت بثقلها داخل مجلس الأمن أطروحات الدول الأفريقية والعربية إلى أن تم تثبيت قلق هذه الدول في متن القرار.
الموقف الصيني
السفير وانغ غوانغيا ممثل الصين الدائم لدى الأمم المتحدة قال “إن توجيه اتهامات للرئيس السوداني، سيؤدي إلى عرقلة عملية تسوية قضية دارفور والى إبطال فاعلية جميع الجهود التي بذلت حتى الآن من قبل جميع الأطراف التي شاركت في إيجاد تسوية ملائمة للقضية”.
ويجدر بالذكر أن روسيا والصين لعبتا دوراً هاماً خلال مناقشات المجلس المطولة لدعم مقترحات جنوب أفريقيا وليبيا في مجلس الأمن مما أسهم في التوصل إلى صيغة توافقية ترضي جميع الأطراف رغم تضامن بريطانيا وفرنسا مع الموقف الأمريكي في المراحل الأولى من المناقشات.
وقال السفير الصيني إن السودان بلد شاسع في مساحة أراضيه، وله جيران كثيرون وله قضايا تاريخية واقتصادية واجتماعية معقدة. وقد عانى هذا البلد حروبا ونزاعات استمرت لفترات طويلة. ذاكراً أن في السنوات الأخيرة وبفضل الجهود المكثفة لحكومة السودان وجميع القوى السياسية في البلاد، وبمساعدة سخية من المجتمع الدولي استطاع أن يحقق تقدما ملحوظا في عملية السلام. والإشارة هنا إلى توقيع اتفاق السلام الشامل الذي أنهى عقوداً من الحرب بين الشمال والجنوب واعتبر هذا الأمر شاهداً دالاً على أن السودان يسلك المسار السليم نحو السلام والتنمية.
موقف بوركينا فاسو
أبدى السفير ميشيل كافاندو ممثل بوركينافاسو في مجلس الأمن الدولي قلق بلاده إزاء مذكرة الجنايات الدولية مشدداً على النشر المتوقع للقوة المشتركة، وأضاف أنه عندما ننظر إلى الجهود الحالية للسلطات السودانية وكون كبير الوسطاء المشترك بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لدارفور سوف يتولى مهام منصبه قريبا، يبدو واضحا أن المجتمع الدولي لم يكن أقرب من هذا إلى حل سياسي للأزمة. ودعا إلى منح تلك العملية كل فرصة للنجاح, والإشارة هنا إلى الادعاء بحق البشير قائلاً إذا أردنا أن نضع نهاية لأزمة دارفور، فمن الضروري للغاية أن يعود مجلس الأمن إلى تناول هذه المسألة في تاريخ لاحق، وفقاً للفقرة التاسعة من ديباجة القرار .1828ومن المهم الإشارة إلى المبعوث المشترك للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة جبريل باسولي الذي تم تعينه مؤخراً كان وزيراً لخارجية بوركينا فاسو.
الموقف الليبي
تحدث السفير عطيه عمر امبارك نائب الممثل الدائم لليبيا لدى الأمم المتحدة بعد صدور القرار وقال إنه رغم أنه لم تتم الاستجابة لكافة المقترحات الأفريقية والعربية, إلا أن بلاده في حرصها على التمديد لقوات اليوناميد قبل انتهاء التفويض الممنوح لها صوتت لصالح القرار وأضاف: “لقد قبلنا بصيغة توفيقية تضمنتها الفقرة التاسعة من الديباجة تفسح المجال لمزيد من نظر المجلس في هذه المسألة المتصلة بتفعيل المادة السادسة عشرة من نظام المحكمة الجنائية الدولية الأساسي فيما يتعلق بالحالة في دارفور على أمل أن يتم ذلك في أسرع وقت, لأن الهدف هو أمن واستقرار السودان والمنطقة بل وسلامة البعثة المشتركة وضمان نجاحها.”
