قير تور

واحد منهم

[ALIGN=CENTER]واحد منهم[/ALIGN] يقال بأن الحجاج بن يوسف وهو والٍ على العراق، أراد معرفة رأي بعض الأعراب عن شخصه مسؤول عن رعية. وقام الحجاج بجولة غير معلنة في إحدى الليالي سائراً بدون حراس أو مرافقين، وقد لبس ملابسَ عادية غير ملفتة للنظر، وعندما التقى بأحدهم القى عليه التحية وتبادل معه الحديث الذي كان الغرض منه جر الرجل إلى فخ الإفصاح عن رأيه في الحاكم. وقيل حسب الرواية بأن الاعرابي وهو يحاور محدثه لم يتردد في اجوبته فقد كانت تبدو جاهزة في لسانه فالسائل أراد معرفة من هو الوالي فذكر له إسمه: “الحجاج”.. فسأله عن هذا الوالي وكيفية معاملته للناس، فطفح الاعرابي يتحدث بعيوب ونواقص كثيرة للوالي حتى أنه تمنى له لعنة الله عليه لأنه مكروه بسبب ظلمه. وبعد ذلك سأل السائل محدثه: “هل تعرف من أنا الذي يتحدث إليك ويستمع لك يا هذا؟”. رد الأخير دون: “لا أعرف. من أنت؟”. رد: “أنا الحجاج بن يوسف!!”. فواصل الاعرابي حديثه وكأن شيئاً لم يكن قائلاً: “وهل تعلم من أنا يا الحجاج بن يوسف؟”. قال: “من أنت؟”. قال: “أنا رجل مجنون يعرفني كل الأعراب في البادية والحضر، وأي شيء في بالي اقوله”. عندها ضحك الحجاج وقهقه حتى كاد يقع وقفته مع الرجل، وخلى سبيل ذلك فقد اختلطت الطرفة بالجد في موقف جدي حقيقي.!!.
أمثال هذه المواقف الطريفة كثيرة ليست فقط في الزمان البعيد بل حتى في زماننا هذا، وحسب تقديري ففي الوقت الراهن نماذج أسوأ مما تطرقت إليه القصص القديمة فعلى الأقل فالرجل عندما عرفه الحجاج بن يوسف بنفسه قام بدوره بإيجاد العذر المناسب إلى الذي ذكره فهو يعلم جيداً عقوبة الحجاج لمخالفيه، ثم أنه وجد نفسه فجأة الطرف الأضعف من جميع النواحي المادية الدنيوية.
وليست بالضرورة أن تكون النماذج المقصودة بالاشارة لها هنا الحديث عن السلاطين والمحكومين، لكن المقصود عندي هو عندما يتحدث رجل عن رجل آخر في غيابه أو عندما يتحدث رجل عن رجل آخر لا يعرفه إنما سمع عنه فقط من آخرين قد يكون سبب ما ينقلوه له من ذم وسباب ولعان لعداوة مدفونة في قلوبهم تجعلهم يدفنون محاسنه ويتعمدون إظهار السيء، وفي بعض المرات يختلقون له الصفات الذميمة، فيقع المتحدث في وزر كبير. أما الذي يتحدث عن رجل آخر بغير الجيد وله معرفة به فأنا اعده أخف قدراً من السوء قياساً بالآخر الذي لا يعرف من يتحدث عنه، ولا أقصد بأن وزره أخف لكني أقصد بأن تصنيف مثل هذا سهل فقد يكون منافقاً أو جباناً أو الإثنين معاً، ولذا فهو لا يستطيع الجهر بما يقول في غياب المقصود. ويقابل هذا النموذج الحديث المادح المنمق والسلس عن شخص في حضوره وغيابه بدون أسباب داعية إلى ذلك، والأسوأ من هذا…. الشخص الذي لا يمكنه التفوه بخطأ إرتكبته لكنه يشيد بك على الدوام بأنك أميز ممن أنجبتهم النساء حتى إن كنت غائباً عن مجلس حديثه.!!.

لويل كودو – السوداني
21أبريل 2010م
grtrong@hotmail.com