د. نافع: أتوقع حل مشكلة أبيي بتقسيم إداري
وفيما توقع أن تحل مشكلة أبيي من خلال إقتراح تقسيم إداري بضم جُزء من أبيي إلى الجنوب وجُزء آخر إلى الشمال، أطلق تحذيراً قوياً لحكومة الجنوب بقوله: «لن نعترف بدولة الجنوب (في التاسع من الشهر المقبل) إذا أصرّ الجنوب على أن أبيي جنوبية أو جعلها جزءاً منه أو تحدث عنها في الدستور».
وتوقع توقيع «حركة التحرير والعدالة» مع الحكومة السودانية اتفاق سلام في الدوحة في شأن قضية دارفور، وقال إنّ «حركة العدل والمساواة» المتمردة في دارفور لن توقع اليوم ولا غداً ولا بعد غدٍ على اتفاق سلام مرتقب في الدوحة، وعزا ذلك الى أن الحركة تسعى لإطاحة النظام.
وأكد أن حواراً عميقاً يجرى حالياً مع القوى السياسية الرئيسية مثل حزبي الأمة القومي والاتحادي الديموقراطي «الأصل» في شأن إعداد دستور جديد بعد انفصال الجنوب، ودعا السودانيين إلى «التعالي عن الحزبية والأهداف الخاصة» في شأن إعداد الدستور الجديد، وهنا نص المقابلة:
– أولاً، أود أن أؤكد إلتزام حكومة السودان بروتوكولَ أبيي (بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان)، كما أؤكد إلتزام حكومة السودان كلَّ الاتفاقات التي تمت حول أبيي.
تدخل الجيش السوداني في أبيي بالصورة التي تمّت إقتضته محاولات الحركة (الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تحكم الجنوب) فرض حل آحادي واحتلال أبيي، وعلى رغم أن الجيش الشعبي (التابع للحركة الشعبية لتحرير السودان) تحرك بأكثر من (2500) عسكري وشرطة شعبية واعتدوا على بعثة (يونميد) والقوات المشتركة أكثر من مرة، كما اعتدوا على المواطنين وأرادوا أن يفرغوا أبيي من كل الآخرين إلاّ من مؤيديهم، كان واجب القوات المسلحة أن تدخل (أبيي) لترفض وتمنع هذا الحل الآحادي (من الحركة الشعبية)، ولتعيد للمواطنين طمأنينتهم وتساوي بينهم.
رأيي اننا مع بروتوكول أبيي، ووجود القوات المسلحة هناك لن يعوق تطبيق البروتوكول، وأنا واثق تماماً من أن المواطنين وبصفة خاصةً الدينكا سيشعرون بأن وجود الجيش السوداني هو ضمان لأمن المواطن أكثر من وجود الحركة الشعبية الانتقائية.
وعلى كل، لن تنسحب القوات المسلحة أصلاً إلا بعد الطمأنينة الكاملة الى عدم عودة الحركة الشعبية الى أبيي بأية صورة من الصور.
* هل تعتقد أن مشكلة أبيي ستؤثر في اعترافكم بالدولة الوليدة التي ستُعلن رسمياً في جنوب السودان في التاسع من (يوليو) المقبل؟ – إذا ظل التعامل مع أبيي وفق البروتوكول (بروتوكول أبيي) وهو أن أبيي شمال السودان وشمال خط «56م» وتُدار إدارة مشتركة وينظر في أمرها، فلن يؤثر ذلك في الإعتراف، أما إذا أصر الجنوب على أن أبيي جنوبية أو تحدث عن ذلك في دستوره أو جعلها جزءاً من الجنوب الذي يُراد له أن يعلن انفصاله فإن الحكومة لن تعترف (بدولة الجنوب). * هذا يعني أن مشكلة جديدة مقبلة؟ – أرجو ألاّ تتسبب الحركة الشعبية في هذه المشكلة، ولكن إذا أرادت أن تخلق لنفسها مشاكل وتدعي أنها من صنع الآخرين فلا سبيل لتجاوزها.
