تحقيقات وتقارير

د. محيي الدين تيتاوي : التفكير في الهجرة !!

ظللت أُفكِّر في العمل بالمهجر طوال سنوات عملي التي تجاوزت «الاثنين وأربعين» سنة منذ تخرجي في جامعة أم درمان الإسلامية قسم الصحافة، وأسعى لذلك ما بوسعي عندما أكون متضايقاً من المشكلات التي تصوب نحوي أو ينتابني شعور قوي بذلك.. ولكن شيئاً ما يمنعني.. يحرمني.. يقف في وجهي ويبدو لي أن هذا البلد لا يريدني أن أغادره، رغم أنني فارقت والدي ووالدتي وأهلي في هجرة داخلية طلباً للعلم منذ أن كان عمري «أحد عشر عامًا».. اغتربت في الخرطوم.. وعشت في بورتسودان أحلى أيام صباي وحصلت على العلم من أساتذة كرام وشيوخ أفاضل، ثم عدت إلى الخرطوم للدراسة الجامعية عقب ثورة أكتوبر.. والتحقت بجامعة أم درمان الإسلامية.. ودرست الصحافة على أيدي أساتذة رواد وكرام حتى أنتابنا إحساس بأننا نهلنا من العلم ما يكفي ويفيض سواء في العلوم الشرعية وعلى رأسها (رسالة بن أبي زيد القيرواني) أو من اللغة.. وفي قمتها جزئي (شرح ابن عقيل) أي ألفية ابن مالك.. ومن لم يدرس الرسالة في الفقه وألفية ابن مالك في اللغة فإنه لم يقرأ شيئاً منهما.. وهي الذخيرة المساعدة التي أعانتني على الاستمرار في الحقل طيلة هذه الفترة، وهي التي ربطتني ببلدي السودان.. وبوطني الصغير القولد.. برغم الكثير من المظاهر الطاردة ورغم الحرب المستعرة والمستمرة من عدة جهات تعتقد أنها هي الأولى بأي موقع تبوّأه هذا الفقير إلى الله المرتبط بتراب بلده المتمسك بالقيم والأخلاقيات القابض على الجمر المحسود حتى في لقمة القراصة التي يلتقمها..
عشرات الصحفيين هاجروا إلى بلاد الدولار والدينار ورتبوا حياتهم وغيروا أحوالهم وأحوال أسرهم.. ولم يتحدث بذلك أحد.. ولم يهمس البعض لبعضهم خبثاً أو مكراً أو حسداً.. أو استكثاراً.. ولكن عندما تدبرت أمري وجاءتني الدعوة تجرجر أذيالها.. وأنا خالي عمل.. لا أملك صحيفة وراضٍ عن حالي وقسمتي وأحمد الله أن توقفت صحيفتي التي لم أعقد لها أفرشة التعازي ولم أصرخ في وجه المانحين.. محليين أو أجانب ولم يذرف أحد دمعة عليها.. بل إن عددًا من الزملاء كانوا يطاردونني بسبب ديون وهمية وادعاءات كاذبة يقودهم الحقد الأعمى وأودعوني الكريزما عدة مرات إلى أن أنعم الله علي بقيام الشركاء بتصفية الشركة وإنهاء مسلسل الاستهداف.. وأنا أكتب هذا ليس لكي يعطف علي أحد أو طلباً لإعانة أحد فالله هو المعين والمستعان وهو المعطي والقابض.. (وفي السماء رزقكم وما توعدون) صدق الله العظيم.
أعود للموضوع حيث إنني نطقت فقط بكلمة الهجرة إلى ليبيا للعمل بإحدى جامعاتها أستاذًا للإعلام، قامت الدنيا.. وانتقلت الأخبار حتى أرجاء الخليج العربي.. بينما تشهد جامعاتنا اليوم بهجرة بحكم النزيف آلاف الأساتذة وفي مختلف الكليات تم التعاقد معهم للعمل بالجامعات الخارجية.. فما الغريب في شخص غير مرتبط بأية جامعة وغير مرتبط بأي عمل مع الحكومة.. أبناؤه عاطلون عن العمل وهو قد لحق بهم.. والغريب في ذلك.. لماذا يتهامس البعض برغم أن أمر هجرتي لم يقطع فيه بعد.. لم أستلم قبول أوراقي ولم أوقِّع على أي عقد ولم أتسلم تذكرة سفر.. لماذا هكذا أيها الزملاء إن لم يكن في الأمر شيء وأشياء.. حقيقة أنا لم أكن جاداً في الهجرة ولكن طالما أن الأمر هكذا فإنني سوف أقر بجدية في إخلاء جميع التزاماتي إذا جاءت الموافقة من الجهة المعنية بقبول هجرتي ـ وسأعمل على مساعدة أبنائي وبناتي الذين لم يجدوا فرصة من آلاف الفرص التي فتحت للعمل لكي يعملوا بالخارج حتى لا يكونوا مثل والدهم ليهاجروا في نهاية الأمر.. فالهجرة واحدة من المفردات الإسلامية.. وأرض الله واسعة يجب أن يطلب المرء مبتغاه إينما كان.. والله الموفق..
صحيفة الانتباهة