تحقيقات وتقارير

ختان الإناث .. النزف مازال مستمراً

** على مر السنوات ظل ختان الإناث مثار جدل كثيف بين قوتين معارضة وأخرى مؤىدة، فالداعون لمحاربته تصطدم دعواهم بجبل من الجليد وذلك عندما يدخل الأمر منظومة «العادة» لتلك المجتمعات الإنسانية.
فختان الإناث بين ما أثبته العلم من «ضرر» واختلاف الفتاوى والبحث عن قانون خلق تقاطعات اخرى تضاف الى سابقاتها.. رغم نزف الضحايا المستمر الذي كشفت عنه عطلات الصيف.. فسالت دماء الطفولة البريئة لطخت مسرح العرض لختان الإناث.
** [الرأي العام] وقفت على المشهد وعكست ما يدور من ضحايا وجدل.. فإلى التحقيق:

نزف الضحايا
عمرها «7» سنوات كانت سعيدة بانتهاء العام الدراسي لأن وعد والدتها سيكون في انتظارها مع بداية العطلة الصيفية إنها الصغيرة «س» فقد كان لوعد لها هو ختانها مع بنات خالها.. ظلت الصغيرة تنتظر ذلك اليوم بشيء من الفرح لأنها ستلبس فيه فستاناً جديداً وأخبرت قريباتها في «الحي» بأمر ختانها وما أحضرته لها والدتها من حُلى وملابس.
جاء اليوم الموعود وامتلأ المنزل بالمدعوين احتفاء «بالختان» وتعالت أصوات الزغاريد وإىقاع الدلوكة.
جلست «س» بجوار جدتها وهي تنتظر دورها داخل تلك الغرفة المغلقة وما أن سمعت صراخ بنت خالها من داخل الغرفة حتى صارت ترتعد من الخوف فغابت ملامح الفرح من وجهها.. والعيون الضاحكة ترقرقت بالدمع.. ضمت الجدة حفيدتها الى حضنها لعل روعها يهدأ.. وقبل ان تجف دموعها أتت تلك المرأة وأخذت الصغيرة من حضن «الحبوبة» وأدخلتها غرفة العمليات «الغرفة المغلقة».. كانت تصرخ حد انقطاع النفس و«الداية» تواصل عملية الختان للصغيرة.. دقائق معدودات وانتهى كل شيء.. مددت «س» على فراشها وهي «تنتخج» من شدة البكاء.. جلست «الحبوبة» الى جوارها فإذا بنظرها يقع على بقعة الدم الكبيرة على الفراش وتفحصت الأمر فوجدت أن حفيدتها تنزف بغزارة.. اتصل أهل الفتاة «بالداية» فطلبت منهم استخدام الثلج ولكن لم يجد الأمر نفعاً واستمر النزف.. هنا تدخل خال الطفلة وأخذها على جناح السرعة الى أقرب وحدة صحية وما أن نظرها الطبيب حتى حولها الى مستشفى المدينة وهناك تبين ان شريانها قد انقطع ونقل لها دم وأكد الطبيب أن أعضاءها التناسلية شوهت.
خرجت «س» من المستشفى وفي ذاكرتها تفاصيل المشهد الذي سيكون حاضراً في مستقبلها.
«س» لم تكن الضحية الوحيدة لختان الإناث خلال هذا العام ولكن من الذي يكسر حاجز الصمت ويكشف عن أرقام الضحايا ويتحدث بكل شفافية.
أصحاب الوجعة
وضعنا على طاولة المجلس الأعلى لرعاية الطفولة المهموم بتلك القضية «مثار الجدل» وضعنا الاستفهام آنف الذكر فتحدثت الينا الاستاذة أميرة أزهري فضل الله منسق البرنامج القومي للقضاء على ختان الإناث، وبنبرة لا تخلو من ألم تحدثت عن المعاناة في موسم العطلات «لأن معظم الأسر تتأهب لإجراء عمليات الختان وفي الغالب جماعية لعدد من الفتيات تربطهن صلة قرابة»، وما يؤرق أميرة هو أن عملية الختان تجرى بواسطة قابلات من خارج دائرة المستشفيات، وبالتالي تنقصهن الخبرة الكافية وكانت النتيجة هي في الاسبوع الواحد تأتي اكثر من حالتين لطفلات شوهت أعضاؤهن التناسلية، لذا ترى أميرة ضرورة فتح البلاغات في نيابة حماية الأسرة والطفل، وليس في الشرطة العامة بحكم التخصص والتدريب العالي لدى تلك الجهة وتقر أميرة أن هنالك معضلة في القانون هي أنه لا توجد مادة في قانون العقوبات تجرم الممارسين لتلك العادة، وذلك بعد حذف المادة «13» من قانون الطفل في العام 2010م التي كانت تجرم كل أنواع الختان ولكن صدور فتوى بأن هنالك ختان سنة «مشروع» كان سبباً في حذف المادة «13» فلم يتبق خيار «لأصحاب الوجعة» المجلس الأعلى لرعاية الطفولة سوى المطالبة بإعادة النظر في الفتوى.