* انفصال الجنوب الذي سيُعلن رسمياً في التاسع من الشهر المقبل صار واقعاً الآن، كيف تنظرون إلى مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب؟ – في الحقيقة سعينا الجاد لتحقيق وحدة السودان وبذل كل مجهود ربما يراه البعض تجاوزاً كبيراً، كان من أجل وحدة السودان، حرصنا على وحدة السودان بذلك المعنى يجعلنا كذلك حريصين جداً على علاقة ممتازة وعلاقة تعاون وتكامل إقتصادي وسياسي مع الجنوب.
هذا ما نعمل له لكننا، لسوء الحظ، نرى أن «الحركة الشعبية» (في الجنوب) لا تأبه كثيراً لمصالح الجنوب نفسه، فَضْلاً عن العلاقة بين الجانبين، ونأمل في أن يقود الجناح الراشد والسياسة الراشدة والمقدرة لمصلحة الجنوب الى تطبيع العلاقة مع الشمال، بل إلى تطويرها لتعاون ونحن مع ذلك. * هناك قضية أخرى تكمن في طلبكم من القوات الدولية الإنسحاب من السودان قبل التاسع من يوليو المقبل (موعد إعلان دولة الجنوب)، لكنْ، هناك مَسَاعٍ من الجنوبيين في شأن طلب زيادة عدد القوات الدولية.. ما رأيك؟ – القوات الدولية (يونميس) وفق إتفاقية السلام (بين الشمال والجنوب) تنتهي فترة تفويضها في التاسع من يوليو المقبل، نحن لا نرى مبرراً واحداً لتمديدها، ولن يمدد لها في شمال السودان.
أما إذا كانت تود أن تكون بعثة أممية جديدة في الجنوب كدولة فهذا ليس شأننا، لكن لن تكون هناك قوات دولية في الشمال. * ولا حتى في دارفور؟ – في دارفور البعثة مختلفة، هي ليست أممية فقط، بل مشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، هذه البعثة ليس لها أجل لتنتهي.
* كلامك عن دارفور يقودنا إلى السؤال عن أزمة الإقليم التي شهدت مفاوضات طويلة جداً إستمرت نحو عامين ونصف العام في قطر، فكيف تنظرون إلى مُستقبل الحل لهذه القضية في ضوء عقد «مؤتمر أصحاب المصلحة» في الدوحة، وهل تَرَى إمكاناً لتوقيع إتفاق سلام قريباً بين الحكومة السودانية والحركات الدارفورية، خصوصاً حركة التحرير والعدالة؟ – نحن نعتقد ذلك، وفي الحقيقة لا أعتقد ان هناك إمكانية (فحسب) بل ليس هناك من سبيل لتحقيق السلام في دارفور إلا بالاتفاق على هذه الوثيقة وتوقيعها (وثيقة الدوحة لسلام دارفور التي أقرت قبل أيام في مؤتمر دارفوري)، وجعلها مفتوحة للآخرين ليلتحقوا بها.
وأية محاولة لتجاوز هذه الوثيقة، وهذا الجهد الضخم (في منبر الدوحة التفاوضي)، الذي بذلته وساطة موثوق بها واستنفدت كل أسباب الإجماع، أو أية محاولة لنسف هذا الجهد هي محاولة لنسف السلام في دارفور.
* وهل تتوقعون أن توقع الحكومة السودانية اتفاق سلام مع حركة التحرير والعدالة بمعزل عن حركة العدل والمساواة؟ – نتوقّع أن توافق حركة التحرير والعدالة على هذه الوثيقة (مشروع إتفاق سلام)، وهي جزء أصيل منها، وقد جرى معها حوار طويل في هذا الشأن، وحركة العدل والمساواة جزء من الحوار حول الوثيقة، ولكن، نتوقع أن توقع حركة التحرير والعدالة (على اتفاق سلام مع الحكومة السودانية).
وواثقون جداً بأن حركة العدل والمساواة لن توقع اليوم ولا غداً ولا بعد غد، وهي غير راغبة في وثيقة لحل قضية دارفور، بل راغبة بأن تكون قضية دارفور جزءاً من وسائلها للإنضمام إلى القوى التي تسعى لإطاحة النظام.
