مدير المخابرات السابق اللواء حسب الله عمر: ابعاد الترابى من السلطة ليس استجابة لضغوط امريكية
هناك تيار امريكى يسعى لتغيير تركيبة النظام الحاكم فى الخرطوم
السودان يعانى من هشاشة فى بنية الأمن القومى
الاوضاع الحالية فى البلاد لاتحتمل اى خطا سياسى اوعسكرى
بدا اللواء حسب الله عمر مدير ادارة الخابرات السابق بجهاز الامن والخابرات على خلاف الصورة الذهنية الرائجة لرجل الامن والمخابرات فى عهد الانقاذ فى مخيلة الشعب السودانى الوطنى فهو اولا غير ملتحى تماما ومدخن شره طوال فترة الحوار التى امتدت لساعتين بمكتبه بحى العمارات بالخرطوم وله مقدرة على التحليل ولاتنقصه بالطبع المعلومات .. ورغم هدؤه الواضح الاانه كان اكثر حساسية تجاه الاسئلة المرتبطة بالتعاون الاستخبارى بين يبن المخابرات السودانية ووكالة المخابرت المركزية الامريكية CIA فى مجال مكافحة الارهاب بعد هجمات 11 سبتمبر فى امريكيا ونفى ان تكون ادارته سلمت اى اسلامى لواشنطن اوان يكون ابعاد الترابى من السلطة جاء باستجابة لضغوط امريكية . وسعينا من خلال هذا الحوار الصحفى استجلاء رؤية احد زعماء الجاسوسية السودانية حول مستقبل العلاقات السودانية الامريكية فى ظل الظروف الحالية والجفاء الامريكى البادى للعيان تجاه الحكومة وخاصة اهل الشوكة من قادة الموتمر الوطنى اضف للتوترات الناجمة من اتهامات مدعى المحمة الجنائية الدولية للرئيس البشير ومالاته على العلاقات بين واشنطن والخرطوم . والرجل تبرز اهميته باعتباره كان المسؤول الاول عن الملفات الاكثر سرية بين البلدين واجهزتهما الاستخاربة وفوق هذا وذاك كان الرجل شاهد على مفاوضات الغرف المغلقة بين البلدين فى اكثر الفترات حساسية وتوترا بين امريكا والسودان وايضا هى اول مرة يتم فيها تعاون مع CIA وان كان السودان فائدة هذا التعاون حسب افادات اللواء حسب الله عمر ..
* سعادة اللواء عمر حسب الله كيف تقرأ مستقبل العلاقات السودانية الامريكية في ظل الوضع الماثل الآن.
– في تقديري ان العلاقات السودانية الامريكية يحكمها صراع بين تيارين ايدولوجي وتمثله مجموعة من الناشطين من المجتمع الامريكي عبر منظمات مختلفة وهذا التيار يتميز بالمام معتبر بالقضايا السودانية بحكم ارتباطه بقضية الحرب في الجنوب لفترة طويلة واضحى ملماً بقدر كبير من تقاليد السياسة واصبحت له اجندة خاصة بعض منها كان يتطابق مع اجندة الحركة الشعبية التي كانت تقود الحرب في الجنوب. لكن هذا التطابق ليس 100% فجزء من اجندته يتعلق مباشرة بمعاداة الفئة السياسية الحاكمة في الخرطوم وبتوقيع اتفاق نيفاشا عام 2005م أُسقط جزء كبير من هذه الاجندة وهو يتعلق بطموحات الاخوة الجنوبيين والبرنامج السياسي للحركة الشعبية الذي يتم التوافق عليه ومن ثم التوقيع لكن تبقى جزء من الاجندة لم ينجز لذلك قررت هذه المجموعة ان تواصل السير نحو انجاز اجندتها لانها كانت تعتقد ان اتفاقية السلام قطعت عليها الطريق امام تحقيق اهداف تؤمن بها تجاه النظام الحاكم في الخرطوم وتركيبته السياسية والفكرية والثقافية والجهوية حيث رُحلت تلك الاجندة من رسالة الحركة الشعبية لدارفور والآن نستطيع ان نلمح ان نفس التحالف مع المنظمات التي كانت تقوم بدعم الحركة الشعبية توجه نفسه نحو دارفور وواصل عدائه للتركيبة الحاكمة وهذا التيار مؤثر في الساحة الامريكية واستطاع ان يعمق حضور اجندته وسط الرأي العام الامريكي عبر قضية دارفور اكثر مما كان قد فصل في قضية الجنوب وان يتمدد خارج امريكا واصبح تحالفاً عبر العالم انتشرت مكاتبه في اوروبا ويعمل الان في تحالفات مع منظمات اوروبية لم تعد تعمل في مجال العون الانساني وما يليه وانما صارت مدعومة بعدد مقدر من السياسيين والاستراتيجيين والمفكرين من مراكز الدراسات والبحوث وكل هذه توظف بتنسيق كامل بين المسرح الامريكي والاوروبي وتستهدف عدة اجندة في العالم على رأسها السودان وهذا تيار يحمل رؤية معينة.
