تحقيقات وتقارير

علاقة حزب الأمة بإسرائيل .. ولسان مقدود !!

في يوم السبت الماضي 11 يونيو ضربت الخرطوم عواصف رملية هوجاء صباح مساء، ولم تكد تنتهي من كتحها عاصمة بلادنا حتى استؤنف العزف برماد بركان نابرو القادم من اريتريا بالأحد والاثنين وتسبب في تعطيل الملاحة الجوية واتجه شمالا وضرب الثلاثاء الأردن وفلسطين المحتلة (إسرائيل) التي شعرت بالفزع من الرماد البركاني وسحائبه.. وفي نفس تلك الأيام جاء رماد مضاد من إسرائيل بمقال كتبه الدكتور محمود محمد محارب تلقفته صحيفة (السوداني) في ثوبها الإثاري الأخير، ونشرته على مدى ثلاثة أيام، ومع كون الإثارة ليست حرفة إعلام مسئول بيد أنها ليست الرياح الوحيدة التي تسير سفناً كثيرة من الصحف مؤخرا، فحول السودان وإسرائيل، منذ محاضرة افي ديختر وزير الامن الداخلي الاسرائيلي السابق، في 2008م متحدثا عن خطط إسرائيل للسودان والقاضية بتفتيته في عملية بدأت فعلا وشهدنا أول ثمراتها، ثم ما كان من ضربتي بورتسودان هذا العام والذي قبله والخيوط والخطوط الداخلية التي أشارت لها بعض صحف البلاد، ثم ما قيل عن شريك إسرائيلي لبعض الشركات والشركاء المتنفذين في مؤسسات مهمة، أو ما نشرته الجيروسلم بوست شهر أبريل الماضي من أن اللاجئين السودانيين لإسرائيل بلغوا أكثر من ثمانية آلاف، وأن السودان يشكل ثاني مصدر أفريقي للاجئين لإسرائيل بعد إريتريا، وغير ذلك من أخبار هي بالفعل مثيرة بغض النظر عن صحتها من عدمها ولكن (السوداني) لوت عنها سالفا (كريما؟) وذهبت تنعق في صفحتها الأولى بالخطوط الحمراء في كل حين كان يمكن للإثارة أن تنال جهات بعينها، مثلا عدّد الحبيب محمد حسن المهدي في فترة وجيزة أن (السوداني) قامت بالتالي: الإعلان بالبنط العريض: القبض على بنتي الصادق المهدي! بينما اعتقلتا في مسيرة سلمية ضمن ستين سيدة أخرى ولم يقبض عليهما في (كشة)! ولقاء مسئول الأمن بالديمقراطية وما تلاه من الترويج في الأولى وبالصور الملونة لقلم لم يجرب الكتابة بعد فقط لأنه نعت المهدي بالفشل! وأخيرا ما كان في حادثة المقال الذي كتبه محاربٌ وغسل كل مرة وكوى ونشر هنا وهناك، في يونيو هذا الجاري. فالمقال أحداثه تاريخية غابرة ورواياته مكرورة، ومن أساسيات التحرير وأولياته أن أحد أركان الخبر هي الآنية وإلا، أي إن لم يرتبط بأحداث آنية ساخنة، لم يصر مادة لتحرير صحفي ينشر كخبر ناهيك عن أن يكون بطل الصفحة الأولى! اعتذار رئيس تحرير الصحيفة عن تلك (الهيلمانة) جاء مثيرا لعلامات الاستفهام بدلا عن الإجابة، بيد أنه أفضل هذه المرة أن جاء على صفحات الجريدة بينما في حادثة (القبض) كان في رسالة موبايل!
ولكننا نقول إن تلك الحادثة فوائدها كثيرة لا تعد ولا تحصى، ليس فقط من باب (سمحة البتعرف) فقد انفضح ذلك الأسلوب منذ فترة، ولكن لأنه كما قال حكيم الشعراء:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت
أتاح لها لســــــــــان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت
ما كان يعرف طيب عرف العود!
ونحن لا نظن في الأمر حسداً، فما أتيح للقضية ليس لسان حسود ولكنه لسان (مقدود) وثقبه من درجتين: الدرجة الأولى درجة الكاتب الذي نظر للتدخلات الإسرائيلية في السودان من وجهة نظر وحيدة هي المتاح له من الوثائق الإسرائيلية، ومعلوم أن هذا نهج ناقص، وكان أهلنا يقولون: السوى شيخه كتابه الودّرو أكتر من الجابو! وذلك كناية عن ضرورة المزاولة المباشرة مع شيخ عالم وخبير وما في ذلك من ممارسة عملية للأمور ومعرفة بخباياها، فما بال ذلك الذي شيخه الوثائق الإسرائيلية وحدها؟ فهو لا يدرك ولا يعلم ما كتبه السودانيون، ولا يعلم خبايا سياساتهم اللهم إلا كوات قليلة اطلع عليها من منشورات إسرائيلية -مثلا لقاء السيد جوزيف لاقو مع صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية. هذا تاريخ أعرج، ويبدو كالذي يصف المحيط العريض بالتطلع من وراء ثقب مفتاح! أما الدرجة الثانية للثقب فهو الأداء الصحفي لصحيفة هللت له وكبرّت وهي لم تفعل بأية درجة شبيهة للقضايا الخطيرة المثيرة والآنية التي نشرت في الآونة الأخيرة حول التدخل الإسرائيلي في السودان (هسع ناو) كما يقول الشباب! صارت القضية معروضة إذن عبر (شملة كنيش) الثلاثية ولكن ثقبها (قدها) رباعي، كما يقال! مما يتيح لنا ولآخرين كثيرين محاولة لملمة أطراف الحقائق ونشرها لتكتمل أركان القضية.
