تحقيقات وتقارير

البشـير وواجــب القضــاء علــى الطائفــيـــة السـيــاســيـة !! «1 ــ 2»

[JUSTIFY]لم أعرف أأضحك أم أبكي حين قرأتُ أن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل احتجَّ على تصريحات الرئيس البشير التي قال فيها إن محادثات حزبه والاتحادي الديمقراطي الأصل قد اقتربت من نهايتها لكنه رهن مشاركة الاتحادي الأصل في الحكومة بإعلان الميرغني موقفاً واضحاً من نائبه علي محمود حسنين والقيادي الآخر في حزب الميرغني التوم هجو المساند لتمرد مالك عقار في النيل الأزرق.. إعلانه موقفاً واضحاً بأن يتبرّأ منهما أو ينحاز إليهما ويضحِّي بالمشاركة!!
حزبُ الميرغني احتجَّ على تصريحات البشير من خلال بيان حادّ اللهجة هدَّد فيه وتوعَّد وقال «إن الحزب الاتحادي لن تُجدي مع قيادته أساليب الترغيب والترهيب ليتَّخذ موقفاً لا يتماشى مع النهج الذي ارتضته مؤسساتُه في معالجة قضايا الوطن والمواطنين وعليه فإن اشتراط رئيس المؤتمر الوطني على رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بأن يختار المشاركة أو المعارضة يُعتبر تدخُّلاً في إدارة شأن الحزب وهذه التصريحات غير لائقة في إطار الممارسة السياسية» ثم قال البيان ــ ويا للعجب ــ «إن الحزب الآن ليس جزءاً من المعارضة أو شريكاً في الحكم»!!
بالله عليكم أليست هذه مهزلة المهازل ومسخرة المساخر؟! يقول البيان إن الحزب الاتحادي ليس جزءاً من المعارضة بالرغم من أن راعي الضأن في بادية البطانة ربما يعلم أن نائب الميرغني «علي محمود حسنين» يُعتبر أحد أشرس معارضي الحكومة من خارج السودان ولم يُخفِ توجُّهاته القديمة المتجدِّدة الساعية على الدوام لإسقاط الحكومة بل إن القيادي المعارض التوم هجو يحمل السلاح «عديل» مع المتمرد عقار ضد الحكومة وبالرغم من ذلك يقول البيان إنهم ليسوا مع المعارضة!!

إنها مسخرة هذا الحزب الذي يقول بيانُه إن مؤسساته ارتضت هذا النهج في معالجة قضايا الوطن والمواطنين!! ولستُ أدري والله أي مؤسسات تلك التي تعمل مع «السيد» الذي يؤمن كثيرٌ عن أتباعه بمقولة «إن المريد لشيخه كالميت بين يدي الغاسل».. حزب لا لون له ولا طعم ولا رائحة فهو ليس مع المعارضة بالرغم من أن بعض قياداته تقود المعارضة وليس مع الحكومة بالرغم من أن بعض قياداته تنشط للمشاركة في الحكومة!! حزب يُساق أتباعُه بل قياداتُه كالقطيع في القرن الواحد والعشرين ونحن نتحدَّث عن التداول السلمي للسلطة وعن الديمقراطية التي يفتقر إليها الحزب كما يفتقر إلى المؤسسية والشورى!!
كدتُ أتقيأ حين رأيتُ أحد أكبر قياديي ذلك الحزب يتعامل مع سيده الميرغني بما لم يفعله أصحاب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مع سيد الخلق أجمعين ولو حكيتُ لكم قصص الميرغني مع أتباعه مثل قصة حذاء سفيرنا في إحدى الدول الغربية مع أحد فصحاء الحزب لانفقعتم من الضحك أو من الوجع!!

هل تذكرون قرائي الكرام حكومة الصادق المهدي التي كان المرحوم الشريف زين العابدين الهندي يشغل فيها منصب وزير الخارجية لكنه كان في ذات الوقت يقود المعارضة داخل مجلس الوزراء؟! هل تذكرون كلمته الشهيرة داخل البرلمان «والله الحكومة دي أكّان جاء كلب خطفها ما في زول يقول ليه جر»؟!
إنهم يريدون أن يكرروا ذات المهزلة القديمة مع الهندي أو ذات تجربة شراكة نيفاشا التي كان باقان يتمرَّغ في نعيم حكومتها وفي ذات الوقت كان يقود المعارضة من داخل مجلس الوزراء بينما يقود عرمان المعارضة لحكومته من داخل البرلمان!!
ثم تجدهم يحتجُّون لأن البشير طالبهم بأن يختاروا بين الحكومة أو المعارضة ويعتبرون مطالبته تلك تدخُّلاً في شؤونهم بما يعني أنهم يريدون أن يشاركوا في الحكومة ويظل نائب رئيسهم معارضاً ويظل جزءٌ منهم «التوم هجو» حاملاً السلاح ضد القوات المسلحة السودانية!!
أقول إن السودان الشمالي مهيأ لدورة حضارية جديدة بعد أن نفى خبثه بانفصال الجنوب ثم بتحرير أرضه في النيل الأزرق وجنوب كردفان اللتين بقيت فيهما جيوب صغيرة يتعيَّن على حكومة المؤتمر الوطني أن تحررها تماماً وبأعجل ما تيسّر.
إن انطلاق الدورة الحضارية الجديدة بعد أن حُسمت قضية الهُوِيّة في السودان الشمالي بعد الانفصال تحتِّم علينا أن نهيئ الساحة السياسية لإرساء أسس الدولة الحديثة التي يجوز لنا أن نسميها بالجمهورية الثانية وهذا لن يتأتّى ما لم نهيئ الأرضية لقيام نظام سياسي جديد وحديث يتفاعل مع مطلوبات الدولة الحديثة بما في ذلك التداول السلمي للسلطة وترسيخ الممارسة الديمقراطية وقيام دولة المؤسسات وإقامة العدل من خلال سيادة حكم القانون والفصل بين السلطات ولعلّ قيام أحزاب سياسية حديثة تمارس العمل السياسي وفق المبادئ الديمقراطية داخل جُدُرها الحزبية هو أول المطلوبات اللازمة لإنشاء الدولة الحديثة لأن فاقد الشيء لا يعطيه إذ لا يمكن لأحزاب تفتقر إلى الديمقراطية أن تنشئ دولة حديثة ترسِّخ الممارسة الديمقراطية.

