[JUSTIFY]
عندما إندلعت أحداث الثورة الشعبية في سوريا بقيادة المعارضة السورية التي يمثل تنظيم الأخوان المسلمين السوريين رأس رمحها الرئيسي ، أربكت هذه الثورة حسابات الربح والخسارة للعديد من الدوائر العربية والإقليمية والعالمية، وأربكت كذلك حسابات العديد من الدول على رأسها أمريكا وإسرائيل وكل دول الإستعمار الغربي التي أدخلتها هذه الثورة في تعقيدات أوشكت أن تطيح بعقلها ،حيث ظلت الدول الغربية وأمريكا وبدفع من إسرائيل تقود عداء سافراً ضد سوريا بإعتبارها الحليف الأكبر لإيران ،وبإعتبارها أحد أكبر دول الممانعة العربية التي تغذي حركتي حماس وحزب الله وكل أحزاب المقاومة العربية ، حيث كانت الدول الغربية وأمريكا وهي تقود عداءها ضد النظام السوري كانت تهدف إلى إضعاف النظام بغرض محاصرته وتطويعه لفك إرتباطه وتحالفه مع النظام الإيراني أو على الأقل الإطاحة به لصالح نظام آخر علماني حليف للغرب وفق موازنة تحفظ مصالح إسرائيل والغرب في المنطقة العربية ،حيث لم يكن الغرب وأمريكا يتوقعون أو يرغبون في أن يتم تفكيك نظام الأسد لصالح أي نظام إسلامي سيكون عدواً إستراتيجياً شرساً ضد النظام الصهيوني ،وضد المخططات الغربية في المنطقة -أي – أن الغرب وأمريكا لم يكونوا حريصين وفق مفاهيمهم لإستبدال شر بشر أكبر منه ، وهذه التوقعات بإحتمال سقوط سوريا في أيدي الإسلاميين هي التي تجعل الغرب وأمريكا يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى تجاه الأوضاع في سوريا، رغم الضجيج الذي يقوده الإعلام الغربي والذي لا يعكس حقيقة نوايا الغرب وأمريكا تجاه سوريا، خاصة أن أمريكا والغرب قد تجرعوا الحنظل من تفكيك نظام الرئيس صدام الحسين الذي أسقط العراق في أيدي الشيعة حلفاء إيران ،لتحصد أمريكا خسراناً كبيراً إستبدل عدواً بعدوٍ أشرس وأخطر ، ونفس هذه التعقيدات والحسابات المربكة التي وقعت فيها أمريكا والغرب كانت الجامعة العربية وجدت نفسها داخل مرجلها وهي تدفع بنفسها لإحتواء الأزمة في سوريا ،حيث كانت الجامعة العربية عقب الثورات العربية قد إكتسبت بعض القوة وبعض الإستقلالية خاصة عقب زوال نظام حسني مبارك الذي كان يجر كل آليات الجامعة العربية لتكون قريبة من المواقف المصرية المتحالفة مع الصهيونية ، ولذلك إندفعت الجامعة العربية بقوة نحو الأزمة السورية وهي تسعى لإحتواء الأزمة وهي في نفس الوقت تتحاشى الوقوع في خطئها السابق الذي سمح بتدويل قضية العراق والذي قاد لاحقاً إلى تدميره لصالح المشروع الصهيوني ومن ثم تسليمه مفككاً ولقمة سائغة لصالح المشروع الشيعي المتحالف مع إيران ، لذلك وحتى لا يحدث في سوريا ما حدث في العراق كانت الجامعة العربية تتحرك بحذر بالغ وتمشي بخطى متثاقلة نحو الأزمة وهو ما يفسر بطء تحرك الجامعة العربية وترددها تجاه الأزمة السورية الذي تشكو منه المعارضة السورية ،كان السودان من أكبر الدول العربية التى وجدت نفسها أمام ورطة كبيرة جراء الازمة السورية .