مروي .. شمعة مغفرة في عتمة الحصار
الوالي والانتظار القاتل..
فتحي خليل والي الولاية الشمالية التي أضحت ولايته محط الأنظار والتركيز الحكومي بين ليلة وضحاها أو أخيراً، بعد أعوام من الإهمال لم يشأ أن يكون جلوسه بصالة كبار الزوّار بعيداً عن مكان هبوط الطائرة، في اقصى أركان المطار الدولي المختبئ في تلك المساحة، ففضّل اتخاذ الصالة المُعتادة محطة لانتظار ربما بدا طويلاً منذ السابعة صباحاً، قاطعاً الوقت بتجاذب أطراف الحديث مع وزيريه الولائيين ميرغني محمد عثمان وزير الإرشاد، وصلاح عمسيب وزير المالية، وبمعيتهم معتمد مروي الجديد، ولعل التركيز انصب على عبد الرحمن عبد الكريم المعتمد الشاب ببضع توجيهات وخارطة طريق.
التواطؤ الجميل
سارينة عربتي الإطفاء وهما تنطلقان الى اتجاهين متعاكسين الى أقصى طرفي المطار، كانت إيذاناً بقرب هبوط الطائرة المنتظرة.. الهبوط جاء سلساً، ربما بفعل جمال أرضية المطار وحداثته، في تواطؤ غير معلن مع التطور والنهضة العمرانية والأسفلت، فكان ناعماً دون المخاطر المعتادة التي تَلازمت ومطارات (الأتربة) التي دائماً يسبق الهبوط فيها (سيناريو للفزع) و(عاصفة للمخاوف).. تهبط (سودانير) حاملةً اسامة عبد الله وزير الكهرباء والسدود وبمعيته الضيوف، قبل أن يصافح فتحي خليل ليعلنا تحالفهما معاً، فتحي بالولاية وإسامة بالمشروع، ليشرعا في استقبال ضيوفهما القادمين الجدد للوزارة أو ربما الجدد في رؤية المشروع وفي مقدمتهم مساعد رئيس الجمهورية العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي وآخرهم عزة عمر عوض وزير الدولة بالاتصالات.
تدلف الطائرة الثانية المجال الجوي تحمل بقية الوزراء ووزراء الدولة والوفد الإعلامي المرافق، وبحميمية أهل البلد تكسّرت كل قواعد البروتوكول والرسميات، فالكل بدا باسماً ومشرقاً هاشاً باشاً على غير العادة مع هموم الوزارة وثقل المسؤولية.. أرجعه البعض لهواء الأرض المحفوفة بالطيبة والمعطونة بالخير في الولاية التي كانت أساس حضارة السودان ونهضته منذ فجر التاريخ.
حمّيد.. غياب المشهد.. حضور الوجدان
مروي بهدوء شوارعها، بدت كمن تعلن للقادمين من المتنفذين، أنها لا تزال قيد الحداد وكل الحزن وبعض انكسار ودموع البعض على (حمّيد) لم تجف بعد، همسات انطلقت عن ثمة (فاتحة) رئاسية ووزارية (رفعتها الأيادي) من (الباص الاول) ذات الطابع السيادي والدستوري تضرعاً لله تسأله الرحمة للفقيد.
(فاتحة) كانت بمثابة استهلالية للزيارة التي تعد الثانية من نوعها في أقل من ثلاثين يوماً، استهدف بها أسامة رفاقه الوزراء.. بعد أن ركزت الاولى يومها على وزراء القطاع الاقتصادي، باستثناء وزيري التعدين والنفط فكلاهما من أهل السبق توزيراً وزيارةً للسد لتشهد الزيارة آنذاك، ما وصف بأخطر اجتماع لوزراء القطاع الاقتصادي للحكومة أو المؤتمر الوطني، بصالة كبار الزوّار بمطار مروي امتد حتى العاشرة ليلاً لتخرج التصريحات وقتها بالصمت الرهيب، وتكهنات بقرارات تنسيق إستراتيجية القطاع بتركيز الاستثمار زراعةً، أكدته ملامح الاعياء التي بدت واضحة على حاضري الاجتماع وشاهدي الزيارة قبل أن تقلهم الطائرة عائدةً الى الخرطوم.
مبررات الزيارات
زيارة أمس الأول رجّحت مصادر بإعلام مجلس الوزراء أنها تأتي متسقة مع هدف بث التطمينات للوزراء والقائمين على العمل التنفيذي بالبلاد، في ظل دعاوى قرب الانهيار في محاولة التأكيد على أن الثروة الحقيقية للسودان هي نفط أخضر على ظاهر الارض لا باطنها. بينما يرى البعض أن الامر مختلف، وأن وزارة السدود والكهرباء تسعى للرد عملياً بالزيارات الميدانية على ما نما الى سمع الوزراء عن مشاكل اعادة التوطين، مدللين على ذلك أن أولى محطات البرنامج الموضوع للزيارة كان تفقد قرى اعادة التوطين.
