الدكتور سراج الدين الخبير في العمل الطوعي والإنساني : الحركة الشعبية فتحت أبواب الجنوب لمنظمات الغرب.. وضيَّقت «الخناق» على المنظمات الوطنية
ولهذا فان القرن الأفريقي وما يشهده من حراك وسباق واهتمام دولي له ما يبرره ويعطيه المشروعية فالتاريخ القديم والحديث في هذه المنطقة يشير إلى أن هناك خطط واستراتيجيات يجري تنفيذها الآن عبر مشروع غربي حديث يضع من الأدوات والآليات الاقليمية والمحلية وسائل حقيقية لإنفاذ هذا المشروع، والسودان ليس هو استثناء من منظومة القرن الافريقي حيث شكلت الحركة الشعبية إحدى المخالب للقط الأمريكي الاسرائيلي للدخول إلى أعماق القرن الأفريقي عبر مشروع قديم أسمته الإدارة الأمريكية بمشروع القادة الأفارقة الجدد.
الدكتور سراج الدين عبدالغفار الخبير في شؤون القرن الأفريقي والمهتم بالنشاط والعون الإنساني بالقارة الأفريقية، التقته «الوطن» عبر مقابلة صحفية حددنا اتجاهاتها في شأن القرن الأفريقي وما يدور فيه من سباق غربي وطرحنا أمام الدكتور سراج حقيقة المشروع الأمريكي هناك وعلاقته بالأنظمة والثوار الأفارقة ولكن الحديث ركز على مشروع الحركة الشعبية وعلاقته بالمشروع الأمريكي.
وفي هذه المقابلة تحدث الدكتور سراج بكل شفافية ووضوح عن حقيقة نشاط المنظمات في المنطقة وعن أجندتها وأهدافها غير (المنظورة) .. فهذه حصيلة ما دار في حوار مع الدكتور سراج الدين عبدالغفار الأمين العام لمنظمة العون الإنساني والخبير بالمركز السوداني للخدمات الصحفية..
** حوار ـ هاشم عبدالفتاح
* د. سراج الدين إلى أي مدى تعتقد أن الحركة الشعبية تستخدم من قبل المنظمات في تأجيج الصراع في السودان وما حجم الدعم العسكري الذي تتلقاه؟
– طبعاً الحركة الشعبية وجدت دعماً كبيراً جداً من المنظمات الغربية خاصة المنظمات المرتبطة بالكنيسة وذلك منذ حرب الأنانيا «1»، حيث كانت منظمة «أبا فيروت» الألمانية هي المنظمة الأساسية التي دعمت حرب (الأنانيا الأولى)، وحتى الحركة الشعبية التي كانت تسيطر على بعض المناطق كانت تدير هذه المناطق منظمات طوعية بالنيابة عن الحركة، سواء كان ذلك على مستوى الإدارة المدنية أو في عمليات ترحيل السلاح أو عبر الاستخدام اللوجستي من خلال الطائرات لنقل بعض الجرحى، وهذه العمليات برزت في الإعلام السوداني.. والآن أكثر جهة أججت حرب دارفور هي المنظمات الطوعية خاصة المنظمات المرتبطة باللوبي اليهودي، وهي التي جيرت كل العالم وألبت الصراع على السودان فيما يتعلق بأزمة دارفور، وجمعت أموالاً طائلة باسم الجوعى والنازحين وعبر كل القضايا الإنسانية ولكن جزءاً كبيراً من هذه الأموال ذهبت للحرب.. ولذلك كثير من المنظمات ذات البعد السياسي والأغراض الأمنية هي داعم أساسي للحركة الشعبية وداعم الآن لحركات دارفور..
* وهل حقاً وجدت المنظمات الغربية البيئة اللازمة لتحقيق مشروعاتها؟
– حسب ما ذكرت لك سابقاً فإن هذه المنظمات لديها جواز مرور مفتوح ويقابل ذلك ضعف حكومي سواء كان من الحكومة السودانية أو من الحكومات الموجودة في منطقة القرن الأفرقي في سياساتها تجاه هذه المنظمات، ولذلك لابد من التفريق بين طبيعة عمل المنظمات وهنا يجب أن نتحدث عن منظمات تعمل وفق أجندة غير إنسانية، خصوصاً أن الآليات التي تتبعها الحكومات لمراقبة أنشطة المنظمات ضعيفة جداً وبالتالي وجدت المنظمات البيئة المناسبة لتحقيق أهدافها عبر نشاطها وبالتالي تسرح وتمرح بما شاء لها من إمكانات.
