تحقيقات وتقارير

د. محيي الدين تيتاوي : الثورات العربية في الميزان!!

الثورات العربية جميعها وبلا استثناء وبالرغم من الإجماع الشعبي المحلي والعالمي حولها ونجاحها في إزاحة الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة.. إلا أن مشكلات كبيرة ظلت تعترض سبيلها وتعكِّر صفوها إما نتيجة للخلافات الظاهرة بين عناصر الثورات الذين لا يختلفون حول الثورة وأهدافها وإنما تأتي الخلافات تارة مذهبية وطوراً حزبية.. وأحياناً لا تخلو من ضرورة تطبيق الشرعية الثورية، وإما نتيجة للخلايا الفلولية النائمة التي ما إن تجد فرصة إلا وأثارت المشكلات وأقامت العراقيل في وجه السلطات الثورية الجديدة التي تريد أن «تنهض بالبلاد عبر الأفكار الجديدة وتحت شعار الديمقراطية والتوافق بين الفئات الثورية المتطلعة.. ففي اليمن مثلاً تشتعل المعارك بين القوات الحكومية وتنظيمات مختلفة وتضطرب الأحوال ولا يوجد الاستقرار الذي كان قبل الثورة وقبل التضحيات العظيمة التي دفعها شباب الثورة اليمنية.. وفي تونس تنشأ الخلافات المذهبية والسياسية بين الحين والآخر بالرغم من الصورة الحضارية التي جرت بها الانتخابات وأفرزت ما أفرزت من القوى السياسية وجاء حزب النهضة في المقدمة كخيار شعبي لا يستطيع أحد أن ينكره.. وبالرغم من الخطاب الهادئ الوطني الواقعي الذي برز به حزب النهضة إلا أن بعض قوى اليسار والأجندة الاستعمارية لم تطمئن للحال.. وأخذت تصدر البيانات وتفسر المواقف بحسب رؤيتها للحركة الإسلامية وفكرها وما ينبغي عليها أن تشكله من سلوك.
في ليبيا التي استطاعت فيها أن تزيح القوى الثورية أكبر طاغية دموي مجنون في العصر الحديث بالدم والتضحيات واستشهاد الآلاف من الشباب الليبي الثائر.. ولكن وبالرغم من أن هناك تنظيماً لانتخابات لاختبار برلمان يخط الدستور ويحقق الاستقرار للقطر الشقيق.. إلا أن مخلفات الماضي البغيض من جهوية وعنصرية وعصبية للمدن دفعت بالأمور وتدفعها إلى حافة الهاوية وتجعل المراقب القريب يضع يديه على قلبه إشفاقاً على مكتسبات الشعب الليبي وتحقيقه لأهداف الثورة من حرية وتعددية وديمقراطية واستقرار وتنمية تدفع بهذا القطر إلى الأمام لتكون في مصاف الدول النفطية العصرية.. وربما تأتي نتائج الانتخابات بالفرج والنصر القريب للشعب الليبي الشقيق بتوحيد صفوفه وحماية وحدة أراضيه والارتضاء بنتائج الانتخابات التي شارك فيها الشعب الليبي بإرادته الحرة واحترام هذه الإرادة من كافة القوى الثورية.
أما في مصر فإن عناصر الثورة بالرغم من أنها متماسكة إلا أن عراقيل كثيرة توضع أمام القوى الثورة لكي تعمل على إنفاذ أهداف الثورة.. فهناك الفلول وهم جزء مقدر بالكم والكيف من شعب مصر.. وهم قوام نظام امتد ببقائه لأكثر من ستين عاماً رغم تعدد الرؤساء والمسميات.. هو جسم تشكل عبر سنوات طويلة وصارت له جذور وأنياب وأيادٍ.. هذا الجسم الضخم الذي أزيح من على واجهة المجريات لن يسكن ولن يقبل بسهولة.. ولعل القرارات المفاجئة والفتاوى والشائعات والحملات الدعائية ضد الإخوان المسلمين الذين جاء بهم الشعب المصري عن معرفة ودراية ومعايشة.. وعرف عنهم الجهاد والكفاح والمقاومة والتضحيات وبلغت حملات التشكيك في نوايا الإخوان حتى بعد فوز مرشحهم الدكتور محمد مرسي درجة إثارة الفتن بدليل واحد أذكره على سبيل المثال لا الحصر.. عندما أعلن الرئيس إنشاء ديوان المظالم.. قالوا إن هذا المسمى يريد أن يعيدنا إلى ما قبل 1400 سنة..!! وهذا مجرد مثال فالإعلام كله يوجه سهامه نحو هذه الفئة من الشعب المصري بسبب التشويه الذي لازم وجودهم من قبل الأنظمة الظالمة السابقة.. ولم يستطع الإعلاميون التفاعل مع خطاب الثورة ومفاهيمها وشعاراتها.
إذاًً هناك مشكلة لا بد من الوقوف عندها وتحليلها، كيف العمل إلى إنجاح الثورات العربية بعد نجاحها في إزاحة النظم الدكتاتورية القديمة خاصة وأن الدول الاستعمارية التي عملت على الإبقاء على تلك النظم الظالمة لشعوبها رغم عدم ممارستها الديمقراطية كما يمارسها الغربيون.. وهم اليوم يتمنون عودة النازية العربية مرة أخرى.. لأن الثورات كلها أسفرت عن الإسلام الذي لا يريده الغرب الصليبي الصهيوني.

صحيفة الانتباهة