حيث وجد نفسه أمام موازنة غاية في الصعوبة وقمة فى التعقيد ،حيث ظل النظام السوري من الحلفاء الدائمين والداعمين له في معظم المنظمات الإقليمية والدولية في ذات الوقت الذي وجد فيه السودان نفسه متعاطفاً مع المعارضة ذات النفس الإسلامي بسبب صلة القربى الإسلامية أو على الأقل وجد السودان نفسه رافضا للقمع المُفرط الذي تمارسه السلطات السورية ضد المعارضة ،وهو ما دفع السودان مؤخراً للتناغم مع المواقف العربية الرافضة لتعامل السلطات السورية مع حركة الثورة المعارضة ، وإلى هنا كان يمكن للسودان أن يكتفي بهذا الموقف الذى يعتبر كافيا وزيادة والذي برره السودان بأنه جاء بعد أن رفض النظام السوري النصائح السودانية المخلصة التي أسداها للنظام السوري لحلحلة الأوضاع ، وكان هذا الموقف كافياً جداً لو كانت دبلوماسيتنا رؤية أعمق من الخبرة ،لأن أي تمادي من السودان في الزج بنفسه والتورط داخل لهيب الأزمة السورية والتوغل عميقاً في تعقيداتها يُعتبر مخاطرة دبلوماسية غير مأمونة العواقب ،خاصة في ظل موافقة السودان المتعجلة على رئاسة بعثة المراقبة العربية الذي يعتبر خطأ إستراتيجياً فادحاً من جانب السودان الذى أصبح يسعى برجليه نحو أعشاش الزنابير ،بل إنه يعكس جانباً من ضعف الخبرة حيث كان الأولى بالسودان أن يبعد نفسه تماماً عن تداعيات هذه الأزمة وألا يقبل أن يكون جزءاً من أي لجان تحقيق لتقصي حقائقها ، وبالتالي كان الأوفق للسودان ألا يقترب من مثل هذه اللجان دعك عن التصدي لتولي رئاستها. لأن هذه اللجان مهما كانت محايدة ستخسر نصف الشعب السوري بل إنها قد تخرج بتقرير قد لا يكون محل رضاء لكل الأطراف وبالتالي قد تخسر هذه اللجنة كل الشعب السوري في طرفيه الحكومي والمعارض وستمتد هذه الخسارة إلى مجموعات من الدول والشعوب العربية والإسلامية التي قد تكون متعاطفة مع هذا الطرف أو ذاك ، هذا بالإضافة إلى أن صورة السودان ما زالت من وجهة النظر الغربية هي نفسها متهمة بإرتكاب جرائم، على الرغم من أن كل تلك الإتهامات التي وجهت ضد السودان كانت إتهامات مفبركة وكاذبة دفعتها الآلة الإعلامية الصهيونية ، إلا أن هذه الإتهامات قد خلقت تشويشاً وتشويهاً كبيراً في صورة السودان وسط كثير من شعوب العالم المضللة والتي تجهل حقيقة ما يجري في السودان .ولذلك فإن تصدي السودان لمثل هذه اللجان يضعه في موضع المقابلة والمقارنة المفضية إلى السخرية خصوصاً وسط العديد من الشعوب الغربية والأفريقية التي تصدق كل ما تقوله حكوماتها ،ولذلك لم تكن هناك أية ضرورة دبلوماسية أو سياسية لوضع السودان في هذا الموضع الحرج ، ولذلك يصبح الواجب العاجل الإستقالة من رئاسة هذه اللجنة قبل أن تتوغل في عملها ،وقبل أن تورط البلاد في تعقيدات ، هو غنى عنها لأن محصلتها النهائية ستمثل مزيداً من النزيف فى علاقاتنا الخارجية خاصة على ضوء التصريحات الروسية والامريكية حول نشاط اللجنة الامر الذى سوف يضعنا تحت نيران المعسكرين الدوليين المتنازعين تجاه الأزمة السور ية، هذا إذا لم يصب الحجاز بعكاز[/JUSTIFY]
الراي العام – عبدالهادي عبد الباسط