رئيس مفوضية مراعاة حقوق غير المسلمين في العاصمة: السياسيون أوصوا بالتسامح والمرونة ولكن القانون لا يعرف التسامح!
? لنبدأ بالجدل الاخير حول «الزي الفاضح».. والذي أثار لغطاً كبيراً بالشارع العام.. ما مفهوم المفوضية للزي الفاضح.. وعلاقتها بشرطة أمن المجتمع؟
* هنالك مشكلة في تحديد الزي الفاضح من غيره.. وفي اعتقادي أن المجتمع هو الذي يحدد ما إذا كان الزي فاضحاً أم لا.. فمثلاً هنالك بعض المسلمات لا يغطين رؤوسهن في الوقت الذي يعتبر فيه غطاء الرأس «علامة او اشارة» اسلامية.. والسؤال هنا هل يكون عدم ارتداء «الطرحة» زياً فاضحاً؟ المجتمع الغربي ليس لديه قيود اجتماعية فالمرأة تلبس ما تشاء وهو شيء عادي بالنسبة لهم.. لكن بالنسبة لنا فإن الزي المخصص للمرأة لارتياد أحواض السباحة يعتبر زياً فاضحاً ولا يلائم أخلاقنا ومجتمعنا.
? في رأيكم هل يختلف الزي الفاضح من مسلمة لغير مسلمة؟
* لا نفرّق في حديثنا عن الزي الفاضح بين المسلمة وغير المسلمة.. ويمكن تعريفه بأنه الزي الذي يظهر مفاتن المرأة والآن الشرطة هي التي تقرر الزي الفاضح من غيره ولا يفترض أن يكون الأمر كذلك.. بل يفترض أن يكون لدى الشرطة علاقة بأسر الفتيات اللاتي يلبسن مثل هذا الزي كما يجب أن لا يتم التعامل مع الأمر كجريمة بل يتم لفت نظر الفتاة وأسرتها.
? علاقتكم بأمن المجتمع؟
* اجتمعنا مع المسؤولين في شرطة أمن المجتمع وتوصلنا لاتفاق ان يكون التعامل مع من يرتدين هذا الزي غير عنيف وهم أكدوا لنا أن ما يحدث مجرّد لفت نظر ولا تمتد العقوبة للجلد او السجن كما يحدث اتصال بأولياء الامور لتنبيههم.. ونحن نرى أن المجتمع هو الذي يحل هذا الإشكال.
? كيف؟
* لدينا مقترح بأن تتكوّن لجنة من كبار علماء المسلمين والمسيحيين وعلماء المجتمع لتحديد الزي المناسب لبناتنا دون التفرقة بين مسلمة وغير مسلمة .. (وضرب مثلاً بالقول).. حضر سلطان من بور وأقام له أحد الوزراء دعوة غداء ودار نقاش حول زي المرأة وكان رأي السلطان أن المرأة لا يفترض أن ترتدي بنطلوناً مثل الرجل لانه يعتقد أن البنطلون يجعل المرأة مثل الرجل.. لذلك ننصح أن يهتم المجتمع بالزي المحترم وأن يتم تحديد الزي المناسب للمرأة من قبل المجتمع والاسر.
? المفوضية وشهر رمضان؟
* رفعنا توصية باكراً لرئاسة الجمهورية والولاية نطالب فيها بأن لا يدفع أصحاب الكافتريات رسوماً إضافية في رمضان.
? هل استلمتم شكاوى بهذا الخصوص؟
* أرسلت مدير مكتبي لمدن العاصمة الثلاث الخرطوم والخرطوم بحري وام درمان ولم تصلنا اي شكوى في رمضان غير شكوى شفاهية ناتجة عن الرسوم التي فرضتها السلطات وهي أمر ليس لدينا سلطة عليه لأنها أوامر محلية.
? هل سألتم عن سبب رفع الرسوم؟
* قيل لنا إن أعداد المحلات التي تعمل في مجال الأطعمة في شهر رمضان قليل والاقبال عليها كبير لذلك تفرض عليها رسوم اعلى.