* د. سراج كيف تنظر للمبررات الدولية لوجود كم مقدر من المنظمات الغربية في جنوب السودان؟
– طبعاً بعد مجيء الحركة الشعبية لجنوب السودان أصبحت الحركة هي التي تعطي حق التسجيل ورخصة العمل لهذه المنظمات، ونحن كعاملين في هذا المجال تعتقد أن الحركة الشعبية فتحت أبواب الجنوب للمنظمات الغربية، وأغلقت الباب أمام المنظمات الإسلامية والسودانية وضيقت عليها في عملها، فالآن المنظمات الإسلامية والعربية والوطنية مضيق عليها في جنوب السودان من قبل الحركة وبالتالي أصبحت حركة هذه المنظمات محدودة.. وفي مقابل ذلك نرى أن الباب مفتوح للمنظمات الغربية دون أي عوائق أوسدود أوحواجز وبذلك أصبح الجنوب السوداني مستباح للمنظمات الغربية.
* ولماذا بنظرك هذا التضييق؟
– الحركة تعتقد أن هذه المنظمات الإسلامية والوطنية عملت مع الحكومة المركزية في الخرطوم في فترات سابقة وفي أيام الحرب بين الشمال والجنوب وبالتالي أعتبرت جزء من المكون الشمالي أو العربي والإسلامي وتم تصنيفها على هذا الأساس ولكن لم يتم طرد منظمة من الجنوب وإنما مارست الحركة معها عمليات تضييق.
وهناك بعض المنظمات تم احتلال دوها. مثل (الهيئة العالمية لتنمية جنوب الصحراء» حيث تم احتلال مكتب هذه المنظمة من قبل أفراد في الجيش الشعبي رغم أن الاتصالات والمخاطبات في هذه القضية وصلت إلى أعلى المستويات ولكن ليس هناك نتيجة.. وكذلك هناك عدم حرية لهذه المنظمات حتى تعمل حسب منهجها وسياساتها لأن المنهج الدراسي في جنوب السودان هو المنهج الكيني، في حين أن المنظمات الإسلامية والوطنية كانت تستخدم المنهج السوداني وكذلك اللغة العربية تم إبعادها من المنهج الدراسي بالجنوب وتستبدل بها اللغة الإنجليزية، رغم أن نيفاشا نصت بأن تكون اللغة المستخدمة في الجنوب هي اللغة العربية والإنجليزية والآن حتى المدارس التابعة لمنظماتها في جنوب السودان تدرس بالمنهج الكيني وباللغة الإنجليزية، ولذلك نقوم بتدريس اللغة العربية كمادة منفردة ضمن المنهج والذي كان في السابق يدرس كله باللغة العربية، وهذا يعني أن رسالتنا عبر هذه المنظمات تختلف عن الرسالة التي جاءت بها الحركة الشعبية.
* ما بين الحكومة والمنظمات العربية صراع واتهامات متبادلة فهل هناك فعلاً ما يبرر هذه الظاهرة؟
– نعم مؤكد هناك صراع (وهذا سؤال مهم) ونحن نعلم أن الصراع في جنوب السودان أشعلته (الكنيسة) أو المؤسسات التبشيرية، والتي كانت أشبه بالمنظمات الحالية باعتبار أن هذه المؤسسات التبشيرية استولت على التعليم وخرجت جيل انفصل عن السودان بمكوناته المختلفة، وبالتالي أصبح هذا الجيل (مناهض لكل) ما هو شمالي أو إسلامي وأصبح له ثقافة مرتبطة بجذور مختلفة.
الآن وفي الفترة الماضية حاولت المنظمات أن ترجع جنوب السودان لجذوره الأصلية ويصبح جزءاً من مكونات السودان الكبير، عبر المناهج الجديدة التي تربطه بشرق آفريقيا وبالاستوائية من خلال منهج ديني وهذا الربط ليس مع الشمال، وبالتالي سيتخرج جيل لاعلاقة له بالشمال.
وهذا في اعتقادي عكس الوحدة الجاذبة وأنا أسميه الانفصال (المبكر) والحركة الشعبية تعمل الآن لتحقيق هذا الأنفصال المبكر، وحتى إذا حدثت وحدة سيكون هناك نوعان من الشعوب مواطن يدرس بمنهج مختلف ومواطن آخر درس أيضاً بمنهج مختلف، وفي رأيي لو استخدمت الحركة الشعبية اللغة الإنجليزية والمنهج السوداني كان من المتوقع أن تكون من استخدامها للمنهج الكيني، مع احترامنا لهذا المنهج والذي يصلح في كينيا ولا يمكن أن يصلح في السودان لأن السودان فيه ثقافة تختلف عن الثقافة الكينية.