وهناك تيار اخر او قوى اخرى هي التي تحكم في البيت الابيض وتسمى تيار براغماتي وهو يدير الدولة, فالتيار الاول الايدلوجي حر فيما يدعيه تماماً من قضايا وممارسته ويفعل ما يشاء اما التيار البراغماتي فهو يتحمل مسئولية ادارة الدولة والعلاقات مع الدول لكن تأثير التيار الاول على الموجودين في البيت الابيض اياً كانت احزابهم على استمرار تأثير قوي وفي فترة حكم الجمهوريين للأسف تصادف انه بالاضافة للتيار الايدلوجي للرأي العام الذي تقوده المنظمات اصبحت هناك شريحة مقدرة من التيار الذي يفترض ان يكون براغماتياً مؤدلجاً وهؤلاء هم المحافظون الجدد الذين تلاقوا مع بعض الايدلوجيين في الرأي العام وسط المنظمات. وهذا في تقديري سبب أساس في تصعيد العداء الامريكي تجاه السودان بوسائل مختلفة وباستمرار احداث قدرة عالية لإعاقة اي خطوة تقود لتطبيع العلاقات بين السودان وامريكا.
اضف الى ذلك عاملاً آخر اذ ان العلاقات الدولية بعد انهيار المعسكر الشرقي واحادية القطب التي بسطت نفوذها على مستوى العالم اضحت تزداد على مستويين مستوى تقليدي معروف وهو العلاقات بين الدول لذا فأنا اعود لأتحفظ على الحديث عن العلاقات السودانية الامريكية بهذا الوضع فهو تصنيف تقليدي. ان امريكا وفق علاقتها مع السودان تفرض عليه عقوبات او تدعمه مالياً او تحظره اقتصادياً. اما المستوى الاخر فهو ان القوى العظمي تستطيع ان تنفذ الى داخل التركيبة السياسية في البلد المعني وبالتالي لم يعد ذا مغزي كبير ان تتحدث عن العلاقات السودانية الامريكية. لأن هذه القوى تتحدث عن مكونات القوة الداخلية وتصنف علاقاتها مع هذه المكونات وهذا التصنيف يمعني ابتداءاً من القوى السياسية والجهوية والاثنية حتى يصل الافراد لذلك تحتاج هدف المسألة من الان وصاعداً الى بحث العلاقة بين المستويين مستوى علاقة الدولة بالدولة ومستوى علاقة الدولة بالمكونات الداخلية للدول الاخرى علماً بان الدول المستهدفة في ذلك هي دول العالم الثالث والدولة الفاعلة في هذا التصنيف هي الولايات المتحدة ولهذا من الصعوبة ان نتحدث عن علاقة امريكا بالسودان هكذا واعتقد ان هذا التصنيف مخل لكن يمكن ان نتحدث عن علاقات امريكا بالمكونات السياسية والفكرية والجهوية في السودان كل على حده.
* حسب تصنيفك ذكرت ان التدخل الامريكي امتد الى داخل مكونات المجتمع السوداني واصبحت له تاثيرات داخلية هذا على المستوى النظري لكن هل لك ان تعطينا توضيحاً اكثر لتلك التأثيرات؟
– افتكر اكبر توضيح لذلك هو قضية المحكمة الجنائية فمن المعروف ان المحكمة الدولية والامم المتحدة بانظمتها المختلفة ومجلس الامن تتعامل مع الدول في الوقت الذي تتعامل فيه المحكمة الجنائية مع الافراد وهذا اكبر اختراق لجدار السيادة والامن في الدول المستهدفة.. الان المجتمع الدولي عبر المحكمة الجنائية يستطيع ان يحاسب كل الذي لا يعجبه ويغض الطرف عن من يعجبه وان يجزل الثناء على معجبيه وهذا اكبر اختراق في منظومة كانت مقدسة هي منظومة السيادة والامن القومي وهذا لم يعد موجوداً في عرف العلاقات الدولية الجديد وانا لا اقول انه اصبح سائداً الان لكن هذا هو العرف الذي يراد له ان يسود.