بالماء.. (ماذا تفعلون)
الترعة الرئيسية التي تمد المشاريع الزراعية بالمياه، كانت محل تركيز الجميع من النافذين، وتناثرت الشروحات هنا وهناك، تؤكد ما أحدثته المياه من نقلة في حياة البشر، وما وفّرته لهم من قدرة على استثمار أراضيهم.
انتهاء الحديث عن الترعة وسعة تخزينها للمياه، كان إيذاناً ببدء مساعد الرئيس ممارسته لصلاحيته التي جاءت مغلفة في سياق مضحك وقال (أرح ورونا الموية بتودوها وين!!) في اشارة لتفقد المشروعات الزراعية.
المساعد في جلباب الرئيس
الاندهاش بدا واضحاً على مساعد الرئيس العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي ، وهو يقف على جسم السد بالقرب من محطة الكهرباء مطلاً على البحيرة الساكنة.. العقيد لم يتوان عن طرح أسئلته واستفساراته مباشرة لأسامة عبد الله، لازمه في ذلك بشكل مباشر وزير الصحة الاتحادية بحر ادريس أبو قردة في المطالبة بالتوضيحات.. اسامة عبد الله بدا هذه المرة غير متعجل لإنهاء الزيارة ، كما حدث ابان زيارة القطاع الاقتصادي ، حيث كان يلفت نظر المتعافي لضرورة التحرك، وفسر آنذاك بارتباط الرجل بالخرطوم، لكنه هذه المرة بدا مستمتعاً كلما ازداد اتساع عيون الناظرين للمشروع ، الذي وصفه المشير البشير رئيس الجمهورية ابان افتتاح السد بـ (مشروع القرن) وقال وقتها انه (بداية نهاية الفقر في السودان وتقوده لمصاف الدول العظمى).
ويبدو أن العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي مساعد رئيس الجمهورية لم يجد ما يوصف به انفعالاته تلك إلا عبرات الرئيس ، مقتبساً ذات العبارات خصوصاً وأن (الرأي العام) رصدت، تسجيله لنقاط حديثه في ورقة صغيرة كما هي عادته قبيل أي حديث له لوسائل الاعلام وقال أمس الاول (مشروع مروي مشروع القرن، وما حققته مشاريعه المصاحبة للولاية يعد انجازاً يرضي العدو والصليح، ويعد بداية نهاية الفقر في السودان ، ويقوده لمصاف الدول العظمى).
اقتباسات العقيد المساعد لعبارات الرئيس وتدوينها على الورق ، لم ينج من التحليلات أبرزها أن عسكرية الرجل وانضباطه تجعله حريصا على عدم الخروج عن النص، أو التطرق لآفاق خارج نطاق موضوع الزيارة، لكن آخرين فسروها نوعاً من التماهي في شخصية الرئيس وعباراته، وأن الرجل سقط اسيراً لها كما سقط غيره، خصوصاً وأن الرئيس وصف السد بما قل ودل.
عزة .. صفحة جديدة
عزة عمر عوض وزير الدولة بالاتصالات، المغضوب عليها صحفياً بسبب عدم التوفيق لاحدى عباراته التي استهلت بها عملها يوم حملتها الأقدار وبعض تخطيط لكرسي الوزارة، بدت أمس (ملكة للنحل) في نشاطها وتطرقها الصامت لمواقع المشروع الموصوف بالعملاق، ورصدتها (الرأي العام) تحاول استغلال (النوع) في احتلال موقع متقدم في صف (البوفيه المفتوح) الذي امتد طويلاً بالوزراء الرجال في مقدمته فتحي خليل والي الشمالية، لكن يبدو أنّ الخطة لم تنجح، بعدما تبادلت الحديث مع أحد المعترضين من الوزراء في عدم انتظارها دورها لتعود سريعاً ضاحكةً حد القهقهة.
وفي سياق تناولها للغداء، بدا واضحاً عزم عزة على فتح صفحة جديدة مع الإعلام، حيث سرت همسات عن استدعائها للزميلات الصحفيات لتناول الغداء على طاولتها خصوصاً وأنهن أتين متأخرات، لتخرج بعد ذلك عن مقاطعتها المزعومة بتصريحات رحبت فيها بالمجهود الضخم المبذول في السد ومشاريع إعادة التوطين، متمنيةً دوام الازدهار والتقدم للعاملين.