* وهل هذه القضية تعني تجاوز وثيقة السلام في نيفاشا؟
– هناك أشياء كثيرة حدث فيها تجاوز لاتفاقية السلام وقضية المنهج الدراسي أحد أهم هذه التجاوزات وإن كانت الحركة الشعبية تتعلل بأنها حرة في منهجها التعليمي. فمثلاً هناك تجربة تعكس حقيقة هذه التجاوزات والتشوهات في منطقة جنوب كردفان في مناطق (كاودا)، حيث وجدنا أن الطلاب الذين درسوا بالمنهج الكيني حدثت لهم مشكلة في المستوى الثامن لمرحلة الأساس فهم لا يستطيعون الجلوس للامتحان بالشهادة السودانية لأنهم درسوا بالمنهج الكيني، وهم الآن عشرات الطلاب يواجهون هذه المشكلة.
ولكن الآن بدأت حكومة جنوب كردفان في إجراء التعديلات اللازمة في هذا المنهج وذلك بالرجوع إلى المنهج السوداني، كما تمت معالجات توفيقية للطلاب الذين درسوا بالمنهج الكيني حتى يجلسوا للامتحان بالشهادة السودانية ودخول الجامعات السودانية.. ونحن نقول إن الشهادة السودانية لازالت قومية حتى في جنوب السودان ما لم يحدث انفصال، أو إذا تعدل قانون الحكم المحلي وأصبحت الولايات تعمل لها شهادات لوحدها.
ولذلك أعتقد أن الحركة الشعبية لم تراع مصلحة الطلاب ولكنها راعت مصلحة آخرين.
* المنظمات الأجنبية في السودان متهمة دوماً بأنها تعلي من قيمة الصرف الإداري أكثر من الصرف على المشروعات المباشرة.. وهل حجم المنظمات أكبر من الاحتياجات؟
– هذا الحجم غير طبيعي لهذا العدد من المنظمات (عربات وموظفين) بحجم أكبر من الاحتياج المطلوب.. وكان يمكن أن يكون هذا الوضع مقبولاً لو حدثت توأمة بين المنظمة الأجنبية والمنظمات الوطنية، ولكن هذا الحجم كبير من هذه المنظمات وهناك صرف إداري كبيراً جداً تقوم به هذه المنظمات بشكل أكبر من الصرف المخصص للمشروعات، ولو كانت منظماتنا الوطنية عددها أكبر كان يمكن أن يكون هذا الوضع طبيعياً.
* ماهي حقيقة النزاعات ما بين المنظمات والحكومات؟
– طبعاً الحكومات تشعر بأن المنظمات تسلبها حقها في كثير من الأشياء والشيء المهم أن الحكومات تنظر للمنظمات بريبة، وهذه الحكومات أصبحت لا تتحكم في المنظمات خاصة في مناطق الصراعات ولا حق للحكومة في منع أي منظمة، إلاّ بحجة قوية تخالف فيها المنظمات القوانين بصورة واضحة.. ولذلك سيظل الصراع موجوداً وتظل الحكومات تتخوف من المنظمات.
* وهل ما يدور في دارفور يعطي حق وشرعية لوجود المنظمات الغربية وبشكل كثيف في هذه المنطقة؟
– هناك حاجة للمنظمات في دارفور. ولكن الواضح أن حجم هذه المنظمات كبير ويجب أن يكون هناك توازن بين المنظمات الوطنية والمنظمات العربية والإسلامية وبين المنظمات الغربية، ونحن حقيقة نرحب بكل منظمة تريد ممارسة عمل إنساني ولا نرحب بأي منظمة تحمل أجندة خفية، لأنه مثل هذه المنظمات لا تساعد على حل القضية في دارفور وإنما تساعد على تأجيج الصراع في المنطقة، من خلال المعلومات الكاذبة التي تروج لها عبر آلية الإعلام العالمي.
* ماهي طبيعة مهام ومسؤوليات منظمة العون الإنساني وخارطة انتشارها؟
– منظمة العون الإنساني منظمة دولية اتخذت من السودان مقراً لأنشطتها في السودان والصومال وأثيوبيا وكينيا ونيجيريا وتشاد واليمن وجيبوتي وبوركينا فاسو، وعملها في التعليم والتنمية والجوانب الصحية والاجتماعية. وأفلحت المنظمة في تنفيذ العديد من مشروعات التنمية بالسودان.
* هل تعتقد أنه يمكن أن تتولى المنظمات مهمة إسقاط الحكومات؟
– لا أعتقد ذلك ولكن في إطار منظومة وسيناريو متكامل يمكن أن يحدث ذلك ونحن ومن خلال تجربتنا لم نلمس هذه الحقيقة.
* وهل يمكن لهذه المنظمات العمل على فصل الجنوب عن السودان؟
– مؤكد يمكن أن تقوم المنظمات بهذا الدور وأنا من الذين يحملون أملاً كبيراً في الوحدة بين الشمال والجنوب، ولكن قد تنشط بعض المنظمات لفصل الجنوب والبعض منها سيعمل على تحقيق الوحدة.[/ALIGN] صحيفة الوطن