* لكنهم يعتقدون أن الحكومة السودانية لا تتمتع بصدقية في تنفيذ أي إتفاق توقعه، ويشيرون الى إتفاقات سابقة مع الجنوبيين مثلاً أو في شرق السودان.. ما رأيك؟
– ما هي الصدقية المطلوبة في توقيعنا مع الجنوبيين وقد قادت الى انفصال الجنوب، وفي شرق السودان لم يقل أحد (شيئاً عن عدم الصدقية)، الإتفاقية موجودة والأمور (ماشة) في شرق السودان، وليس لهم (لحركة العدل) أن يحكموا (بالإنابة) عن الآخرين أو أن يكونوا وكلاء عن شرق السودان ليقولوا ليست هناك صدقية.
* وهل لديكم إتصالات مع عبد الواحد نور رئيس حركة تحرير السودان وكذلك مع حركات دارفورية أخرى؟ – لن نقطع جسور التواصل مع شخص، لكن هذه هي الوثيقة النهائية (وثيقة الدوحة)، وستكون هناك فترة معينة يتفق عليها بين الطرفين (أي الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة) في شأن إنضمام تلك الحركات (لإتفاق سلام مرتقب قريباً)، وبعد تلك الفترة لن يكون هناك حوارٌ. * هناك مخاوفٌ في أوساط الحكومة في الخرطوم من إنتقال حركات دارفورية مسلحة الى جنوب السودان بعد الإنفصال، هل لديكم معلومات وهل بعثتم برسائل إلى حكومة الجنوب في هذا الشأن؟ – نعم.. الجنوب تبنى في فترة من الفترات حركة مني أركو مناوي، كما تبنى الجنوب حركة عبد الواحد نور (وهو الزعيم التاريخي لحركة تحرير السودان)، وحتى حركة خليل إبراهيم (رئيس حركة العدل والمساواة) تبنّاها الجنوب بالواضح والمكشوف وليس من خلف ستار، ودخلوا إلى الجنوب كسياسيين موجودين في جوبا، وأدخلوا قوات موجودة في أماكن محددة في الجنوب، في بحر الغزال وغيرها، ونحن أعطينا هذه المعلومات لرئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت، هم (المسؤولون في حكومة الجنوب) يعلمون ذلك.
أود أن أقول: نحن نطمع بأن تقدر حكومة الجنوب أن مصلحتها في العلاقة مع حكومة الشمال وليس بدعم التمرد (الدارفوري). حكومة الجنوب ليست في موقف يسمح لها في أن تسعى لتغيير الأنظمة، هي لم تستقر بعد، ومشاكلها أكثر مما يعلم أي «زول», وداخل «الحركة الشعبية» هناك خلافات، هناك قوات متمردة (جنوبية ضد حكومة الجنوب)، ونطمع في أن تفرغ حكومة الجنوب لمعالجة قضاياها وتَوحيد الصف الجنوبي وتمد يدها للتعاون مع الشمال، وهذا يقتضي بالضرورة أن ترفع يديها من أي عمل سياسي (ضد الشمال)، فضلاً عن أي عمل عسكري. * وإذا لم يحدث ذلك فهل تتوقعون مواجهات جديدة بين الشمال والجنوب، إضافةً الى مشكلة أبيي؟ – إذا أصرّت حكومة الجنوب على دعم المعارضة (الدارفوية المسلحة) فحتماً ستتوتر العلاقة بينا وبينهم.
* وهل إستقرت علاقة الخرطوم مع دول الجوار، وهل صحيحٌ أنّ مشكلة طرأت في العلاقة مع تشاد؟ – العلاقة مع تشاد أفضل ما تكون، وكذلك مع أفريقيا الوسطى ودول الجوار كلها، وصحيح أن لنا كثيراً من التحفظ وكثيراً من القناعات بأنّ الحكومة اليوغندية تدعم حركة التمرد (في دارفور)، وعبد الواحد نور (رئيس حركة تحرير السودان) موجودٌ الآن في كمبالا (العاصمة اليوغندية)، ونحن نرجو أن تقدر يوغندا أن مصلحتها في حُسن الجوار بدلاً عن محاولة التطاول على أمن الآخرين.