عابدين .. الشحن الزائد
أبرز العبارات السياسية حملها وزير وزارة الموارد البشرية د. عابدين محمد شريف، عندما قال: (كنا نسمع عن السد وها نحن نراه، إنه عمل وطني ضخم وكبير، وكفيل بإخراس الذين يصطادون في الماء العكر ويقللون من إنجازات الرجال لأسباب سياسية زائلة)، واضاف (من لا يرى هذا العمل الضخم أعمى ، ومن لا يشعر بعظمته عديم إحساس)، مطالباً بإخراج هذا الإنجاز إلى دائرة الضوء عبر إدراجه ضمن المنهج الدراسي المدرسي والجامعي، وبَرّرَ مطلبه بتعليم الأجيال المقبلة كيف بدأ وكيف أنجز ومن وقف وراءه.
(إخراس المصطادين في الماء العكر) علق عليها الحاضرون بأن الرجل ربما تعرض لحملة من الدعاوى المضللة حيال السد ، جعلته يخرج نقمته تلك في عباراته الحادة ، بينما فَسّرَها مرافق له بأن الوزير يدرك جيداً أبعاد الدعاوى وأراد وضع النقاط فوق الحروف باعتبار أن الوزير ليس من الحزب الحاكم، وأن موقعه يتيح له كشريك في الحكومة أن ينقد ما يراه خطأ وأن يشيد بما يراه يحقق مصلحة الوطن.
أسامة.. غفوة مسروقة
اسامة عبد الله وزير الكهرباء والسدود، بدا مترعاً بالتعب والارهاق، عكسه تكاسل مشيته في مقابل خطوات مساعد الرئيس المهدي الواسعة، وأكدته لحيته غير المنتظمة، ارهاق رصدته (الرأي العام) في غفوة صغيرة سرقها الرجل من عمر عرض الفيديو بنادي المدينة السكنية على مقعده قبل أن يفيق خالعاً نظارته، ملتفتاً بتأنٍ قبل أن يغادر مقعده ويختفي كما هي عادته ليعود بعد ذلك لاحقاً بالبرنامج.
أسامة عبد الله الذي يعد نافذاً وسط الوزراء ولدى القيادة السياسية بالبلاد، كان أمس الأول سيد التبريرات، ونقلت مصادر مُقرّبة من الرجل لـ (الرأي العام) تبريره لمساعد الرئيس همساً اسباب منع الصيد في بحيرة السد رغم ثروتها السمكية الموصوفة بالهائلة لخطورة المنطقة، كاشفاً عن اختفاء أحد مراكب الصيد قُرب بحيرة السد في الفترة الماضية، مؤكداً أنهم لا يحولون بين الناس والثروات وإنما الحفاظ على أرواحهم وسلامتهم يفرض وجود منطقة للسلامة والتأمين وراء السد وأمامه حول البحيرة.
أبو قردة.. اطراقة ذكريات
بين الشرطة بتفريعاتها والامن بتظليله ، كان الجيش حاضراً في تأمين (الكونفوي) المتنقل على (أُتوبيسين).. اللافت كان (تاتشر) القوة العسكرية للجيش بالكابينة المقطوعة وبلا سقف ما أعاد للاذهان (تاتشرات) العدل والمساواة إبان الهجوم على ام درمان، باعتبارها من غنائم الغزوة، أحد الخبثاء فسر احدى اطراقات وزير الصحة بحر أبو قردة، لاستعادته تلك الذكريات وقت ان كان مساعداً لرئيس العدل والمساواة قبل أن ينحاز لمسيرة السلام.
الاتحاديون.. ثمة اختفاء
مجلس الوزراء القادم بفصائله في التحرير والعدالة والاتحادي (المسجل) والأمة برمزية مساعد الرئيس جعل التوصيف المناسب للزيارة بزيارة حكومة القاعدة العريضة، في الوقت الذي غاب فيها وزراء الحزب الاتحادي (الاصل) وفي مقدمته مساعد الرئيس جعفر الميرغني.. الغياب الاتحادي ذاك كان محور التعليقات في زيارة التفقد تلك، المسؤولون من الوزراء ومن المراسم رفضوا التعليق لكن خبيث مروي رجح تخوف رموز الاتحادي من القدوم للمنطقة التي تُعد من دوائر نفوذ الحزب الاتحادي التاريخي برغم فقدانه لها إبان الانتخابات الأخيرة لصالح الفريق صلاح عبد الله قوش، ما يجعل ممثلي الحزب في الحكومة محل حرج.. لكن كثيرين رجحوا عدم مفضلة الاتحاديين بشكل عام القدوم الى المنطقة وهي لا تزال تشهد بعض التوترات بين السدود وقبائل المنطقة في سياق سيناريو التهجير بالرغم من الاتفاقات الأخيرة التي تمت في نهر النيل، وما قد تتمخض عنه المساعي السرية الحالية مع البقية.
