البحر الأحمر.. ما يخشاه الرئيس وما لا تستطيع الحكومة فعله!

ولكن هذه المرافق البسيطة هي بالضبط ما كان يحتاجه المواطن في شرق السودان، وبالاخص في الاصقاع البعيدة عن بورتسودان مثل اوسيف ومحمد قول ودورديب وهيا وسنكات، بل حتى في بعض الاحياء داخل مدينة بورتسودان.
المنشآت الصغيرة والبسيطة تناسب الناس هناك في اصقاع الشرق الحبيب، فالكثيرون منهم يبدون وكأنهم في غفلة عن الدنيا، وعن الحياة التي بالكاد ترى ملامحها على وجوههم، ولا تكاد ترى مقوماتها في مساكنهم واماكن تجمعاتهم.
لهذا السبب فإن مدرسة ثانوية عادية او مستشفى صغير تعني الامل في تساوي الفرص بين من يسكن مدينة مثل بورتسودان التي هي في الطريق لاستشراف الثراء والرفاه والمتعة، وبين من اختار اصقاع الولاية في اوسيف ومحمد قول وغيرها من مضارب ثغر السودان الذي بدأ يبتسم.
—–
طراز راقٍ
الطبيعة القاسية في الشرق تجعل الفوارق هائلة بين مواطن يملك الكثير وآخر لا يملك شيئا، ليس هناك خيط رفيع او غليظ، ولكنها مسافة شاسعة تعجز اكواخ الخشب والصفيح التي تتلاعب بها الرياح – كما تتلاعب باجساد ساكنيها- ان تسدها مقابل مباني منيفة تقف بشموخ وجمال داخل بورتسودان.
لردم هذه (الفرقة) تداعت حكومة ولاية البحر الاحمر وصندوق اعمار الشرق وديوان الزكاة وبعض البنوك والمصارف ونفر من أهل القطاع الخاص لانشاء مؤسسات خدمية في دورديب وهيا وسنكات ومحمد قول واوسيف ولانشاء مشاريع تستهدف الشرائح الضعيفة في مدينة بورتسودان.
ليس من باب المبالغة ولكن الحقيقة ان بعضاً من هذه المنشآت صممت على طراز راقٍ لا يقل ان لم يكن يفوق مثيله في أية منطقة اخرى من السودان(مستشفى اوسيف للحوادث والطواريء، وميز الكوادر الطبية بأوسيف، ومثله في هيا، ومستشفى سنكات للحوادث والطواريء، وميز الكوادر الطبية بسنكات..الخ).
(خلوا) القهوة
الخطاب الجماهيري للسيد رئيس الجمهورية في هذه المناسبات كانت المضامين الدينية واضحة فيه، في اليوم الاول كانت الجماهير تهتف له النشيد الشهير(في حماك ربنا في سبيل ديننا)، وفي ختام الاحتفال ببورتسودان، ردد الرئيس الشعار الاشهر(في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء)، وبين الافتتاح والختام، وفي مخاطبات متعددة اشار الرئيس الى ان الانقاذ لا تخشى من المظاهرات ووسائل الاعلام، ولكنها تخشى من دعوة مظلوم يرفع يديه الى الله، وقال ان الانقاذ لا تريد ان تحكم شعباً جاهلاً يتفشى فيه الفقر والمرض، ولكنها تريد ان تتقرب الى الله بتقديم الخدمات له وتحسين مستوى معيشته وتوفير التعليم له..الطرفة لم تغب عن الخطاب الرئاسي، فعندما عدّد البشير ما انجزته الحكومة في مجال الكهرباء وزراعة النخيل اضاف(هناك شيء واحد لا نستطيع ان نفعله لكم..لن نستطيع ان نزرع لكم البن)، الرد الجماهيري لم يتأخر فجاء الجواب) القهوة خليناها).
