تحقيقات وتقارير

النيل الأزرق وجنوب كردفان… الـزراعة تتـرنح

[JUSTIFY]القت الحرب الدائرة بجنوب كردفان والنيل الازرق بظلالها السالبة على كافة مناحي الحياة بالولايتين، مما حدا بالمواطنين إلى المطالبة بالعمل على ايقافها بشتى السبل، وهو الأمر الذي تبحثه الحكومة بأديس أبابا، ومن أكثر القطاعات التي تأثرت بالحرب قطاع الزراعة التي تعتبر المهنة الاولى لمواطني الولايتين اللتين تمتلكان اكثر من اربعين مليون فدان صالحة للزراعة، تستزرع منها في فترات الاستقرار أقل من 20 مليون فدان، ولكن الحرب أسهمت في تراجع هذه النسبة بصورة كبيرة تقارب النصف، وبرغم مساعي الدولة لإنجاح الموسم الزراعي بالولايتين إلا أن مزارعين أبدوا تخوفات واضحة انعكست في تحضيراتهم التي وصفت بالخجولة والمترددة.

جنوب كردفان.. شكاوى ومخاوف:
برغم ظروف وملابسات الموسم الماضي التي حالت بينهم والحصاد، أبدى المزارعون بجنوب كردفان استعدادهم لدخول الموسم الزراعي الحالي، وكشفوا عن بعض المخاوف الأمنية، بجانب الاحتكاكات التي تحدث بين المزارعين والرعاة، وكشف رئيس مجلس التخطيط الاستراتيجي بولاية جنوب كردفان فيصل بشير عن خطتهم التي تعتمد على زراعة ستة ملايين فدان بالحبوب الغذائية ومليوني فدان بمحاصيل نقدية، وهي تمثل في مجملها 66.7% من المساحات المستهدفة. وتوقع رئيس المجلس أن توفر الخطة 770 ألف طن من الحبوب الغذائية.
ومن جانبه أشار وزير الزراعة بالولاية كمال عثمان بلة، إلى أنهم تمكنوا من الحصول على تمويل من وزارة الزراعة الاتحادية يصل إلى ملياري جنيه لتوفير التقاوى، بجانب تمويل من النهضة الزراعية، وطالب الأمين العام للمزارعين خارج الفكي التوم بتوفير الأمن والتقاوى والآليات، بينما أفاد نائب رئيس اتحاد مزارعي الولاية حمدان علي البولاد، بأن التداخل بين المزارعين والرعاة يعد واحدة من التحديات التي تؤرق المزارع، واقترح عقد ورش لمعالجة هذه القضايا، موضحاً أن للاتحاد تصوراً بقيام الورش في هبيلة وشمال كادقلي، قبل أن يطالب بتأمين الموسم الزراعي بهبيلة وأبو نورة وشمال كادقلي، ويشير البولاد في حديث هاتفي مع «الصحافة» الى ان المساحة المقترحة للموسم الزراعي تبلغ اربعة ملايين فدان، اثنان منها للزراعة الآلية ومثلها للتقليدية، مطالباً بزيادة التقاوي التي اعتبرها غير كافية، مؤكدا امكانية نجاح الموسم الزراعي الجديد في ظل التجهيزات الكبيرة.

