تحقيقات وتقارير

(الناسور البولي ) الكابوس المرعب ..

[JUSTIFY]هو إبتلاء .. يأتي متدثراَ بكل خصوصيته ، فيصيب فئة من النساء يسرق الفرح ويحول طقس الايام الى جزر شوكية ، تاركا سفينة الحياة تتأرجح بين امواج الضنى المتلاطمة تتقاذفها الاسئلة وتسيطر على دفتها الحيرة ، فعندما ينساب الليل بين اوتار الشجون تتداعى الآهات فيسقط الدمع على وسادة بيضاء يقص رحلة داء اسمه (الناسور البولي ) . (الرأي العام ) افردت الاشرعة وابحرت في محيط ذلك المرض فخرجت بالآتي..
صناعة الفرح ..
رست سفينة البحث والتقصي على شاطئ مستشفي الخرطوم التعليمي، فقصدنا العنابر الموجودة بـ(مركز أبو للناسور ) فكان المشهد.. نساء تتراوح اعمارهن بين (18- 30) عاما ، يرمقن الافق بنظرات ملئة بالحزن ، وانفس تحبس بداخلها وجع السنين ، وجوه حائرة تتكئ على عصا هشة تمضي باحثة عن قنديل يضئ لها سكة الخلاص ، ولكنها ريشة القدر رسمت لوحة المصير فإتسمت ملامح الحياة بالضياع ، فقدن الانتماء الوجداني وبقى هاجس الشفاء يشغل الدواخل ، مرت على بعضهن سنوات تميزت بهجران الاهل والزوج ، فالاحساس بالوحدة كان دافعا قويا لخوض معركة مع المرض للوصول الى بوابة الاستشفاء ودائما ما يتسم امل الفوز بالمعركة بالضعف الشديد ، ولكن رغم اغصان الحزن المترامية يحاولن مقاومة المرض فتخرج منهن إبتسامة باهتة تتحسس الوجود في محاولة يتسرب منها الاطمئنان الى ارواحهن ، فيساعد بعضهن البعض وتزيح كل مريضة العناء عن الاخرى ، عنابر المركز تتزاحم بأطياف من الاصابات ولكل حالة حكاية مختلفة .
جلسنا اليهن نتلمس الاصابة ، المريضة (حسينة حسين ) (22) عاما من مدينة الدمازين وام لطفلين، تصارع المرض بكل ما اوتيت من قوة من اجل ابنيها مرت عليها خمس سنوات وهي طريحة الفراش بسبب داء (الناسور البولي ) الذي اصابها نتيجة تعسر في الولادة بطفلها الثالث الذي لم يعش ولو لساعة واحدة ، ظلت خلال تلك الفترة (تتبول لا إراديا ) ليلا ونهارا ، وطوال مسيرة مرضها لم تخضع لاجراء عملية جراحية إلا قبل ايام فقط ، حظيت بتعاطف مشهود من الاهل والاحباب ، ولكن هناك احساسا مخيفا يعشعش فى اعماقها فهى تشعر بالعجز وعدم الفائدة وان وجودها يعرقل حياة المحيطين بها ولا تمانع في ان تبقى بالمركز طوال الحياة شريطة ان لا يفارقها المعارف والاهل.
وبعيدا عن كل التوقعات .. تعاني المريضة حليمة (21) عاما من الظلم الذي لحق بها وادى الى طلاقها. فقد داهم المرض حياتها في اول ولادة لها بعد الزواج وكان ذلك قبل ثلاث سنوات ، عانت معاناة شديدة اثناء الولادة فقدت على اثرها الجنين وبعد ايام بدأت تشعر بآلام قاتلة فنقلتها الاسرة الى المستشفى حيث وجد الاطباء ان هناك ثقبا في المثانة لم يتمكنوا من معالجتها لخطورة حالتها ، فاصيبت بإنبهال في (البول ) دون تحكم ، وبعد عام من تنويمها في المستشفى فارقها الزوج هربا في الوقت الذي كانت بحاجة لعطفه ومساندته لها ، وبعد اسبوع من الهروب علمت بزواجه من اخرى وإنقطع تماما عن زيارتها الى ان فاجأها بورقة الطلاق، ولكن الهم الثقيل الذي تحمله بسبب الداء الذي ألم بها مبكرا لم يترك مساحة للتفكير في اي شئ. فالبال مشغول بالنجاة من ( الناسور ) وحسب ، الحالات كثيرة ومؤلمة ويكفي ان نعلم ان الناسور اصبح من اخطر الكوابيس التي تهدد استقرار النساء وتنزع النوم من جفونهن .
داء قاتل..