هذه الحلقة الأولى من مقالنا هي مجرد (مقبّل) للمائدة الزاخرة بالقضايا وجوانبها المتسلسلة التي نزمع مناقشتنا معك قارئي الكريم وقارئتي النجيبة. قضايا تتطرق لعلاقة حزب الأمة بمصر، ومسألة تمويله، وعلاقته بالقوى الدولية ومنها إسرائيل.
فالمسألة تناقش مقال الدكتور الفلسطيني المقيم بإسرائيل الدكتور محمود محمد محارب الذي نشر في مواقع إلكترونية مختلفة بعنوان (التدخل الإسرائيلي في السودان)، أو (التدخل الإسرائيلي في السودان بدأ مع حزب الأمة وبلغ الذروة بانفصال الجنوب) في 6 يونيو 2011م. ولكنا نؤكد أننا سنركز في مقالنا على جانب وحيد وهو علاقة إسرائيل بحزب الأمة. ليس ذلك لأن التأريخ لقضية التدخل الإسرائيلي في جوانبها المختلفة لا تهمنا، ولكن لسببين: الأول أن بعض جوانب ذلك التدخل والمختص بترحيل الفلاشا هو مسألة فعلية وقامت بها حكومة عميلة لأمريكا في حقبة مايو الثانية، والتفاصيل الواردة من المضابط الإسرائيلية تضيف فقط لما كان نشره كتاب سودانيون حول هذا الموضوع. أما السبب الثاني فإن دراستنا لتاريخ حزب الأمة ومعايشتنا للحزب جعلت هنالك ما يمكننا قوله مما يضيف، أما ما يمكن قوله حول القراءات الناقصة لعلاقة إسرائيل مع ما سماه دكتور محارب (الشقوق) في الجسم العربي أو دول الطوق، مثل التعاون مع الأنيانيا أو مع الحركة الشعبية لتحرير السودان وهو ما صمت عنه المقال إذ وقف في الفترة المايوية، ولكن المنطق واحد: إن إسرائيل ستستغل الشقوق بيد أن تلك الشقوق هي صناعة عربية بالأساس! وهي من عيوب الأنظمة العربية التي تتيح لإسرائيل وللشيطان الولوج ثم تبكي على اللبن المسكوب! لكن هذه قضية أخرى، نتركها كما قلنا لنركز على مسألة علاقة حزب الأمة بإسرائيل خاصة الإمام عبد الرحمن المهدي راعي الحزب ومؤسسه والإمام الصديق المهدي أول رئيس منتخب للحزب في 1949م، وهي مسألة مرتبطة بعلاقته بمصر. ما هي تلك العلاقة وما أبعادها؟ وما صحة ما ذكره محارب من لقاءات وتنسيق ودعم سخي قدمته إسرائيل للحزب، واتهامه للحزب بالتخابر من أجل إسرائيل.
نحن سنقف هنا، ولكننا ننصح القارئ الكريم ممن تتاح لهم المكتبات أن يطلع على أدبيات أساسية حول تاريخ حزب الأمة على رأسها كتاب نعتبره العمدة في تاريخ السودان في فترة تأريخه منذ الثلاثينات وحتى الثلث الأول من خمسينات القرن العشرين ذلكم هو كتاب الدكتور فيصل عبد الرحمن على طه بعنوان (الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني بشأن السودان) 1999م الكتاب ضخم الحجم والقيمة، الذي صار بالنسبة لكتب التاريخ التي سبقته كعصا موسى تلقف ما يأفكون أما التي تلته فهي لا تنفك عنه غرفا أو صرفا، ثم كتابه الآخر بعنوان (على مشارف الاستقلال الثاني) الصادر في 2010م والذي يواصل التاريخ حتى عام الاستقلال 1956م، وكتاب البروفسيور حسن أحمد إبراهيم (الإمام عبد الرحمن المهدي) الصادر في 1998م، ومذكرات الإمام عبد الرحمن المهدي التي أخرجها حفيده السيد الصادق المهدي بعنوان (جهاد في سبيل الاستقلال)، وأخيرا وليس آخرا، بل أهم مادة كتبت في موضوعنا هي مقالة الدكتور أحمد إبراهيم أبو شوك بعنوان (هل زار السيد عبد الرحمن المهدي إسرائيل؟ الادعاء والحقيقة) والتي نشرت في صحف ومواقع إسفيرية من قبل كتعليق على منشورات إسفيرية حول علاقة السيد عبد الرحمن المهدي بإسرائيل، هذه المقالة التحقيقية القيمة نشرها الدكتور أبو شوك في إحدى حلقات ثلاثيته (السودان: السلطة والتراث) والتي نشرها مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، جاء المقال في الجزء الثاني من الكتاب الصادر عام 2009م (الصفحات من 87 وحتى 95) ومع إنها صفحات قليلة إلا أنها حوت الكثير من المعلومات والحقائق، وفي الحقيقة مع غموض الحقائق التي كانت نشرت في المضابط الإسرائيلية فنحن لا نملك سوى أن نعجب بهمة أبو شوك العالية في التحقق والتدقيق! ومع أنه كتب مقالته تلك ونشرها قبل عامين إلا أنها تصلح ردا شافيا على إسقاطات اللسان (المقدود)!
نواصل بإذن الله،
وليبق ما بيننا
64201110236PMrabah رباح الصادق المهدي
الراي العام

تعليق واحد

  1. يابنات الصادق انتم ماعندكم وليان ولا حياه وخصوصا مريم الصادق الماشة علي حل شعرها