ولكن على الأرض بدأت الاستعدادات خجولة لاستقبال فصل الخريف، اذ يقول احد المزارعين القدامى في محلية «هبيلة» وهي أكبر محلية زراعية في ولاية جنوب كردفان، انهم غير متحمسين للموسم الزراعي هذا العام، وذلك لأسباب كثيرة منها قلة الايدي العاملة وارتفاع تكاليف الزراعة وعدم الاستقرار الامني في بعض مناطق الزراعة، وأبان أحمد الشين الولي أن كثيراً من المزارعين في المنطقة لم يتمكنوا العام الماضي من حصاد زراعتهم مما سيجعلهم هذا الموسم يمتنعون عن الزراعة، وأوضح الشين ان البنك الزراعي لم يقدم لهم اية مساعدات مادية او معنوية لتحفزهم على الاستزراع على الرغم من الحديث الكثير من الحكومة عن دعم المزارعين. ورسم مراقبون صورة قاتمة للأوضاع الإنسانية التي ستواجه مواطني الولاية حال عدم التدخل من قبل الدولة لإنقاذ الموسم الزراعي القادم وتوفير الغذاء الذي يسد حاجة المواطنين خلال فصل الخريف، وتوقعوا عزل العديد من المناطق وخاصة هبيلة وما جاورها بسبب وعورة الطريق في فصل الخريف، بجانب عدم وجود طرق معبدة تصل إلى تلك المناطق، مشددين على أن تأمين الغذاء والزراعة يمثل أهم القضايا الاستراتيجية التي تتعلق بإنسان الولاية الذي يحترفها بوصفها مورداً أساسياً للمعيشة، موضحين أن الموسم السابق كان فاشلاً بسبب الحرب الدائرة ولم يحقق الاكتفاء الذاتي للولاية، مطالبين بتوفير المعينات والمدخلات الزراعية، خاصة الوقود والتقاوي والآليات للمزارعين بشروط ميسرة للشروع في التحضير المبكر للموسم الزراعي بمحليات الولاية المختلفة.

النيل الأزرق..استعدادات ولكن:
رغم عدم حصاد 60% من المساحة المزروعة في العام الماضي بسبب الحرب، إلا أن حكومة الولاية أولت الموسم الزراعي الحالي اهتماماً كبيراً لإنجاحه، ويؤكد وزير الزراعة الدكتور محمد المبارك خالد في حديث لـ «الصحافة» اكتمال الاستعدادات للموسم الزراعي الجديد، وقال إن خطة الوزارة للموسم الزراعي المرتقب مستمدة من الخطة الاستراتيجية ومن النهضة الزراعية، مبيناً تكوين الوزارة لغرفة عمليات لمتابعة الموسم الزراعي، تقف على كل التقارير التي ترد من المشروعات الزراعية، كما تم تكوين لجنة أمنية ولجنة متابعة ولجنة توفير مدخلات الموسم ولجنة للإشراف والمراقبة. وكلها تعمل تحت مظلة غرفة العمليات، وأبان أن الوزارة قامت بتوفير كل المدخلات الزراعية لهذا الموسم من تقاوٍ محسنة ومبيدات حشرية ووقود وتمويل من البنوك لصغار المزارعين، وأضاف أن إدارة وقاية النباتات عملت على مكافحة الآفات الزراعية قبل بدء عمليات الزراعة، وأضاف أن الوزارة استهدفت زراعة مليونين ومائتي ألف فدان بمختلف المحاصيل «الذرة 1.350.000فدان ــ الدخن 110.000 فدان ــ السمسم 500.000 فدان ــ زهرة الشمس 240.000 فدان ــ القطن 50.000 فدان و 50.000 فدان محاصيل أخرى مثل القوار ــ الفول السوداني ــ الذرة شامية واللوبيا»، علاوة على الإنتاج البستاني والإنتاج الحيواني تأميناً لغذاء الإنسان. وعن الجديد هذا الموسم قال إن الوزارة استجلبت «200» مائتي جرار، وستدخل تقانات زراعية حديثة تعمل على رفع الإنتاجية.. كما تم تدريب وتأهيل عدد كبير من المزارعين على تقانات الزراعة الحديثة، وعن الوضع الأمني وتأمين الموسم الزراعي بالولاية، أكد أن المحليات تشهد أمناً واستقراراً، وأن الوزارة وضعت خطة أمنية محكمة لتأمين الموسم الزراعي والمزارعين تحسبا لأي طارئ، وسيكون هنالك طوق أمني مباشر لكل المناطق والمشروعات الزراعية.