لملمنا خطانا ودلفنا ابوابا اخرى فإنطلقت الاستفسارات عن انواع واسباب واعراض المرض. فإلتقط سهم الكلام بروفيسور ابو حسن ابو اختصاصي النساء والتوليد والمسالك البولية و(الناسور البولي ) واستاذ مشارك باكاديمية السودان للعلوم الطبية ،فاخذنا في فذلكة تاريخية بدأها بتعريف علمي للمرض ، فهو عبارة عن إختلاط القناة البولية بالجهاز التناسلي بحيث يكون خروج (البول ) في غير موضعه الطبيعي وذلك عن طريق المهبل من غير تحكم المريضة فيه مما جعل منه مشكلة مرضية واسعة الانتشار ، عانت منها المرأة السودانية منذ القدم دون ان يتم اكتشاف دواء له ، فالمرض بحسب إنتشاره يوجد في المجتمعات التي تنعدم فيها التوعية الصحية والخدمات الطبية ، واردف بالقول : في خمسينات القرن الماضي عانت النساء من المرض بصورة مؤلمة حيث كان الاطباء يمرون على قسم الناسور القابع وقتها بمستشفى امدرمان التعليمي مرور الكرام دون إيلاء المريضات اي إهتمام ، وكان النفور هو القاسم المشترك بين الجميع فتمكث المريضة سنوات طويلة قد تصل الى العشرين عاما يجبن عنابر المستشفي بحثا عن علاج وبعد طول إنتظار تفارق الحياة ، فقسم الناسور كان من الاقسام التي لم تحظ بإهتمام الاطباء ولم تمنحها الدولة اهمية.
ومضى بروف ابو في الحديث مشيرا الى ان المرض متفشٍ ويصيب النساء فقط من عمر (12- 30 ) عاما وقد تحدث فيه الوفاة بنسبة (90%) للام والجنين معا ، وهو متعدد الانواع منه الناسور الذي يحدث نتيجة وجود قناة الاتصال بين الرحم والمثانة البولية ، أو بين المثانة وقناة الرحم ، او بين المثانة والمهبل ، او المستقيم والمهبل وغيرها من الانواع ، واسهب د.ابو في الحديث موضحا ان عسر الولادة وضيق الحوض يشكلان اسبابا مباشرة في حدوث المرض بجانب ذلك اشار اختصاصيو نساء وتوليد آخرون الى وجود اسباب اخرى تؤدي لحدوثه ، منها وجود عيب خلقي في اصل تكوين الجهاز البولي او لإرتباط عيوب اخرى في الجهاز التناسلي او لاسباب جراحية نتج عنها حدوث ثقب او قطع في القناة البولية متمثلا في الحالب يؤدي بعدها الى تسرب البول عبر المهبل، وهذا النوع تظهر اعراضه بعد العملية مباشرة حيث تشعر المريضة بإبتلال ملابسها ، واحيانا قد يحدث بسبب اختلاط بين قناتي البول والتناسل الناتج عن مرض السرطان مثل سرطان عنق الرحم الذي يؤدي الى تآكل الغشاء الفاصل بين القناتين ، وواحدة من الاسباب تعرض المريضات لجلسات العلاج الاشعاعي لفترة طويلة اذ يؤدي الاشعاع الى قتل الخلايا في الغشاء الفاصل ومن ثم يحدث ثقب ، وفي احيان اخرى يحدث المرض نتيجة التهاب مزمن بمرض البلهارسيا او السل الذي يصيب احدى القنوات ، واتفق الجميع على ان المرض يصيب الفتيات صغيرات السن وهو منتشر في المناطق النائية التي لا تتوافر فيها الخدمات الطبية اللازمة وتنعدم فيها نسبة الوعي الصحي ، واكثر ما يوجد هذا النوع من الامراض في مناطق غرب السودان وتحديدا اقاصي دارفور او مناطق وجود العرب الرحل وذلك لتوغلهم بعيدا عن الخدمات الصحية وتعتبر الحامل البكر في حملها الاول اكثر النساء تضررا .
عزلة وحرمان..
وفي عودة الى حديث بروف.ابو ، نجد ان اعراض المرض تتمثل في شعور المريضة بخروج سائل مائي من المهبل بعد اجراء عملية الولادة بـ(6- 7) ايام مع ظهور آلام شديدة ومستمرة بالبطن وحدوث خمول وسخونة في الامعاء ، وللاستشفاء تخضع المريضة لاجراء العديد من العمليات الجراحية والتي قد تصل لحوالي (8) عمليات وفي كثير من الاحيان توجد حالات يصعب اجراء عمليات لها، فتظل المريضة تعاني شر المرض طوال سنين حياتها ،وفي هذه الحالة تلجأ الى الهروب من المنزل أو انهاء حياتها بالانتحار كما يحدث في الصومال، حيث تقوم مجموعة من المريضات بربط انفسهن بواسطة