قير تور

ضياع العمر…!!


[ALIGN=CENTER]ضياع العمر…!! [/ALIGN] أحدهم…. وهو يحمل ما استطاع حمله من شهادات علمية لا ينكرها إلا مكابر أو حاقد، عاد إلى قريته الوديعة الواقعة على شاطئ أحد الأنهار وسكان القرية فرحون جداً بإبنهم (الدكتور).
التقى الدكتور أحد أصدقائه القدامى الذي فارقه منذ سنوات طويلة فقد كان زميلا له في المرحلة الابتدائية ولم يلتقيا مرة أخرى سوى ذاك اليوم. تبادلا التحايا والمصافحة وكل منهما يعبر عن شوقه للآخر ويحكي عن ذكريات الطفولة وجمالها وليتها تعود من جديد وكذلك فكل منهما يتمنى الخير والعافية للآخر.وكان للصديق القديم قارباً يجوب به النهر ممتهناً صيد السمك الذي منه يستطيع ادارة شؤونه وشؤون عائلته، وعليه فقد طلب من الدكتور ركوب القارب للتجوال في النهر أثناء سيره.؟ وفي القارب صارا يتبادلان الحديث ومن ضمن ما ورد سؤال تقدم به الصديق للدكتور عن مواصلته للدراسة فأخبره ذلك بأنه تخصص في العلوم البيئية ونال شهادة الدكتوراة. وبدوره سأل صديقه إن كان يعرف شيئاً عن البيئة… فرد صديقه بأنه ترك الدراسة منذ زمن مبكر جداً وعليه فهو لا يعرف شيئاً يقول لكنه يعرف جيداً ماذا يفعل في قاربه هذا. ضحكا معاً ورد الدكتور عليه “إذن نصف عمرك ضاع”.وبعد ذلك طفق الدكتور يحكي لصديقه عن البيئة وكل الأشياء الجميلة التي تعلمها وأهميتها للبشر والعالم وعن الرياح والأمطار وتأثير كل هذه الأشياء على الأرض وبالتالي على الإنسان وبقية المخلوقات الأخرى حتى الجمادات.
المهم لم يدر بخلد الدكتور أن سؤاله لصديقه سيرتد له بسرعة لم يتوقعها نتيجة أحداث ليست من مسؤولية أي منهما، فأثناء ذلك وهما في منتصف النهر هبت رياح وعواصف جعلت الأمواج تعلو والقارب صار في خطر شديد فقال صاحب القارب لصديقه: “كدا خلي قصة البيئة وغيرو دي…. إنت بتعرف تعوم؟”. في كلمة واحدة قال الدكتور: “لا!”. فرد صديقه: “إذن عمرك كلو ضاع”.. وفي لحظته تحطمت أخشاب القارب وسبح صاحب القارب إلى البر الآخر بينما قضى صاحبنا نحبه.
هذه القصة الشعبية التي سمعناها كثيراً في الحكاوي العامة قد لا يكون ظاهراً للبعض، لكنها تجسد واقع الانسان فكم توهم بعض الناس الشهادات الاكاديمية معياراً يقيسون بها الناس دون أن يدركوا الجوهر الحقيقي للإنسان. فالنجاح عند أمثال هؤلاء هو الحصول على الدرجة الأكاديمية الرفيعة، وعند البعض الآخر الحصول على المال الوفير.
أعرف أحد أصدقائي وهو زميل لي بالمرحلة الابتدائية ونشأنا سويا في حي واحد، آخر مرة قابلته العام الماضي وذهبت معه لمنزله. صديقي هذا من الذين تركوا الدراسة بعد اكمالنا الشهادة الابتدائية، وهو لديه شقيقين يكبرانه أكمل أحدهما الجامعة والآخر المرحلة الثانوية. لكن صديقي هذا يعمل سائق شاحنات وهو المسؤول الأول عن والديه بجانب زوجته وابنائه… فشقيقاه ليسا موجودان في السودان في الوقت الراهن.وبحمد الله يقوم بمسؤوليته على أكمل وجه.
لست داعياً إلى ترك المثابرة في الدروس الاكاديمية لكن سؤالي هل مثل هذا الشخص اليس ناجحاً في الحياة أم يحتاج شهادة من جامعة تفيد بذلك؟.

لويل كودو – السوداني
2 يونيو 2010م
grtrong@hotmail.com