? انواع الشكاوى التي تلقتها المفوضية حتى الآن؟
* هنالك شكاوى من الكنائس ان المنهج المسيحي لا يدرّس في المدارس الحكومية لذلك فإنهم يطالبون بتدريس منهج الدين المسيحي في المدارس الحكومية وأن تدفع الحكومة مرتبات المعلمين والمعلمات.. وهنالك شكوى من ان المنهج على وجه العموم يأخذ الصبغة الاسلامية حتى في مناهج التاريخ نجد خلفية اسلامية، واذا لم يذاكر الطالب هذه الخلفية الاسلامية فلن ينجح،اضافة الى ان وزارة التعليم العالي لا تعترف بالشهادات التي تأتي من الكليات اللاهوتية أو تدرس الدين المسيحي فهنالك كلية كاثوليكية في كافوري وكلية اللاهوت في بحري وهؤلاء اتو بشكاوى بهذا الخصوص ولكن الوزارة لا تعترف بهذه الشهادات ولا تعترف بالمعلمين الذين تخرّجهم هذه الكليات. واذا تم الاعتراف بهم يمكن ان يتم استيعابهم كمعلمين في المدارس وهذا يحل اشكالية المعلمين المؤهلين.
? هل وصلتكم شكوى من تطبيق الشريعة الاسلامية؟
* الى الآن لم تصلن شكوى بهذا الخصوص سوى ما حدث في العام 2005م عندما كسر احدهم دكاناً وقام بسرقته وتم الحكم عليه بقطع اليد والرجل «حكم حدي».. وقام الرجل بالاستئناف ولكنه خسره فقمنا من جانبنا بكتابة توصية لرئيس الجمهورية نلتمس فيها عدم تطبيق الحكم الحدي. وجاء الحكم بأن الرجل قضى 5 سنوات داخل السجن وهي كافية كعقاب.. وهنالك شكاوى اخرى ليست منتشرة على نطاق واسع
? مثل؟
* مثل تطبيق الشريعة في حالة الطلاق، حيث وصلتنا شكوى من امرأة متزوجة من مسلم ولديها ثلاث اطفال، وطالب اهل الزوجة الزوج بدفع المهر حسب التقاليد والاعراف ولكن المحكمة قضت بأن يأخذ الاطفال في حضانته. وفي التقاليد ليس لديه حق في اخذ هؤلاء الاطفال إلا بعد ان يدفع المهر لأهل الزوجة، واستأنفت الزوجة وخاطبنا المحكمة بأن هذا الحكم ليس عادلا ولا يراعي العادات والتقاليد التي تقضي بأن يدفع الاب لاهل زوجته ابقاراً وبعدها يصبح بإمكان الاطفال ان يكون لديهم اخوال واعمام ويصبح الزواج قانونياً. وهنالك قضية اخرى لرجل مسلم انجب من فتاة غير مسلمة «دون زواج» وولدت له ولداً وقام الوالد بأخذ الطفل وعمره 5 سنوات وحرم أمه وأخوله من الاتصال به أو رؤيته ووضع الولد تحت حمايته.
? وما هو دور العادات والتقاليد في هذه القضية؟
* الوالد لم يدفع ما نصت عليه التقاليد واصبح هنالك جدل، فمن الناحية الاسلامية المرأة غير متزوجة والطفل «ابن غير شرعي» لا يفترض ان يحتفظ به اما غير المسلمين فيقولون ان الوالد يجب ان يدفع لاهل المرأة ليكون للطفل علاقة بأمه واخواله كما يكون لديه علاقه بامه وابيه. والقضية الى الآن لم يحكم فيها والطفل الآن عمره 10 سنوات.
? ألا توجد طريقة أفضل لحل مثل هذه القضايا؟
* أصدر رئيس القضاء أمراً بأن أي محكمة يكون أحد أطرافها غير مسلم يكون في عضويتها أحد السلاطين حتى يمد المحكمة بالأعراف والتقاليد.
? دور المفوضية هل عكس المشاكل فقط ورفع توصيات لها، أم ايجاد حلول لها مع العلم ان هنالك اشكالات عميقة مثل اشكالات مناهج التعليم التي حسب ما فهمت منكم تتطلب تعديل المناهج على اقل تقدير إن لم نقل ايجاد منهجين لمادة واحدة؟
* تحاول المفوضية الاتصال بالجهات المختصة مثل وزارة التربية للبحث في الأمر وايجاد فرص لتعليم هؤلاء الطلاب لكنها لا تتدخّل في القرار السياسي فالحكومة الموجودة الآن أتت وفقاً لاتفاقية السلام بين الجانبين التي أقرت تطبيق الشريعة في الشمال بكامله بما في ذلك المدارس أو غيره ونحن لا نستطيع أن نجبر الحكومة في الشمال على تغيير المناهج ولا نستطيع اجبار ايٍّ من الطرفين على ذلك ولكننا نترك السياسيين لفعل الشيء الجاذب لوحدة السودان.