حبل وحجارة ويقذفن بانفسهن في المحيط الهندي ، ويرى ان الحل الجذري للقضاء على المرض يتمثل في ثلاثة طرق هي وجود قابلات قادرات على تشخيص عسر الولادة ، ووجود مركز ولادة مجهز في كل محلية تقوم القابلة بتحويل المرأة الحبلى اليه في الوقت المناسب لاجراء عملية ولادة قيصرية ، ووجود اطباء يشخصون منذ وقت مبكر تعسر الولادة ، ويجرون عمليات قيصرية دون الوقوع في اخطاء تجلب فيما بعد العديد من الكوارث بسبب الاهمال، وحمل مسؤولية انتشار المرض الى القابلات واعتبر ان القابلات في الوقت الراهن (قابلات حله وحلى وحبل ) وتنقصهن الخبرة والخطورة في ان بعض القابلات يشجعن البنات على الولادة عندهن ? أي- داخل الاحياء دون معرفة الآثار الجانبية التي تحدث.
وانتقل بروف ابو ليكشف عن الآثار النفسية المدمرة التي تتعرض لها النساء المصابات بالناسور حيث يشعرن بالعزلة وعدم الرغبة في وجودهن وتدريجيا يتخلى عنهن الاهل وحتى داخل المنازل يتعرضن الى سوء المعاملة بعزلهن بعيدا عن افراد الاسرة بسبب رائحة السائل المائي مما يتسبب في سوء الحالة النفسية فتراودها الافكار للتخلص من الحياة باية وسيلة ، واعداد كبيرة من المريضات يتعرضن للطلاق بعد الاصابة بفترة قصيرة . وذكر ان حجم عمليات الناسور خلال ست سنوات فاقت الـ(350) عملية بنسبة نجاح (70%) واحيانا تتكرر العملية لاكثر من مرة نسبة للفشل الذي تسببه قلة الامكانيات وتدريب الكوادر الطبية ، وحول الدور الذي يقوم به مركز ابو بمستشفى الخرطوم اوضح : ان المركز يضم خمسة اختصاصيين يقفون على علاج مريضات الناسور. ونسبة لخطورة المرض واهمية وجود المركز سوف يشهد مطلع العام القادم تحويله الى مركز لتدريب الاطباء الوطنيين والاجانب على كيفية علاج المرض، وذلك بالتعاون بين جمعية الاختصاصيين البريطانيين والجمعيات التخصصية للنساء والولادة ، حيث تجري الآن كافة الاستعدادات لتجهيز الطابق العلوي الذي سوف يتم استغلاله للتدريب، وبالتالي سيتم عدم منح اي اختصاصي شهادة تخصص ما لم يمر على قسم الناسور البولي ويتعرف على المرض واسبابه وطرق علاجه ،واشار الى ان المركز يحتاج الى الدعم لزيادة العنابر وتحويل الساحة الخارجية التي ينتظر فيها اهل المريضات لأشهر الى استراحة تكون صالحة للانتظار بدلا عن افتراش الاسر الارض لسنوات طويلة ، داعيا وزير الصحة الولائي الى زيارة المركز والوقوف على معاناة مريضات الناسور واسرهن والعمل على ايجاد وسائل للدعم .
من جانبه ابان دكتور عبد الرحمن علي الطيب رئيس مركز ابو القومي للناسور ان المركز يستقبل الحالات القادمة من كل انحاء السودان ويقوم بتقديم خدمات علاجية مجانية للمريضات ، وحسب المؤشرات يحتوي المركز على عنبرين سعة العنبر المخصص للانتظار (26) مريضة تبقى المريضة فيه لمدة شهرين في انتظار دورها للجراحة ثم تنتقل بعدها للعنبر المخصص لما بعد العملية وهذا يسع لـ(12) مريضة ويتراوح متوسط الحالات التي يستقبلها المركز شهريا بين (60-80) حالة قد يصل عدد الحالات الى ( 300 او400) حالة في العام الواحد ، بواقع اجراء عملية واحدة في اليوم لصعوبة الجراحة في هذا المجال ، وضم د. عبد الرحمن صوته الى الحديث السابق بالدعوة الى ضرورة رفع الوعي باهمية رعاية الحامل وتوفير المؤسسات والخدمات الصحية في مجال معالجة الداء.[/JUSTIFY]

تحقيق : إنتصار فضل الله
صحيفة الرأي العام

تعليق واحد

  1. [SIZE=7]دي شنو البلاوي دي
    قايتو الحمد لله انو الله خلقنا رجال مش نسوان
    الخمد لله الزي عافانا مما ابتلى به النساء[/SIZE]