القضاء الموريتاني يقضي بسجن أسرة بتهمة ممارسة الرق
جدل واسع
وأثارت القضية التي تعد سابقة من نوعها في تاريخ القضاء الموريتاني جدلاً واسعاً بالنظر للتطورات التي رافقت الملف، حيث اتهمت منظمات حقوقية ومن ضمنها حركة “الانعتاقية” الناشطة ضد العبودية، الدولة بمحاباة ملاك العبيد السابقين على حساب المسترقين، واعتبرت أن حصول المتهم على السراح المؤقت أثناء المحاكمة تفريط في حق الضحية واستهتار بتطبيق قانون محاربة العبودية الجديد.
وهذه هي المرة الأولى التي يتم الحكم فيها لصالح ضحايا الاستعباد، حيث لم يسبق لأي محكمة في موريتانيا أن قضت بأحكامها في مثل هذا النوع من القضايا رغم إقرار قانون محاربة العبودية وتحريم الاسترقاق منذ سنوات، حيث لم يسبق أن أصدرت إحدى المحاكم إحكاما بالسجن والغرامة بسبب الاسترقاق والعبودية رغم قيام بعض الضحايا برفع قضايا ضد متهمين بمساعدة منظمات حقوقية محلية.
أول قضية
وقضت المحكمة بتغريم بقية أفراد الأسرة بدفع مبلغ مليون أوقية (أربعة آلاف دولار) والحبس غير النافذ لمدة سنتين، وقالت المحكمة إن أسرة أهل “حاسين” قامت بممارسات استرقاقية من قبل، خاصة الابن الأكبر للأسرة المدعو “أحمدو” والذي صدر عليه الحكم بالسجن النافذ سنتين مع غرامة تقدر بـ850 ألف أوقية، كما حكمت المحكمة على بقية أفراد الأسرة المتواطئين مع المتهم بدفع مبلغ مليون أوقية والحبس غير النافذ لمدة سنتين، بما في ذلك “السالكة” أم الأطفال المسترقين.
وردا على قرار الإدانة عبرت منظمة انبعاث الحركة الانعتاقية الناشطة ضد العبودية عن ارتياحها للقرار القضائي، وطالبت بمزيد من الصرامة في التصدي للحالات التي تثيرها المنظمة. وكان رئيس المنظمة بيرام ولد أعبيدي قد اتهم السلطات برفض التعاطي مع قضية الطفل سعيد وأكد أن المنظمة قامت بتحرير الطفل من استعباد أسياده في ولاية لبراكنة بينما السلطات مترددة في محاكمة المتهمين.
واتخذت القضية منحا جديدا حين أعلنت منظمة انبعاث الحركة الانعتاقية عن اعتصام مفتوح أمام مفوضية الشرطة لحين قبول السلطات فتح ملف قضية الاسترقاق. وواصل عدد من الحقوقيين من بينهم رئيس منظمة نجدة العبيد ببكر ولد مسعود، ورئيس حركة الانبعاث من أجل الحركة الانعتاقية بيرام ولد الداه ولد اعبيدي ورئيسة منظمة النساء معيلات الأسر أمنة بنت المختار، اعتصامهم عدة أيام مطالبين باتخاذ إجراءات عملية لإنصاف الضحية ومنحه كامل حقوقه، ومعاقبة مستعبديه وإحضار شقيقه الصغير “يرك” المستعبد لدى الأسرة.
وتحت ضغط المناضلين والحقوقيين والمتعاطفين مع الطفل سعيد استجابة السلطات للدعوة بمحاكمة الأسرة المتهمة باستعباد سعيد وشقيقه، وكان الطفل سعيد قد تقدم في أبريل الماضي بشكوى رسمية مطالبا “بإنصافه وإرجاع حقوقه ممّن استعبده، وكلفه بالكثير من الأعمال الشاقة كان آخرها -قبل هربه- رعي الإبل في مناطق بعيدة”.
وقال سعيد في شكواه إنه كان يعمل منذ أن رأى النور مع من وصفهم بأسياده في رعي الإبل والغنم دون أي تعويض، وكان يتنقل في الصحراء بحثا عن الماء والكلأ رغم صغر سنه، وأكد أن مستعبديه منعوه من التعلم، وحرموه من لقاء أمه وإخوته وأن آخر مرة التقى فيها أمه كانت قبل عامين بالصدفة عندما التقيا في منطقة للرعي وكلاهما كان يرعى الإبل، وكشف أن طريقة “تحريره” من استعباد ملاكه السابقين كانت بالصدفة حين قدم الى قرية “المدن” لسقي إبله، فصادف خالته هناك، التي حثته على المطالبة بحقوقه وساعدته للوصول الى المنظمات الحقوقية.
ويوجه بعض السياسيين انتقادات لاذعة للحكومة بسبب تقاعسها عن مكافحة ظاهرة العبودية التي لم تشهد أي تقدم ملحوظ، رغم استنفاذ مخصصات برنامج مكافحة مخلفات الرق. ويرى المراقبون أن الحكومة لم تتخذ إجراءات حقيقية تكفل لهذه الشريحة العيش الكريم وتصون لها كرامتها حتى لا يضطر الفارون من جحيم ظاهرة الرق إلى العودة لملاكهم الأصليين.
مشاريع لمكافحة الرق
وتقوم الحكومة حاليا بتنفيذ برنامج القضاء على آثار الرق من خلال إنجاز البنى الأساسية والمشاريع الاجتماعية والأنشطة المدرة للدخل وبرامج التمدرس في المناطق المستهدفة بالإضافة إلى تحسيس وتوعية المواطنين المستهدفين وجميع الفاعلين المعنيين حول القانون المجرم للعبودية والمعاقب للممارسات الاستعبادية الصادر سنة 2007.
ويهدف برنامج مكافحة آثار الاسترقاق بصورة عامة الى الحد من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وتقليصها من خلال تحسين وسائل الحياة وظروف استفادة ومشاركة السكان المتضررين من الممارسات التقليدية وبقايا آثار العبودية، وتعزيز مشاركتهم في الحياة النشطة السياسية والاجتماعية، وتعزيز التزام المواطنين في الحد من الممارسات التقليدية وآثار العبودية.