? بمعنى أنكم ترفعون توصياتكم فقط؟
* نعم، فالمفوضية ليست جهازاً تنفيذياً وأنا مثلاً كان لديَّ رأيي في أن يتعلم أولادي اللغة العربية بشكل جيد لذلك الحقتهم بمدارس المجلس الأفريقي الإسلامي وتركتهم يدرسون القرآن كمادة على ان لا يتم اجبارهم على اداء العبادة والصلاة مع المسلمين، وفعلاً درس اولادي المرحلة الابتدائية ونجحوا في اللغة العربية التي اصبحت مشكلة لدى الكثيرين.
? في الفترة الاولى لانشاء المفوضية تحدثتم عن سعيكم لانشاء نظامين قانونيين للتعامل مع المسلمين وغير المسلمين بالتعاون مع الجهات ذات الصلة؟
* نعم، فالقضاة والنيابات والشرطة يفترض أن يكون لديهم كورسات لتعريفهم بقوانين غير المسلمين المستمدة من العادات والتقاليد والتي يتم الفصل في القضايا وفقاً لها، وتوصلنا في ورشة العمل التي نظمناها الى ان يستمر العمل بالقوانين الاسلامية وسيصدر رئيس القضاء مناشير لتسهم في حلّ قضايا غير المسلمين في غير القضايا الجنائية. فهنالك قوانين قد تنطبق على الجميع وهنالك قضايا اخرى يجب على القاضي او وكيل النيابة او الشرطة الاتصال بالجهات المختصة.
? مثل؟
* هنالك قوانين يجب فيها الاتصال بالمختصين مثل جرائم السرقة ومثل قضايا الزواج التي ذكرتها سابقاً، والتي لا تحل لدى المجتمع غير المسلم بالسجن او الجلد ولكن يمكن علاجها بأن يدفع الرجل 4 بقرات مثلاً والبقرة تعادل 500 ج.
? في العام الماضي اطلقت السلطات سراح 1005 سجناء أغلبهم من النساء ومن بينهم 158 طفلاً، وكانت هنالك اشكالية ان اغلب النسوة يعملن في صناعة الخمور وقد وعدت المفوضية بايجاد حلٍّ جذري للإشكال بتمليك هؤلاء النسوة وسائل انتاج، هل تم هذا الشيء؟
* لم تحل المشكلة ولم نقطع فيها شوطاً كبيراً، اعددنا الدراسة وتصور الميزانية التي نحتاجها ولكن الاشياء الحكومية تسير ببيروقراطية وبطء، وقد التقينا الاسبوع الماضي بنائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه وناقشنا معه الامر وهو من جانبه اعطى تعليماته للمجلس القومي للتعليم الفني والتقني باستيعاب الفئات التي تحتاج الى تدريب في كافة المجالات ولدينا لجنة تعمل الآن علي حصر أعداد المستهدفين لإدخالهم في هذه الكورسات التي تكفل لهم سبل العيش الكريم.
? وهل توجد فرص عمل لاستيعابهم بعد التدريب؟
* بعد التدريب ستواجهنا مشكلة ايجاد فرص للعمل، وهذه مشكلة تحاول المفوضية حلها مع وزارتي العمل في الشمال والجنوب، وهذا واجب وطني فعلى الحكومة ان توفر فرص عمل لمواطنيها كما نوصي الجهات المختلفة والمنظمات لتوفير فرص عمل.
? يرى كثيرون أن المفوضية ليس لديها ميزانية؟
* ليس لدينا ميزانية متوفرة لإنشاء المؤسسات التي نحتاجها «كمراكز التدريب»، لكننا نرفع توصياتنا لرئاسة الجمهورية لتوفير المبالغ اللازمة للمؤسسات التي يمكن أن تقوم بالتدريب.
? بما يعني أنكم لا تملكون ميزانية محددة؟
* هذا الحديث غير صحيح، فالأموال التي تخصصها الحكومة تخصصها حسب البرنامج الذي نضعه نحن، ونحن لسنا جهة تنفيذية، نحن نسلم الأعداد التي نود تدريبها للجهة او المركز المختص، الذي يأخذ تمويله اللازم من الجهات الحكومية.