الصحة وسياسة التعتيم
بما أن ما يدور من حديث عن ضحايا الختان تشهد له مرافق الصحة «المستشفيات» إلا أن عقبة التعيتم تعترض كشف المستور لأرقام الإصابات، خاصة أن الأطباء يمتنعون عن الإفصاح «طاعة لوزارة الصحة» ولكن ما أن تكررت الحوادث مرتين في الاسبوع على الأقل حتى علمنا من أحد الأطباء الذي تحدث بصورة مقتضبة وبدون ذكر اسمه أن هنالك ظاهرة جديدة وهي ختان جماعي للإناث وأن هناك بعض الحالات الحرجة التي تصل للمستشفيات وتم اسعافها مع أن الأمر لا يخلو من تأثيرات على المدى البعيد يتمثل في الآثار النفسية والمشاكل الجنسية وأورام في المنطقة التناسلية وأن الحالات التي وصلت كانت بها أزالة كاملة للأعضاء التناسلية.
جدل فقهي
بما أن القانون الذي يجرم الممارسين لختان الإناث حذفت منه المادة بسبب الفتوى التي أجازت نوعاً من الختان وادى الى إنقلاب طاولة المحاربين لتلك العادة كان لابد من لقاء أهل الشأن والوقوف على فتواهم.
الدكتور عبدالرحمن حسن حامد -رئيس دائرة الفتوى بهيئة علماء السودان بيّن ان المذاهب الأربعة التي تستقى منها القوانين الشرعية أجمعت على مشروعية ختان الإناث ثم اختلفوا في أنه هل هو واجب أم مكرمة أم سنة؟ إذن الإتفاق على الحد الأدنى من المشروعية موجود فهذا إجماع ولم يبلغنا عن أحد السلف أو العلماء المعتمدين انه أنكر هذا الأمر.. عليه فيكون مستنده الإجماع والحديث الصحيح في تسمية «عضو» المرأة بالختان في قوله «صلى الله عليه وسلم» «ومس الختان الختان». إقرار من الرسول «صلى الله عليه وسلم» بوجود ختان للإناث وأن ينكر أحد المنتسبين للفقه في زماننا هذا فهذا إنكار لأمر مجمع عليه وتضعيف الحديث لا يؤثر في الحكم على ذلك أننا نقول إن ختان السنة مشروع ولن نسمح بمحاربته ولو كان مندوباً أقل من الواجب لأن من ترك شيئاً من الشرع أحوجه الله اليه فكيف لنا ترك السنة لدعاوى مغرضة؟
لم يكتف دكتور عبدالرحمن بالوقوف في فتواه على ختان السنة الذي أقر بوجوده بل عرج متحدثاً عن مخاطر ختان من نوع آخر أي الذي يسمى بـ«الفرعوني» فأكد حرمته ووصفه بأنه اعتداء وتعدي يجب أن يُمنع ويُقمع.. ثم حمل عبدالرحمن الجهات الرسمية منع القابلات من ممارسة أي نوع من الختان لعدم انضباطهن بذلك «كما يجب إنشاء مراكز متخصصة لإجراء هذا الختان على أيدي طبيبات ماهرات وخبيرات لأن ما يمارس حالياً من ختان هو خطأ ويجب ان يُحارب».
الاتجاه المعاكس
من حديث دكتور عبدالرحمن وفتواه الى حديث محمد هاشم الحكيم رجل الدين والفقه المعروف الذي افتى في إتجاه آخر فكان حديثه هو أن السنة طريق النبي «صلى الله عليه وسلم» قوله أو فعله أو تقريره والأحكام إنما تُستنبط من الأدلة الشرعية الكتاب والسنة الصحيحة ولا يؤخذ بالأحاديث الضعيفة في الأحكام ويعمل بالإجتهاد أو القياس متى ما تحقق وأقوال العلماء ليست دليلاً في حد ذاتها بل هي فهمهم الخاص للأدلة وبالتالي فإن ختان الإناث قضية خلافية اختلف العلماء فيها بين الوجوب عند الشافعية الى المكرمة عند المالكية بل وحتى المنع والتحريم عند بعض العلماء كالشيخ القرضاوي رئىس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