* في الشأن الداخلي في الشمال السوداني تَتَحَدّثون حالياً عن سعي لإعداد دستور جديد بعد إنفصال الجنوب وتطالبون القوى السياسية المعارضة بالمشاركة في وضع الدستور، هل هناك آليات لتحقيق ذلك، أم أنه مجرد كلام للإستهلاك المحلي؟ – نعتقد بأمانة شديدة وصدق أنّ الدستور ليس قضية حزبية، الدستور يناقش قضايا جوهرية كقضية الحكم الإتحادي وتقويمه والعلاقات الرأسية للدولة كرئاسة الجمهورية وغيرها، ونحن في (حزب) المؤتمر الوطني (الحاكم) لنا مواقف وتجارب، لكننا لا نَتَحرّج ولا نَتَردّد في أن نخضع التجربة للتقويم، تقويمنا نحن قبل الآخرين وتقويم الآخرين.
ونَحن نَعتقد أن هذه قضايا لو تعالينا فيها عن الحزبية والأهداف الخاصة يمكن أن نصل الى ما ينفع السودان.
هناك آليات. الآن لدينا حوار مع قوى سياسية فاعلة، مع حزب الأمة القومي برئاسة السيد الصادق المهدي، ومع الحزب الاتحادي الديموقراطي «الأصل» (برئاسة محمد عثمان الميرغني)، ومع أحزاب الوفاق الوطني القديمة (التجمع الوطني الديموقراطي)، وهذه حوارات ثنائية كي تقرب وجهات النظر، لكن في النهاية، لابد أن يكون هناك جسم، سمِّها مفوضية أو لجنة عليا (للدستور) لا تقتصر حتى على الأحزاب لأنّ الدستور ليس شَأناً حزبياً محضاً، وستشمل كثيراً من العلماء ليس في مجال القانون فحسب، وستشمل (شَخصيّات) في مجال الإقتصاد والسياسة، ونحن نرجو ونتوقع أن يكون هناك حوار حقيقي عميق لإعداد دستور دائم.
* الإنتفاضات الشعبية التي شهدها ويشهدها العالم العربي حالياً، كيف تنظرون إلى دلالاتها، وهل تعتقدون أن السودان في معزل عن هذه التحركات الشعبية؟ – أولاً، نحن سعداء جداً بذلك، ونعتقد أن النظام القائم في السودان وحكومة السودان وبرنامج حزب المؤتمر الوطني (الحاكم) هو روح هذه الثورات، لأنّ محور هذا البرنامج بصدق هو الإستقلال في التوجه والاستقلال في العودة إلى الجذور الفكرية والحضارية والثقافية، والاستقلال في المنهج الاقتصادي وفي العلاقات الخارجية، وقد جلب علينا ذلك كثيراً من المشاكل.
نعتقد أنّ هذه الثورات أُسها وأساسها هو عدم قناعة الشباب بصفة خاصّة ومواطني تلك المناطق، بالتبعية المذلة للأنظمة للإستعمار الغربي والهيمنة الغربية، ولذلك نحن سعيدون بها (الثورات العربية)، ونعتقد أنّها دعم لمنهج السودان.
وبمبررات قيام هذه الثورات ليس هناك سببٌ أن يخشى أن يحدث ذلك في السودان، والمعارضة التي حاولت أن تقول ذلك بواسطة الشباب السوداني في (فيس بوك)، هناك أضعاف، أضعاف السخط على المعارضة منه على الحكومة، وهزمت (المعارضة) في مسألة تحريك الشارع حتى وصلت إلى مرحلة «حضرنا ولم نجدكم».
أما إذا كان الحديث عن تطلع أهل السودان والشباب إلى التغيير فإننا نتطلع إلى التغيير، و«ثورة الإنقاذ الوطني» ولا أقول حزب المؤتمر الوطني هي ثورة طموحات كبيرة جداً، ونحن كلما بلغنا درجة فلابد أن نرتقي إلى درجة أكبر.
* هل يعني كلامك أنكم الآن على أبواب مرحلة جديدة؟
– نحن في مراحل جديدة مستمرة إن شاء الله سبحانه وتعالى، ونعتقد أن حسم قضية الجنوب – إن كان أدى إلى إنفصال بكل أسف قطعاً – أزاح مشكلة كبيرة من السودان كانت قائمة، ونتطلع إلى أن تحسم قضية دارفور في نهاية الشهر الجالي أو الأيام الأولى من شهــر يوليو، هذه كلها تتيح مناخاً وتوفر إمكانات وجهداً بشرياً وذهنياً لأن يفرغ هذا الجهد المادي والبشري في مشروعات تنمية وخدمات إن شاء الله.[/JUSTIFY]
صحيفة الرأي العام