الان محكمة الجنايات الدولية لا تستهدف رسمياً السودان وانما تستهدف شخص عمر البشير فهي لاتتكلم عن علاقات مع السودان ولا توقع عقوبات ولا تفرض حظراً اقتصادياً لكنها تفرض عقوبات على افراد وتستهدفهم بالمحاكمة والسجن وكل ذلك يشكل تحولاً جوهرياً في ادوات ادارة الصراع الدولي وادارة العلاقات الدولية ينبغي ان يفطن اليه كل العاملين في مجال العلاقات الدولية والان السودان يمثل نموذجاً لهذا النظام نظام ان تدير علاقات بين الدول وفي نفس الوقت على مستوى اخر تدير في ظل هذه المظلة علاقات مع المجموعات والاحزاب والافراد وتستطيع ان نتلمس ذلك في الممارسة ففي الماضي كان اذا اتى مبعوث خارجي لزيارة بلد ما فكان من الطبيعي ان يلتقي وزير الخارجية او رئيس مجلس الوزراء وربما رئيس الجمهورية الا ان المبعوثين في الوقت الراهن يحرصون على لقاء كل الفصائل ويديروا حواراً مع كل مجموعة ويطوروا اجندتهم مع كل مجموعة ويحددوا موقفاً من كل مجموعة.
* لكن هناك ظروفاً في الحالة السودانية تتعلق بالصراعات والحروب ادت الى ازمة داخلية افرزت مساحة مقدرة للتدخل الاجنبي جعلت الحكومة بشكلها الرسمي لا تعبر عن كل الاطراف السودانية؟
– الحكومة بشكلها الرسمي اصلاً لا تعبر عن كل مجتمع في اي مكان في العالم فالحكومة الان في امريكا تعبر عن الجمهوريين في آخر انتخابات بفارق مئات في الاصوات فان كنت تقصد ان تحمل الحكومة الرؤية السياسية لكل المجتمع فهذا لا يحدث فالحكومة الامريكية تحمل نصف رؤية المجتمع الامريكي وهذه قاعدة عامة ليست قاصرة على السودان وكما ذكرت ان السودان يصلح لأن يكون نموذجاً لهذا الشكل من ادارة العلاقات الا ان القاعدة ستنطبق على كل الدول وستنفذ في كل الدول.
صحيح ان السودان بلد معقد ولا يزال في طور النمو وبالتالي هناك هشاشة في بنية الامن القومي السوداني التي لا تزال تحت التكوين والنمو حتى تتصلب وتصبح قوية وهذا ناتج عن اسباب كثيرة كبر مساحة السودان وتنوعه من حيث تعدد وتباين الجوار اضافة لموقعه الجغرافي والاستراتيجي لذا ينبغي ان لا تتحمل ذلك الحكومة وهذا اعتقد وضع طبيعي في السودان.
* اذن ما هي المعالجات في تصوركم؟
– هذا الوضع يقتضي كفاءة ادارية وعسكرية وسياسية واقتصادية غير تقليدية لإدارة الحكم في السودان ولم يعد من المسموح ارتكاب اي خطأ في حدود هذه المستويات لأنه سيكون مكلفاً جداً.
* قراءتك للعلاقات السودانية الامريكية تشير الى انها لا تسير نحو مخرج وهناك ضغوط متزايدة وتشدد في خطاب الجانب الديمقراطي حول دارفور مقروءاً بوقف الحوار السوداني الامريكي والمحكمة الجنائية هي يمكن اعتبار ذلك مؤشرات لتأزيم الوضع اكثر خاصة بعد الانتخابات الامريكية.
– لقد اشرت الى انه من التسطيح للأمور التحدث عن العلاقات السودانية الامريكية وهي تحتاج للحديث على مستويين باستمرار وسبق ان قلت ان اي تغيير في هذه العلاقات مرهون بحسم الصراع الدائر بين المجموعة الايدلوجية في الرأي العام وهي مجموعة المنظمات والمجموعة البراغماتية الواقعية في البيت الابيض التي تحكم اياً كانت ديمقراطية او جمهورية وفي تقديري ان المعركة الان تسير في اتجاه صالح المجموعة البراغماتية في البيت الابيض فحضور السودان في الاجندة الامريكية بلغ قمته عبر دارفور لكنه الان يتراجع وكذلك الحضور السياسي للسودان في الاجندة الامريكية تراجع جداً وهذا كله ينصب في مصلحة المجموعة البراغماتية التي وقتها تستطيع ان تمسك بقدر معتبر بمقاليد القرار السياسي تجاه السودان وعندها ستنظر اليه عبر العلاقات الدولية المعهود وهي علاقات توازن المصالح والتحالفات وتهديد الامن القومي الحقيقي وحينها يتم اختراق حقيقي للعلاقات السودانية الامريكية لأن القرار سيصبح في يد المجموعة الحاكمة في البيت الابيض اياً كان وليس من الراجح على اي حال من الاحوال ان يتم تطور دراماتيكي جذري في العلاقات السودانية الامريكية وستظل تنتظر حدثين مهمين جدا هما الانتخابات السودانية والانتخابات الامريكية.
صحيفة السوداني – حوار: خالد عبد العزيز – حنان بدوي[/ALIGN]