وقال الحكيم لا يوجد في القرآن دليل يأمر بختان الإناث و«ملة» إبراهيم هي الذكور والأحاديث الواردة فيه بين الضعيفة أو الموضوعة أو بعيدة الاستدلال.. وأضاف: كنت قد سألت نفسي وأنا أب لتسع بنات هل اختنهن أم لا؟ هذا الاستفهام قاد مولانا هاشم للبحث عن إجابته في سيرة النبي «صلى الله عليه وسلم» فلم يثبت له بأن النبي «صلى الله عليه وسلم» قد ختن بناته وقال فاخترت لهن ما اختار النبي «صلى الله عليه وسلم».
براءة العفة
ويستمر مولانا في فتواه بتبرئة العفة من اقترانها بالختان بنفيه لذلك الأمر واعتبره باطلاً معللاً ذلك بأن العفة تعود للتربية فكم من مختونة حملت «سفاحاً» وهذا هو العالم الإسلامي لا يمارس ختان الإناث إلا في مصر والسودان ودول القرن الافريقي وهو عادة منشأها فرعون الذي قال عنه تعالى: «وما أمر فرعون بأكيد» وقد افتى القرضاوي بأن الختان للإناث هو عادة وليست عبادة وبالتالي الحكم فيه للأطباء لا للعلماء.. فإذا ثبت بأن فيه مصلحة طبية فكان وإذا تأكد الضرر فيه فحرمناه.
وطالب الحكيم العلماء في المجامع الفقهية الاسلامية ان ينظروا للواقع نظرة فاحصة لظهور مستجدات من أمراض تنتقل بالجراحة وبالتالي فإن منع المباحات جائز سداً للذرائع وهذا ما نرجوه أن ترجع فتوى معظم العلماء.
إيقاف نزف الدم
وبما أن القضية تخص المرأة وتتعلق بالمستقبل فإن هناك أصواتاً لم تمل من المناداة عبر المنابر بوقفه فكان لصوت المرأة صاحبة القضية بصمة واضحة في رسم السياسات الرامية لمحاربة تلك العادة.
الاستاذة ناهد جبرالله ناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل لم تذهب بعيداً مما ذهبت اليه اميرة الفاضل فكان حديثها متفقاً في ضرورة إىقاف نزف الدم لختان الإناث وذلك بعد ثبوت المخاطر طبياً، الى جانب البيان الصادر من المجلس الوطني. وبنظرة اجتماعية فاحصة شخصت ناهد المتغيرات في المجتمع السوداني في زيادة الوعي الذي بينته الإحصائية التي رصدت نسبة الممارسين لتلك العادة من «90%» حسب مسح الأمومة الآمنة للعام 1999م الى «69.4%» حسب المسح السوداني الصحي للأسرة للعام 2006م وهذا مؤشر بأن هنالك انخفاضاً.
ولكن هنالك مؤشراً آخر ومهماً هو إمكانية حدوث التغيير الاجتماعي مع اتساع المشاركة الواسعة للمجتمع مع قطاعات مختلفة في برامج محاربة الختان وانتشار حملات التخلي.
وتضيف ناهد بأن المفقود في هذه القضية هو الالتزام الحكومي والسياسي حيث ان الموقف الرسمي يكتنفه الغموض والتناقض.. فبينما تحارب وزارة الصحة والمجلس الطبي وجهات رسمية اخرى ختان الإناث نجد ان جهات مثل المجمع الفقهي يصدر فتوى إجازة ما أسموه بختان السنة وعلى ضوئه أوقف مجلس الوزراء المادة التي تمنع وتجرم.. لذا أقول إن فتح الباب لأي نوع من أنواع الختان يفتح الباب لكل أنواع الختان وأن الواجب ونحن نستقبل العطلة الصيفية الوقوف على هذه القضية لأنه أمر مطلوب حتى لا تتحول العطلة الى مجزرة تجزر فيها بناتنا.. فهذا نداء لكل الأسر.. أوقفوا ختان الإناث.
?? أخيراً ??
جدل فقهي وقانون غير مجاز وأصوات لم تكف عن النداء لمحاربة الختان رغم ان الوقت يمضي ونزف الضحايا مستمر، فإن الأمر يحتاج لإعادة نظر لوضح خارطة للمحاربة، هذا بعد الخروج من نفق الجدل الفقهي.
تحقيق: سلمى سلامة
الراي العام