? إذاً، ما التوصية التي رفعتموها للجهات الحكومية وتم تنفيذها؟
* الى الآن لم ننفذ أي برنامج بالنسبة للتدريب، وكما قلت إن نائب الرئيس اعطى تعليمات للجهات المختصة باستيعاب من هم في حاجة لهذا التدريب، ولكننا نفذنا ورشة عمل بعنوان: (حقوق غير المسلمين بين حرفية القانون وواقعية التطبيق).. وقد نفذت بتمويل من جهات مختلفة وكانت ناجحة جداً.
? مشاريعكم مقترحات مرتبطة برئاسة الجمهورية؟
* نحن نعطي ميزانية لتسيير للعمل فقط. وقد وضعنا تصوراً لبرنامج عبارة عن 3 لجان تقوم بالتوعية «عدلية- اعلامية- تدريب وبحوث» وأرسلنا الميزانية لرئاسة الجمهورية وهي لم ترد بالموافقة أو غير الموافقة ولم ننفذ هذه البرامج الميدانية ولك أن تسألي رئاسة إدارة المفوضيات المسؤولة عن ميزانيات المفوضيات.
? كيف تنظرون لسير تنفيذ اتفاقية السلام؟
* نحن ننفذ الجزء الخاص بنا المتعلق بالمفوضية وهمنا ان نجعل الحياة في العاصمة سهلة لكل مواطن وان نجعل الوحدة جاذبة والمفوضية أحد بنود الاتفاقية أما تنفيذ بقية بنودها فلها جهات أخرى تسأل عنها.
? هل لديكم احصائية بأعداد غير المسلمين؟
* لا، ولكننا قابلنا الدكتور ياسين الحاج عابدين المسؤول عن الاحصاء السكاني الاخير وطلبنا منه تضمين سؤال عن الديانة ولكن على ما يبدو ان طلبنا اتى متأخراً، لان عابدين اجابنا بأنه لا يستطيع تضمين السؤال لأنه تم الفراغ من تصميم نماذج الاستبيانات، ولكنه وعد مستقبلاً بإمكانية اجراء احصاء خاص ورئاسة الجمهورية على علم برغبتنا في هذا الاحصاء.
? ألا تملكون ارقاماً تقديرية؟
* بالتقريب فإن نسبة غير المسلمين حوالى (30%) من سكان العاصمة وهو رقم تقديري غير دقيق.
? عقبات تعترض عمل المفوضية؟
* لا يوجد شيء سوى النواحي المالية والقوانين، فالقوانين لا تزال عقبة لانها لم تعدّل، فحسب القانون يفترض ان يكون هنالك قوانين لمحاكمة غير المسلمين توزّع عبر المناشير التي يصدرها رئيس القضاء ولكنها لم تجهَّز إلى الآن والمحاكم ليس لديها حل سوى التعامل بالقانون الإسلامي كما أن لجنة البحوث والتدريب لم تباشر عملها لتوفر مناشير تحوي عادات وتقاليد غير المسلمين بالمحاكم للقضاة، وهذا الامر اصبح مشكلة تثير جدلاً وشكوى كما ضربنا امثالا بالإشكالات التي تحدث في قضايا الزواج والطلاق، فالأوامر المحلية لسنة 1996م ما زالت سارية بولاية الخرطوم والشرطة الشعبية وشرطة الولاية، وبما أننا لا نستطيع تعديل القانون فإننا نطلب من الجهات التي تنفذ القانون أن تكون مرنة في التطبيق لكن القاضي في النهاية أمامه قانون يجب أن ينفذه، السياسيون أوصوا بالتسامح والمرونة ولكن القانون لا يعرف التسامح.
? والعقبة المالية؟
* بالنسبة للنواحي المالية لدينا عقبة الميزانية التي يفترض أن تأتي من رئاسة الجمهورية بواسطة ادارة المفوضيات لتنفيذ العمل الميداني واجراء البحوث المطلوبة عن التقاليد والأعراف التي يجب أن تكون موجودة امام القاضي قبل النظر في القضايا ولكننا لا نستطيع ان نفعل هذا الشيء ونتمنى ان يواصل نائب الرئيس علي عثمان في ما بدأه معنا بشأن الميزانيات التي قدمناها له، وهذا قد يكون نجاحاً للمفوضية.
? هل أنت راض عن أداء المفوضية حتى الآن؟
* نعم، أنا راض لأننا أجرينا اتصالاتنا وتمكّنا من معرفة مواضع الخلل.. والآن يمكننا القول إننا سننفذ البرامج التي وضعناها حسب الدراسة التي قمنا بإعدادها.[/ALIGN] الصحافه – حوار: سلمى فتح الباب