وكان نائب رئيس اتحاد مزارعي النيل الازرق العمدة ضو البيت عامر ضو البيت قد اكد لـ «الصحافة» في حديث سابق عدم حصاد 60% من المساحات المزروعة من الموسم الزراعي السابق، وقال ان عمليات حصاد محصول السمسم لم تتجاوز 5%، بسبب اندلاع الحرب وعدم توفر الامن والايدي العاملة، وقال ضو البيت لـ «الصحافة» إن نجاح الموسم الزراعي انحصر في محلية التضامن ومناطق شاطئ النيل الواقعة جنوب الولاية فقط، كاشفاً عن فقدان مزارعين لأرواحهم وآلياتهم. ورسم نائب رئيس اتحاد المزارعين بالنيل الازرق صورة قاتمة للموسم الزراعي الحالي لجهة تعرض أعداد كبيرة من المزارعين لخطر الاعسار، وطالب بضرورة الاسراع في تعويضهم حسب توجيهات النائب الاول للرئيس، وزاد «اذا لم توفر الدولة التأمين الكامل للمزارعين فلن يتمكنوا من الزراعة مستقبلا»، وقال عضو اتحاد مزارعي النيل الأزرق السيد محجوب خليل رسلان إن نحو «150» مزارعاً بمنطقة أقدي الجنوبية أصبحوا على بضع خطوات من دخول السجون، وقال في تصريح صحفي إن عشرات المشروعات الزراعية بالمنطقة لم يتمكن أصحابها من إجراء عمليات الحصاد بسبب التوترات الأمنية، كاشفاً في الوقت ذاته أن هنالك مجموعة من اللصوص قد استغلت الأوضاع المتأزمة بالمنطقة وقامت بعملية حصد الذرة والسمسم. وأشار محجوب إلى أن البنوك شرعت في ملاحقة المئات من المزارعين الذين كانوا في وقتٍ سابق قد استدانوا من أجل إكمال عملية الزراعة، وأوضح أن شهر مارس القادم ستتم فيه عملية السداد، غير انه استدرك بالقول: «ليس لدينا ما نسدد به بعد أن فقدنا كل ما نملك بالمشروعات»، مبيناً أن على الدولة أن تسعى من أجل تعويض المزارعين، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه قد وعد المزارعين بالتعويض خلال زيارته الأخيرة للنيل الأزرق. وقال محجوب إن على الدولة أن تسارع بحسم الأزمة قبل تبدأ البنوك ملاحقة المزارعين، مطالباً في الوقت نفسه صلاح المرضي رئيس اتحاد عام المزارعين بالتدخل العاجل لحسم القضية محلياً.

تراجع المساحات المزروعة:
وكشف نائب رئيس اتحاد مزارعي السودان غريق كمبال في حديث لـ «الصحافة» عن تراجع المساحة المتوقع زراعتها لهذا الموسم بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وذلك بسبب الظروف التي تمر بها الولايتان، كاشفاً عن التخطيط لزراعة أربعة ملايين فدان بجنوب كردفان ونصفها بالنيل الأزرق، وذلك من جملة 12 مليون فدان تزرع سنوياً، وقال إن الولايتين بالإضافة لسنار والقضارف تسهم بـ 90% من إنتاج المحاصيل في السودان، مبيناً أن هناك الكثير من الشركات تستثمر في القطاع الزراعي بجنوب كردفان والنيل الأزرق، وقال إن ولاية النيل الأزرق تعتبر موطناً للعديد من التجارب منها الزراعة الصيفية، قائلاً إن هذا يؤكد اهميتها، موضحاً أن 90% من سكانها يمتهنون الزراعة، وقال إن الحرب التي اندلعت في يونيو الماضي أثرت سلباً على الزراعة بولاية جنوب كردفان، ولعبت دوراً كبيراً في انخفاض المساحات المزروعة لهذا الموسم خاصة التقليدية، مبيناً أن الحصاد واجه مصاعب جمة بالولايتين في الموسم الماضي، موضحاً تلف كميات كبيرة من المحاصيل بسبب استباحة قوات الحركة الشعبية والثروة الحيوانية العائدة من دولة الجنوب لهذه المحاصيل، وقال إن الأضرار الكبيرة التي وقعت على المزارعين في الموسم الماضي بالنيل الأزرق وجنوب كردفان كانت كبيرة، متوقعاً على إثر ذلك خروج عدد من المناطق من الموسم الزراعي مثل ريفي البرام وريفي أم دورين وتلودي وأم برمبيطة، مبيناً أن الزراعة ستنحصر في مناطق شرق أبو جبيهة ومحلية التضامن وشمال العباسية، واشترط نائب رئيس مزارعي السودان لنجاح الموسم الزراعي توفير الأمن للمزارعين بمختلف أنحاء الولايتين. [/JUSTIFY] تقرير : صديق رمضان
الصحافة