وشدد امبارك على أن التضحية بمقترحات الجانبين العربي والأفريقي الأصلية لم تذهب سدى لأنه تم حشد تأييد أربعة عشر عضوا للقرار الذي تم تبنيه وقال: “إنني أتساءل سيدي الرئيس إذا لم يستخدم مجلس الأمن المادة السادسة عشرة من ميثاق المحكمة الجنائية الدولية بناء على طلب أكثر من ثلثي المجتمع الدولي فمتى يمكن لهذا المجلس أن يستخدمها”.
الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ومجموعة عدم الانحياز
أكد مجلس السلم والأمن الإفريقي في اجتماعه الطارئ بأديس أبابا الذي انعقد لمناقشة مذكرة اوكامبو, تضامنه التام مع الرئيس البشير في مواجهة إدعاء المحكمة الجنائية الدولية بتوقيفه بمزاعم ارتكاب جرائم حرب.
وأفادت مصادر مطلعة شاركت في الاجتماع بأن الجهود التي يبذلها الاتحاد الأفريقي لن تجدي دون تنسيق الجهود الإقليمية والدولية لمساندة البشير في مواجهة مزاعم المحكمة الجنائية الدولية.
هذا وقد أكد وزراء الخارجية العرب في ختام أعمال دورتهم غير العادية المخصصة لبحث المستجدات والتداعيات الأخيرة في ضوء الاتهام الذي وجهه المدعي العام للمحكمة الجنائية, وبعد مداولات استمرت نحو سبع ساعات أكد الاجتماع في قرار رسمي على دعم السودان ووحدته والتأكيد على احترام سيادة السودان ووحدة أراضيه واستقلاله. وطالبت الجامعة جميع الدول تأكيد هذا الالتزام عملياً ودعم المساعي الرامية إلى تحقيق السلام والوفاق الوطني بين أبنائه.
وجدد القرار التضامن مع السودان في مواجهة أية مخططات تستهدف النيل من سيادته ووحدته واستقراره وانتقد ما اعتبره موقفاً غير متوازن للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أوكامبو الذي اتهم الرئيس البشير بالإبادة الجماعية. وشدد القرار على أهلية القضاء السوداني مؤكداً أنه صاحب الولاية الأصيلة في إحقاق العدالة، ودعا إلى استكمال المحاكمات التي جرت بالسودان في جرائم دارفور وتحقيق العدالة الناجزة بمتابعة من جانب الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي.
وأعلن الوزراء في قرارهم رفض أي محاولات لتسييس مبادئ العدالة الدولية واستخدامها في الانتقاص من سيادة الدول ووحدتها وأمنها واستقرارها ورموزها الوطنية. وطالبت الجامعة مجلس الأمن الدولي توخي الحذر الشديد في التعامل مع الأوضاع في السودان خلال المرحلة المقبلة وعدم إتاحة الفرصة لأي طرف أو عمل أي إجراء يؤدي إلى تقويض جهود التسوية السياسية الجارية لأزمة دارفور أو خلق مناخ عدم استقرار يهدد مستقبل جهود حفظ السلام في دارفور أو في جنوب البلاد.
وأبدت كذلك مجموعة عدم الانحياز التى تضم في عضويتها نحو 118 دولة نامية قلقها المتزايد إزاء ادعاء المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس البشير معتبرة إن هذه الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في السودان بدرجة أكبر. وأكدت حركة عدم الانحياز إنها ستدعم بقوة أية خطوات في الأمم المتحدة وغيرها لحل هذا الوضع في بيان صادر عن الحركة بعد اجتماع وزاري انعقد في العاصمة الإيرانية طهران.
وقال وزراء مجموعة عدم الانحياز إن خطوة المحكمة ضد الرئيس السوداني تقوض بدرجة كبيرة الجهود الرامية إلى حل الصراع الدائر في دارفور وتؤثر سلباً على عملية السلام في جنوب البلاد وتعيق المصالحة الوطنية في السودان.” وأضاف البيان أن هذا العمل “قد يؤدي إلى اضطرابات اكبر تكون لها تداعيات أوسع نطاقا على البلاد والمنطقة.”
smc[/ALIGN]