فكرة
في فترة استراحة قصيرة دخل علينا- معشر الصحافيين- الوالي محمد طاهر ايلا، ايلا قال لنا ضمن ما قال ان الولاية لجأت الى الاستعانة باطباء اختصاصيين من مصر لسد الفجوة في نقص الاختصاصيين في مستشفيات الولاية داخل بورتسودان وخارجها، وقد بلغ عددهم حوالي اربعين طبيبا في مختلف التخصصات، حتى النادرة منها مثل المخ والتخدير..فكرة الاستعانة باختصاصيين مصريين تبدو مناسبة لتوفير العلاج في مكان الحاجة اليه، وكسر غرور بعض الاختصاصيين السودانيين الذين لا يذهبون الى العمل في الولايات إلا بشروط مغلظة، هكذا فهمنا من حديثه.
ايلا -الذي يبدو ان دأبه وحرصه على التغيير والتطوير اكسبه شعبية ملحوظة- يكن احتراماً خاصاً للاعلام والاعلاميين واهتماماً ملحوظاً بهم، وضح لنا هذا في كل مخاطباته الجماهيرية التي يبدأ فيها بتحية رئيس الجمهورية والسادة الوزراء الاتحاديين والاعلاميين، حدث هذا في كل اللقاءات دون استثناء، اهتمام ايلا بالاعلام لم يهزمه وصول الصحف السياسية الى بورتسودان متأخرة، فضلا عن ان معظم اطراف الولاية لا يبدو ان سكانها يمتلكون ادوات اقتناء صحيفة.
غياب موسى
خلال المؤتمر الصحفي القصير الذي عقده ايلا، لم يبادله الاعلاميون ذلك اللطف، ولكن امطروه بأسئلة ساخنة كانت اقرب الى الاتهامات، ولكن الوالي اجاب عليها ببرود وثقة، سألوه عن السر في غياب موسى محمد احمد الطرف الثاني في اتفاقية الشرق عن المشاركة في هذه الافتتاحات؟ وعن الوقت الذي ستخرج فيه ولاية البحر الاحمر من دعم المركز؟ وعن جدوى المرافق التعليمية والصحية لسكان قد لا تكون لديهم الرغبة في التعليم؟ وعن مطالبات البعض بانشاء ولاية اخرى على الساحل؟؟.
على هذه الاسئلة اجاب ايلا بإسهاب، ولكنني انقل عنه باقتضاب الآتي: غياب موسى محمد احمد عن المشاركة في الافتتاح لا تُسأل عنه الولاية، ولكن يُسأل عنه المركز..ليس هناك ولاية خرجت من دعم المركز، ومع ذلك نحن اقل الولايات تلقياً للدعم، وكان المتفق ان نتلقى دعما بتسعة مليارات جنيه، ولكن استلمنا ستة فقط، وبعد الاستفسار افادتنا الجهات المختصة في الخرطوم ان هناك خطأ مطبعياً تحول الرقم بسببه الى ستة بدلا عن التسعة، (وما زال البحث جاريا) بغرض التصحيح.
معركة مكتومة
رغم ان الوالي يخوض معركة شرسة ومعلنة من اجل القضاء على مظاهر التخلف والفقر والجهل والمرض في ولايته، ولكن يبدو انه يخوض معركة اخرى مكتومة تغذيها الشائعات التي تحاول بشتى السبل ان تمزق النسيج الاجتماعي في البحر الاحمر، وتسعى الى ان تقسم المسؤولين والعامة والخاصة والمشروعات وكل شيء يمكن قسمته بناء على قاعدة اثنية ضيقة.
كنت ارى شواهد ذلك في الهمس الذي اسمعه هنا وهناك عن الانتماء القبلي للمسؤولين، وعن السبب الذي بموجبه لم يتم افتتاح منشآت في المنطقة الفلانية، وعن مواطنين تم حجبهم عن لقاء رئيس الجمهورية لذات السبب.
من واقع نشاط ايلا فإنني اتوقع له ان يصيب نجاحاً في التنمية الاقتصادية، ولكن من الضروري ان ينجح الرجل في مهمة احتواء الخلافات، واطفاء نار الشائعات، وخفض مستوى الانتماء الى الكيانات الصغيرة ليحل بدلا عنها الانتماء الى كيان ارحب.