هذا يستدعي القضاء على الأحزاب الطائفية التي تقوم على روح القطيع وذلك من خلال تحرير الأفراد من الولاء الطائفي القائم على الإشارة من الزعيم الذي يُلغي التفكير أو الاختيار الحُر للأفراد ولعلّ اللافت للنظر أن القرآن الكريم شنَّ حملة شعواء على روح القطيع التي نراها مجسَّدة في الطائفية «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ» واعتبر ذلك شِركاً أكبر يُخرج من الملة وشدَّد القرآن النكير على روح القطيع التي تُلغي العقول وبيَّن الحسرة التي تصيب الأتباع في نار جهنم حين يتبرأ المتبوعون من الأتباع «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ٭ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ» كما حذَّر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من أن يكون المسلم إمّعة تابعاً مُلغياً لعقله «لا يكن أحدُكم إمّعة يقول أنا مع الناس.. إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت..».

كنا ندعو حتى وقت قريب إلى تجميع أهل القبلة ولا يزال هذا دأبنا لكن تحدي الحركة الشعبية الذي كان ماثلاً أمامنا كان يُلحُّ علينا أن نقدِّم ذلك الأمر حتى نُغلق الباب أمامها أمّا الآن وقد أذهب الله عنا سقمها والذي أرجو أن يغادرنا إلى الأبد من خلال إزالة الحركة الشعبية من الحكم في جنوب السودان فإن القضاء على الطائفية سيحظى باهتمامنا نحن في منبر السلام العادل فقد ظلت من المعوِّقات الكبرى التي أثّرت في مسيرة السودان السياسية وما من سبيل غير أن تنشأ أحزاب حديثة تقود مسيرة السودان السياسية فكما تحررنا من الاستعمار الجنوبي نحتاج إلى تحرير إرادة الإنسان الشمالي من الطائفية السياسية.

أشعر بالحزن أننا منذ أن كنا صبية نردِّد هتافات آبائنا خلف الأزهري: «حررت الناس يا إسماعيل الكانوا عبيد يا إسماعيل» ونصيخ السمع لنداء الأحرار وهم يصبّون جام غضبهم على السيدين «علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي»: «وين زمان كانوا السيدين.. نصف قرن هم متعادين.. نهبوا أموالنا باسم الدين.. وليش اليوم بقوا متّحدين»!! أشعر بالحزن أن أولئك الذين كانوا يبيعون لآبائنا وأجدادنا أمتاراً في الجنة بنهب عرق الفقراء لا يزالون جاثمين بأبنائهم وأحفادهم على أنفاسنا يسوقون الناس كما تُساق السوائم ويعطِّلون مسيرة السودان السياسية!!

أتفهّم تماماً ثورة د. الباقر أحمد عبد الله وأحمد علي أبوبكر على الميرغني وملكه العضود للحزب فأن تأتي متأخراً خيرٌ من ألّا تأتي ووالله إنه لأرحم للبشير أن يضم إليه الدقير والثوار الجدد على حزب الرجل الأوحد من أن يُحيي العظام وهي رميم وخيرٌ له أن يضم الثائرين على ذلك الطائفي المتردِّد العاجز في الحزب الآخر وأن يُسدي للسودان خدمة جليلة بالعمل على القضاء على الطائفية السياسية فما من عمل أعظم من تصحيح الخطأ التاريخي بفصل الجنوب وحسم قضية الهُوية في الشمال ثم وضع السودان في طريق التقدم والنهضة من خلال إزالة الرجعية المتمثلة في البيتين الطائفيين اللذين خربا مسيرة السودان السياسية منذ نهاية القرن التاسع عشر بالخضوع للاستعمار.[/JUSTIFY]

الطيب مصطفى
الانتباهة

تعليق واحد

  1. احسن تشوفوا ليكم حل آخر لانوا طريقه القضاء علي الاحزاب (والاسياد) كما يقال من اصعب المستحيل وعاوزين لكما اجيال واجيال وقرون من الزمان حتي الناس تنسي الحكايه دا؟اما الان شوفوا طريقه المسايسه مع الاحزاب وبالعقل والحكمه تصلوا او ناقشوا الامر مع اولادهم او احفادهم او اصحابهم يمكن وعسي ولعل تلقوا حل ويسمعوا ليهم غير كدا يفتح الله؟؟؟