لكن مصدراً اتحادياً قطع بأنّ الدعوة لم تكن تشمل الاتحاديين في الحكومة، مؤكداً نفي عثمان عمر الشريف وزير التجارة علمه بالزيارة أو تلقيه دعوة لها، مشيراً الى أنّ زيارة نجل مولانا الميرغني للمنطقة غير مطلوبة لجهة أن حضوره سيجعل المنطقة تخرج لاستقباله باعتباره نجل راعي الطريقة الختمية ما يجعل الزيارة تحيد عن مسارها والمطلوب منها.
التوقيع في دفتر الحضور
الزيارة لم تكن ضخمة أو كبيرة ن بقدر ما كانت (مُركّزة) وضمت مساعد الرئيس العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي، وعابدين محمد شريف وزير وزارة تنمية الموارد البشرية، وبحر ادريس أبو قردة وزير الصحة ، وأحمد فضل وزير دولة بمجلس الوزراء واسحق آدم بشير وزير دولة بالنفط، ومحمد موسى تاور وزير دولة بالتربية والتعليم ، ومحمد مصطفى الفكي وزير الدولة بالإرشاد ، وابراهيم آدم أحمد وزير دولة بالرعاية والضمان الاجتماعي ، ومحمد محجوب عبد الرحيم توتو وزير دولة بالشباب والرياضة ، والخير النور المبارك وزير دولة بالصحة ، وعيسى ضيف الله وزير دولة بالسياحة والآثار والحياة البرية ، وعزة عمر عوض وزير دولة بالاتصالات.. وفي مقدمة المستقبلين برز والي الولاية الشمالية ، وميرغني محمد عثمان وزير الإرشاد بالشمالية ، وصلاح عمسيب وزير المالية ، ومعتمد مروي.
لم يكن حضور الوزراء توقيعاً على دفتر السد (مررنا من هنا)، لكن الأهم كان التوقيع على دفتر التاريخ ، وهو ما حملته الدقائق الطوال التي انتظر فيها الحضور مساعد الرئيس ومن معه ، للتوقيع على دفتر متحف مروي للزيارات والمعروف باسم (مروي لاند) حيث حصار التاريخ والحضارة ، ومأساة الحاضر في عدم الوعي بالمؤامرة التي تحاك لمستقبل بلد اسمه السودان.
الوزراء.. الوطن يكسب
يبدو أن السدود نجحت في رسم صورة ايجابية في تصورات واذهان الوزراء ، وهو ما برز في تصريحات معظمهم حيال المشروع ، حيث عَدّ بحر إدريس أبو قردة وزير الصحة ، السد انجازاً ضخماً وعملاً تنموياً كبيراً ، وأكد افتخاره بأن كل السودان يتلقى الطاقة من هذا الإنجاز.
فيما قال اسحق آدم بشير وزير الدولة بالنفط ، إنّ معيار تقدم الدول يُقاس بما تستهلكه من طاقة، وأكد التلازم بين الطاقة والاقتصاد باعتبارها غذاءه ونموه، وقال: (ما شهدناه اليوم في مروي دليل كافٍ على ما يشهده السودان من تطورٍ)، واعتبر توقيت إنفاذ السد إنجازاً للمعايير الدولية.
مروي: عمرو شعبان
السد .الرد؟ مشروع القرن؟ بدايه نهايه الفقر؟ كل السودان سوف يلتقي الطاقه منه؟ وفي النهايه نجي نشتري الكهرباء من اثيوبيا :confused: ويقولوا ليك لابد من اخراس المصطادون في الماء العكر؟ طيب دي يحلوها كيف:confused:
طيب ياعمر شعبان اولا ويالراي العام ثانيا ويالنيل ثالثا ويا حضرة الوزراء والوالي الهمام والزمرة الكاملة ميتن حيبدأ الشغل ؟؟ الخزان او السد دا خلاص عرفناه قام وملأ موية لابو عينه وطلع كهرباء والان قارب السنتين ماهو المردود الفعلي لاستقرار المواطن .. وهل فعلا كان كاذبا للاستثمار في الشمالية الطاقة والمياه وهما العمود الفقري اصبحتا متوفرتنا وبهذه الكمية ..
الى متى ستظل هذه الزيارات تلو الزيارات ، وماذا فعل الوزراء السابقون الذين زاروا هل قاموا بوتجيه اداراتهم او وزاراتهم نحو الاستفادة ام ان المسألة كلها طلام في كلام في موائد وصرف وازعاج للعاملين في اماكن عملهم .ز
لو كنت مسؤلا عن ادارة السد لاصدرت قرارا يمنع الزيارات الوزارية الغير مصاحبة لوفود اجنبية بصدد الاستثمار .. وفقط تكون مرة في العام