تحقيقات وتقارير

برنامج الحكومة الجديدة .. وطني أم حـزبي

[JUSTIFY]ربما نجح المؤتمر الوطني في دفع الحزب الاتحادي الأصل للمشاركة في الحكومة، وحزب الأمة القومي بصورة غير مباشرة إلا أنَّ الوطني لم ينجح في خلق حالة إجماع وطني لأنَّ اتصالاته لم تشمل كافة الجهات من جانب، وكان لديه موقف حاد تجاه أحزاب أخرى بعينها لأنها صرحت بهدف واضح لا لبس فيه عدم المشاركة والقصد لإسقاط الحكومة سلمياً، وهي في هذا لا تختلف عن بعض القوى المفاوضة والتي عبَّرت عن هدفها التفاوضي بصورة معلنة أنها تريد تغيير النظام من الداخل عن طرق المشاركة وهو أمر يتغاضى عنه المؤتمر الوطني حالياً لكن بالتأكيد لن يغفله مستقبلاً .. من الواضح أنَّ المؤتمر الوطني يحتاج لمشاركة من حجم الأحزاب التي يُطلق عليها كبيرة الآن وهو الذي يتمتع بأغلبية مطلقة حتى سُمى البرلمان ببرلمان الحزب والصوت الواحد، ولكن حكومة القاعدة العريضة كان عرض الحزب الحاكم للقوى السياسية عقب انفصال الجنوب بدولته في مقابل مطالبتها بحكومة انتقالية بدعوى عدم شرعية الحكم بعد انتهاء العمل باتفاقية نيفاشا التي قننت لوضع شرعي مميز لنظام الإنقاذ الذي أتى بالقوة الجبرية.. وقد وفرت له نيفاشا غطاء انكشف بعد رحيل الجنوب عدا العديد من المبررات التي دعت المعارضة للمطالبة بدورة حكم انتقالية لجهة عدم اكتراثها أيضاً بنتائج الانتخابات التي أُجريت في بداية العام الماضي..

المؤتمر الوطني بدا متناقضاً مع نفسه بعرضه لحكومة القاعدة العريضة والتي دعا الأحزاب لمشاركته مائدتها .. لأنه كان صاحب الأغلبية المطلقة في برلمان 2010 بنسبة تغالب (90%) وهو يستدل بشهادات لجان مراقبة عالمية، وهو يؤكد على شرعية حكمه بناءً عليها سواء انفصل الجنوب أم بقى في عهدة الوطن! ولكنه في ذات اللحظة يجري وراء القوى المعارضة لمشاركته الحكم بدافع تأكيد اللحمة الوطنية، والتأكيد على ضرورة تماسك الجبهة الداخلية، ومواجهة تحديات ما بعد الانفصال .. (ما علينا) الآن وقد حقق المؤتمر الوطني مراده بمشاركة الاتحادي الأصل السلطة جرياً على قوله بتحديات تمر على الوطن، بمعنى أنها مشاركة لأجل القضايا الوطنية، التي تفرض على كل القوى الوطنية المشاركة .. ونوعاً ما انتقل حزب الأمة القومي للمنطقة الرمادية فلا هو يشارك ولا هو يعارض ! وستفرض عليه اليوميات السياسية قدراً كبيراً من الموازنة بين الأجندة الوطنية والمواقف التي تفرض نوعاً من المواجهة مع السلطة.. وهو يشارك بصورة جزئية (منصب مساعد رئاسي) وقد برر العقيد عبد الرحمن المهدي مشاركته بدواعٍ وطنية.. في وقت أضحت الوطنية لباساً يتدثر به كل من أراد المشاركة، وكأن الوطنية دثار المشاركين دون المعارضين..!

