تحقيقات وتقارير

الزوجة على الهاتف مع أمها .. والزوج مطنّش !!


تغيّر حال (منى) بعد أشهر من زواجها، حيث اختفت ابتسامتها الهادئة التي كانت لا تفارق محياها، وبدا واضحاً أثر الحزن في عينيها، وأصبحت أسيرة للصمت، رغم أنها كانت طليقة اللسان في كل الجوانب، وشعر المقربون منها أنها تمر بأزمة في حياتها الجديدة، ورغم محاولة استنطاقها، إلاّ أنها وضعت سوراً عالياً من الصمت والخصوصية، لم تستطع والدتها ولا حتى شقيقتها الكبرى من معرفة سر حزنها، فهي ترى في نفسها القدرة على تجاوز خلافاتها مع زوجها دون تدخل من الآخرين، حتى لو كان من باب (الفضفضة) الذي قد يفتح المجال للتدخلات المرفوضة.
العديد من الأسر في مجتمعنا، تعطي نفسها الحق في التدخل في حياة بناتهم المتزوجات حديثاً، حتى وإن لم يطلبن ذلك، دون تقدير منهم لرؤية الفتيات التي تمنع استباحة خصوصية حياتها الزوجية، ونظراً لأن فتيات اليوم ناضجات بعلمهن وثقافتهن قادرات -في أغلب الأحوال على الإمساك بزمام الأمور ومعالجتها، وتعي متى تسمح بتدخل أهلها في خصوصيات منزلها من عدم تدخلهم وكأنها لا تزال طفلة مدللة تعيش في كنف أبيها.
(الرأي العام) تبحث عن أسباب تدخل الأهل في حياة الفتاة بعد الزواج ومدى خطورة ذلك، إذا لم يكن التدخل مناسباً، وما هي رؤية المتزوجات حديثاً في تدخل أسرهم في حياتهم الزوجية.
*تقول (آمنة) متزوجة منذ خمس سنوات: إن الحياة الزوجية مليئة بالخلافات والمشاكل، خاصة في السنوات الأولى من الزواج، وغالباً ما يكون سبب تلك الخلافات هو غياب الحوار والتفاهم، والإمتناع عن تقديم التنازلات بين الطرفين، ولكن بقليل من الهدوء والمحبة، يستطيع الزوجان تقليل الخلافات، وعدم تصعيدها ، خاصة اذا كانت لا تمس كرامة الزوجة، أو تعرضها لمكروه، قائلة إنها رغم اختلاف وجهات النظر بينها وبين زوجها؛ إلاّ أنها وضعت لحياتها الزوجية خطاً أحمر، لا يحق للآخرين الاقتراب منه، موضحة أنها عندما تكون متخاصمة مع زوجها، وأثناء ذهابهما إلى أهلها أو أهله يتعمدان التصرف بشكل طبيعي أمامهم، حتى لا يوحيان لهم بأن هناك (وقفة نفس) بينهما، مضيفة: أن الزوجين أدرى بمشكلاتهما، وبالتالي أي تدخل سيقضي على الأشياء الجميلة بينهم، ويكفي أن يكون هناك شيء من العتاب، والتضحية والتنازلات، والحوار الهادئ، فهذه الأشياء البسيطة، توصلنا دائماً إلى حلول وأفكار كانت غائبة عنا.
*وترى(خالدة) بأن البدايات دائماً تكون صعبة وتحتاج مهارة عالية للتعامل معها، فبداية حياتي الزوجية كانت مليئة بالخلافات المعقدة والبسيطة، ولم يكن من المعقول اللجوء إلى الأهل عند كل خلاف، راوية أحد المواقف التي مرت بها في شهور زواجها حيث قالت: (اتصلت بوالدتي شاكية لها طريقة تعامل زوجي الجافة معي، ومدى تأثير ذلك على علاقتنا، وأثناء حديثي قاطعتني والدتي، طالبة مني سرعة تجهيز حقيبتي لأنها ستأتي هي ووالدي لأذهب إلى منزل أهلي وذلك حتى يعرف قيمتي ويدللني من وجهة نظر والدتي? غير أني رفضت هذا الحل الذي فاجأتني به)…فيما قدم لي والدي عددا من النصائح التي مازالت راسخة في ذهني كونها أصبحت سبباً في سعادتي مع زوجها، وكسب محبته، وهذا الموقف هو الأخير الذي لجأت فيه إلى أهلي.