‫2 تعليقات

  1. بنظرة مبسطة للغاية وبعيدا عن الشد والجذب في هذه القضية التي شغلت الكثير من الاوساط
    لما لا ننظر لهذا الأمر من جانب وجود الضرر الثابت على الفتاة المختونة ابتداءا من لحظة ختانها ومعاناتها لتلك الآلام المبرحة مرورا بما قد يحدث لها من تشوهات تناسلية والاضطرابات النفسية التي قد تشغل تفكيرها فيما يتعلق بمستقبلها لحظة زواجها ومدى رغبتها الجنسية, ثم فوق كل ذلك لايفوتنا ادراك خطر الوفاة لها حال نزيفها الشديد لحظة ختانها.
    كل تلك الاضرار هي جلى للبصير ايا كان وقدر امرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه: بأن لاضرر ولاضرار.
    اشيد بكل اب وام تمنوا ان ينجبوا ويرسموا البسمة على شفاه ابنائهم بإن لا يتسببوا في كونهم سببا لتعاستهم ومن لم يصدق فليذهب وليرى في دور القابلات (الدايات) وحتى المستشفيات تلك المأسي هذا والله من وراء القصد؟

  2. [SIZE=6]كنت قد سألت نفسي وأنا أب لتسع بنات هل اختنهن أم لا؟ هذا الاستفهام قاد مولانا هاشم للبحث عن إجابته في سيرة النبي «صلى الله عليه وسلم» فلم يثبت له بأن النبي «صلى الله عليه وسلم» قد ختن بناته وقال فاخترت لهن ما اختار النبي «صلى الله عليه وسلم».

    [COLOR=#FF004D]العفة تعود للتربية فكم من مختونة حملت «سفاحاً» وهذا هو العالم الإسلامي لا يمارس ختان الإناث إلا في مصر والسودان ودول القرن الافريقي [/SIZE][/COLOR]