هذا اللجاجة بكل تأكيد ستأتي بفرز جديد في الساحة السياسية من جانبي المعارضة والسلطة حيث من المتوقع جداً أن تعيد المعارضة هيكلتها من جديد بعد خروج واقعي شمل الاتحادي الأصل والأمة القومي من دسك الممانعة إلى مائدة الحوار السلمي مع المؤتمر الوطني في الحين الذي اتخذ فيه تحالف المعارضة إستراتيجية إسقاط النظام يقول إنه سينتهج فيها وسائل سلمية ولكن هذا لا يمنع قيامه بالتنسيق مع الجبهة الثورية الجديدة التي تعتمد أسلوب المعارضة المسلحة وتغيير النظام بالقوة لا غير وهو يجمع الحركات المسلحة، وبقايا جيش قطاع الشمال .. ومن الضروري أنَّ هذا الفرز يشمل حزب الأمة الذي سيسلك نهج المعارضة واللا معارضة؟! ويمكن رسم صورة تقريبية على نحو ما تماثل الواقع السياسي الجديد في سودان ما بعد الانفصال .. حزب حاكم.. حاكم مشارك .. مشارك غير حاكم .. لا مشارك لا حاكم .. لا معارض.. في مقابل حزب معارض .. معارض سلمي .. معارض حربي..

لكن إذا وجهنا التركيز على المشاركين ومدى تأثيرهم على محصلة الكتلة الحاكمة أو المتحكمة ؟ ومساحة المشترك والمختلف فيه ؟ وقدرة الحزب الاتحادي الذي أوجد المخارج قبل المداخل مما أسفر عنه ! الأمر سيجعل منه حزباً مشاركاً لا موالياً كما هو عهد المؤتمر الوطني مع الكيانات التي قاسمته السلطة بصورة مجازية أنها تبع لسياساته دون اكتراث لبرنامج سياسي يجعلها في خانة النظير المكافئ ! والاتحادي أو الوطني لم يفصحا حتى الآن عن برنامج الحكومة الجديدة وأولوياتها الآن وغداً؟ ومدى قدرتها على تحقيق ذلك؟ وهي مسألة جوهرية للرأي العام، ولقواعد الحزبين هنا وهناك! حتى لا تنتج المشاركة الاتحادية حزباً مشاكساً أو حزباً موالياً..

بات من المهم اليوم هو تحديد الحزب الحاكم ومشاركيه برنامجاً واضحاً ومحدداً للحكومة الجديدة ليس بالضرورة أن يكون برنامج المؤتمر الوطني ولا برنامج الاتحادي أو الأمة وإنما برنامج مرحلة تأخذ في الحسبان المستجدات على الساحة السياسية ويجلجل بقوة دافعة لمقاومة تحديات عاتية تتمثل في إعادة تموضع الدولة وهيكلتها ورسم خطاها الدستورية التي ينبغي أن لا تستثني أحداً صاغراً أم كابراً؟ في دولة تعتبر نفسها على خطى أسس جمهورية جديدة.. حزب الأمة القومي كان واضحاً في ذلك حيث طرح أجندة وطنية تصلح أن تكون برنامج عمل لكن سقفها كان عالياً لم يحتمله المؤتمر الوطني في الوقت الراهن.. لكن من الجيد أنه لم يقطع خط اتصاله بالحزب الحاكم .. ويبقى من الضروري أن يغيَّر المؤتمر الحاكم نظرته للأشياء ويعيد نفسه وفق ترتيبات قد تقتضي الذهاب إلى انتخابات مبكرة تسهم في تعزيز اللحمة الوطنية، وربما تكون حلاً لكل إشكالات عدم الثقة بينه وبين المعارضة لأن أسلوب إدارة البلاد في الفترة الماضية أنتجت أزمات أكبر وأعمق مما كانت من قبل، وهذه حقيقة موضوعية ينبغي أن يخضع الوطني لمنطقها، ويعمل بمساندة المعارضة المعتدلة بالخروج بالبلاد من مستنقعها.. مما يرسخ لممارسة سياسية راشدة لا تستجدي الشعارات وتلوكها بفجاجة تهزم كل الفرص المواتية للبلاد للخروج من وهادها .
[/JUSTIFY]

بقلم: طارق المغربي
صحيفة الرأي العام

تعليق واحد

  1. [CENTER][FONT=Simplified Arabic][SIZE=4]للأسف خلصنا من الجنوبيين جونا الاحزاب، متين تكون حكومة وطنية بمعنى الكلمة لا حزبية[/SIZE][/FONT][/CENTER]