*(محمد) يقول: إن أغلب تدخلات الأهل تكون بعيدة عن مصلحة بقاء الزوجين واستمرارية علاقتهما، كونها تأتي مصعدة للخلاف وتضخمه بشكل كبير،.
*ورفضت (البتول) فكرة تجاهل خبرة الوالدين والإستئناس برأيهما في مشاكل أبنائهما، قائلة: »ليس صحيحاً أن تدخل الأهل بداية ممهدة لنهاية علاقة الزوجين، إلاّ إذا كانت هناك خلافات يصعب معها بقاء الطرفين، ويكون الإنفصال بناء على رغبتهما، ونجد إن (بنات اليوم) حافظات لخصوصية حياتهن الزوجية ويدركن أن أي إفشاء لتفاصيلها قد يخلق فجوة شاسعة بينهما…وأشدد على أن الأهل يحترمون خصوصية الزوجين، ولا يتدخلون إلاّ عندما يطلب منهم التدخل، الأمر الذي ينمي ثقة الزوجات في أنفسهن، على أنهن قادرات تجاوز العقبات
*وقال (أ.محمد عبد الباقي)(أستاذ علم النفس): إن الفتاة في بداية زواجها غالباً ما تكون جاهلة بكثير من الأشياء التي كان ينبغي عليها تعلمها قبل إن تدخل الحياة الزوجية، فهي تجهل حقيقة زوجها، وكيفية التعامل معه، وأبجديات الزواج، ومسؤولياته الجديدة خاصة في فترة التوافق في السنة الأولى من الزواج، وهنا يكون دور الأم هو مساندة ابنتها ومساعدتها، وليس التدخل في حياتها، حتى تتحول هذه المساندة إلى (سؤال يومي) عن تفاصيل حياتهما، وإشعار الفتاة بأنها بحاجة دائمة إلى الرجوع إلى أمها وأبيها في كل صغيرة وكبيرة، الأمر الذي يجعلها (إتكالية) وغير قادرة على أن تمسك زمام الحياة الجديدة بقوة، وتشعر باستمرار أنها ضعيفة، فتكتشف بعد مدة زمنية بأن والدتها قد أوصلتها إلى مسار خطير في الحياة الزوجية، لأن الأم لا تعرف حقيقة هذا الزوج، كما تعرفه ابنتها، ولهذا تكون عاطفتها سبباً في تحول تلك المساندة إلى تدخل كبير لا يقبل به الزوج، كأن تقول لها (غيروا هذا الأثاث) أو (أختك سافرت وأنت لم تسافري) أو(أختك زوجها أعطاها كذا وكذا) أو(أنتِ معززّة ومكرمة في بيت والدك؛ لذا لاتقبلي بهذا وذاك) فتبدأ من هنا والدتها بفتح بعض النوافذ والأبواب نحو مشاكل جديدة حتى تصل بها إلى طريق مسدود في علاقتها بزوجها، الذي ربما ينفر منها، ومن طريقة انسياقها لتلك التدخلات وأضاف أن تهيئة الفتاة قبل الزواج يحد من حالات التدخل من قبل الأهل، لهذا لابد أن تشارك مؤسسات المجتمع، ووسائل الإعلام، في إعداد برامج ودورات تدريبية، لتهيئة كلا الزوجين المقبلين على الزواج، فضلاً عن دور الآباء والأمهات المهم في هذا الجانب، موضحاً أن الأصل عدم تدخل الأهل من تلقاء أنفسهم بمشاكل الفتاة بعد الزواج، كون ذلك (أدباً عاماً) حث عليه الإسلام كثيراً؛ نظراً لخطورة خروج المشكلة خارج بيت الزوجية واستمرار اشتعال نيرانها، لا سيما إذا نُقلت إلى أهل أحد الزوجين، حيث لن يكون الحكم عادلاً لعدم السماع من كافة الأطراف، وقد تأخذهم العاطفة تجاه ابنهم أو ابنتهم، لافتاًَ إلى أن تدخل الأهل يبقى مرهوناً بمدى صبر الفتاة،
الراي العام
الخرطوم: فاطمة خوجلي