أتيحوا الفرصة للشباب السوداني كما أتاحها الحبيب المصطفى لأسامة بن زيد
وأحسب أن من أروع إنجازات الإنقاذ تقليصها لسنوات ما يعرف بالسلم التعليمي، وذلك عندما عمدت الى زيادة سنوات انتاج الشباب السوداني عبر اتاحة الفرصة لهم لنيل الشهادة السودانية في عمر مماثل لعمر سيدنا أسامة بن زيد. وأود أن أشيد بمعلمينا القابضين على الجمر وأثني على الجهود المقدرة التي بـُـذلت لتطوير المناهج. ومن الأشياء التي قد تفوت على البعض أن المنهج الدراسي السوداني قوي ومصصم بطريقة تـُـزود الطالب بأساس متين يهيئه لتلقي التعليم الجامعي. ولكي يتضح الحال بالمثال: أذكر أن طالب المساق العلمي للشهادة السودانية يمكنه بشئ من الجهد والمثابرة أن ينجح في إمتحانات الرياضيات والكيمياء والتفاضل والتكامل في إمتحان القص الأمريكي . ويسمى الأمريكان هذا الإمتحان اختصاراً بال CLEP لتشابه نطقها بكلمة clip والتي تعني القص، فهذا الإمتحان القصد منه إعطاء الطلاب الفرصة لتخطي (أي قص) مواد دراسية عبر اثبات اجادتهم لها. وهذا يـُـمكن طالبنا السوداني أن يتجاوز (أو يقص) مادة الكيمياء على المستوى الجامعي ويتحصل على ثماني ساعات جامعية في الكيمياء بالإضافة الى اربع ساعات من القسم الأول من مادة التفاضل والتكامل وتجعله يقفز مباشرة الى القسم الثاني من مادة التفاضل والتكامل . أي بمعني آخر الطالب السوداني يمكنه دخول كثير من الجامعات الأمريكية متأبطاً اثنتي عشرة ساعة (8 كيمياء و 4 تفاضل وتكامل) وهذا يعادل تقريبا سمسترا كاملا. نعم! إن المنهج الدراسي السوداني قوي ولكنه محتاج للتحديث ومواكبة العصر ومتابعة احدث المستجدات العلمية. أيضاً، من أكبر مواطن القصور في تعليمنا تجاهلنا لتدريس مواد مهمة مثل الإقتصاد وإدارة الأعمال وطرائق وأساليب الشورى وتفعيل حكم القانون.
ليس لدي الوقت لمتابعة ما يكتب في الصحف السودانية، ولكن يبدو لي أن احدى الجهات في شبه الجزيرة البريطانية تطرقت الى أن بعض الأطباء السودانيين لا يتلقون (12) عاماً من التعليم الإبتدائي والثانوي ولذا هددت بعدم إعتماد شهادات البكالريوس الطبية السودانية. ولعمري أن هذا لأمر عجاب! واعجب منه أن البعض اقترح اضافة سنة رابعة لمرحلة الدراسة الثانوية كرد فعل لمعضلة قد يواجهها نذر يسير من الأطباء، بسبب قرار سمج تفوح منه رائحة العنصرية وعداء الأجانب. وبحسب علمي فإن إخواننا المصريين جربوا إضافة سنة رابعة للمرحلة الثانوية ولكنهم إكتشفوا خطل هذا القرار وتراجعوا عنه. أيضاً تجد ان الأزمة الإقتصادية العالمية الحالية اجبرت بعض المحليات في بعض الولايات الأمريكية على تقليص المرحلة الثانوية الى ثلاث سنوات. هذا فضلا عن أن بعض الولايات الأمريكية بدأت تعمد الى تقليص سنوات المرحلة الثانوية عبر تشجيع ال dual enrollment وتعني أن يلتحق الطلاب بالجامعات وهم لا يزالون بالمرحلة الثانوية لكي ينالوا تحصيلا مزدوجا يمكنهم من تعجيل نيل الشهادة الثانوية ودرجة البكالريوس في آن واحد. أي بمعنى آخر يمكن للطالب المجتهد أن يكمل دراسته الثانوية في اقل من ثلاث سنوات. أيضاً من المعلوم أن بعض الطلاب المتفوقين يلتحقون بالجامعات الأمريكية في سن قد تكون صغيرة (12 الى 13 عاماً)، فهذه الجامعات تركز على قدرة الطالب على البحث والإستيعاب والتعلم وليس على ما تعلمه (للأهمية، أكرر ليس على ما تعلمه الطالب وإنما على مقدراته). فهل يحق للبريطانيين ان لا يعترفوا بشهادات امثال هؤلاء من الطلبة الأمريكان؟ وأود أن اشدد على حقيقة مهمة جداً هي أن سنة رابعة ثانوي عند الأمريكان في العادة تحتوي على حوالي ثلاثة اشهر فقط من الدراسة، وبقيتها تكون فترة امتحانات وتقديم للإلتحاق بالجامعات، أي مماثلة لفترة عقد وتصحيح امتحانات الشهادة السودانية والفترة بين واعلان نتائج القبول بالجامعات. أو بمعني آخر: المرحلة الثانوية بوضعها الحالي عندنا تعادل في الحقيقة ما يقارب الثلاث سنوات ونصف السنة.
وأختم مقالي بالقول أن الولايات الأمريكية المختلفة تحرص على طلابها المتميزين حرص الأم على رضيعها. وذلك لكي لا تتيح الفرصة للولايات الأخرى لكي تقتنصهم وتختطفهم منها عبر اعطائهم منح دراسة مجانية. وهذه الغيرة بين الولايات ناجمة من أن الإحصائيات تشير الى أن الطلاب الذين يدرسون في ولايات اخرى في العادة يبقون ويعملون بها ويسهمون في دفع النشاط الإقتصادي بها. أفليس من الخطل أن نعدل نظامنا التعليمي لكي نهدي طلابنا المتفوقين الى الآخر؟
[/JUSTIFY]
الراي العام