تحقيقات وتقارير

الإتفاق حول النفط مع دولة جنوب السودان .. الأمن أولاً

وجد اتفاق دولتي السودان وجنوب السودان على رسوم تصدير نفط الأخيرة عبر الموانئ السودانية استحساناً داخلياً وخارجياً، فالبلدان يعتمد اقتصادهما على النفط بشكل كبير ومنذ إعلان دولة جنوب السودان إغلاق حقول إنتاج النفط ووقف تصديره عبر الأراضي السودانية أدرك الجميع مدى المصاعب الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم وأسعار العملات الأجنبية في كلا البدين، ويعني الاستمرار في عدم استغلال وتصدير النفط مزيداً من الأزمات الاقتصادية والسياسية وما ينجم عنهما من صدمات واضطرابات.
وقد أبدى المانحون الدوليون أيضاً تبرمهم من خطوة ايقاف ضخ النفط في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي تضرب اقتصاديات الدول المتقدمة منذ العام 2008 حيث لا تزال اقتصاديات منظمة اليورو (الاتحاد الاوربي) مثلاً تقاوم شبح الإفلاس على غرار ما جرى في اليونان وايسلندا واسبانيا فيما الخطر يتهدد بقية الدول، ويعني هذا في أعراف سياسات التمويل والإقراض الدوليين أن المنح والقروض قد لا تنساب إلى الدول التي تحتاجها بنفس وتيرة الحالات العادية وأن الأولويات بالنسبة للدول المانحة هي لوقف التدهور الاقتصادي وتقديم حزم الإنقاذ المالي للمؤسسات الوطنية لانعكاسات ذلك على رفاه الشعوب وازدهارها الاقتصادي وما يتبعه من آثار تتعلق بالاستمرار والنمو الاقتصادي.

انتحار سياسي
ووصف مراقبون إقدام دولة جنوب السودان على وقف تصدير النفط الذي تعتمد عليه موازنتها العامة بنسبة (98%) بأنه انتحار سياسي فهي فضلاً عن كونها دولة وليدة وتحتاج إلى أموال ضخمة لتأسيس البنيات التحتية والخدمات العامة وسيرورة كاملة من خطط الإعمار وإعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادي في هذه المرحلة بما يمكنها من الإندماج في الاقتصاد العالمي بشكل تدريجي ، فالدولة الوليدة هذه أيضاً تحتاج إلى توفير بيئة جاذبة للاستثمار واستيفاء شروط الاستثمار الاجنبي المباشر على رأس تلك الشروط الأمن والاستقرار وبناء هياكل فاعلة للدولة تحظى باعتراف دول العالم ومؤسساته، وبدلاً من ذلك عملت قيادة الدولة الوليدة على محاصرة نفسها بالأزمات وافتعال الحروب والنزاعات المسلحة لا سيما مع السودان الذي كان يوفر للسوق المحلية لدولة جنوب السودان عبر تجارة الحدود والواردات عبر ميناء النقل النهري بكوستي انسياباً سلساً لسلع كثيرة ولكن التمادي في العدوان وعدم الالتزام بسياسة حسن الجوار دفع السودان في إطار صد العدوان وحماية الأمن القومي للبلاد من المخاطر الصادرة من دولة جنوب السودان إلى وقف تصدير البضائع إليها وإعلان فرض حالة الطوارئ في المناطق الحدودية والتصدي بحزم لعمليات تهريب البضائع والسلع إلى داخل دولة جنوب السودان عن طريق الحدود ونتيجة لوقف تصدير النفط والإجراءات الاحترازية التي اتخذها السودان شهدت أسواق دولة الجنوب ندرة كبيرة في السلع الضرورية وبسبب ذلك تزداد الضائقة المعيشية على المواطنين يوماً بعد يوم ولم تتمكن السلع والخدمات التي تقدمها شركات وأفراد من كينيا ويوغندا و أثيوبيا من سد الفجوة الموجودة بالأسواق في دولة جنوب السودان.

شفا الكارثة
وقدرت الفجوة في الاقتصاد السوداني التي أوجدها وقف دولة جنوب السودان تصدير النفط عبر أراضي السودان ما بين (7) مليارات دولار حسب المسؤولين السودانيين و(10) مليار دولار حسب البنك الدولي ، ومن المتوقع أن يوفر الاتفاق حول النفط بين البلدين لدولة السودان 3 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات وسوف يسهم في وقف انخفاض سعر الجنيه السوداني في الأسواق ومعالجة الشح في توفر النقد الأجنبي وارتفاع أسعاره أيضاً.
وأراد مسؤولو دولة جنوب السودان من ايقاف تصدير النفط إحداث انهيار اقتصادي في السودان في الوقت الذي تتوسع فيه الهجمات العسكرية التي يشنها المتمردون المدعومون من قبلها ضد الأهداف والمنشآت الاقتصادية وكان المخطط الذي رسم بعناية داخل دولة الجنوب وبمشاركة أطراف دولية قام على افتراض أنه في غضون شهر أو شهرين يمكن أن تؤدي الأزمة الاقتصادية الخانقة إلى التعجيل بسقوط النظام سواء عبر هبة شعبية داخلية أو زحف المتمردين انطلاقاً من الحدود مع دولة جنوب السودان، كما ظنوا أيضاً أن الإبقاء على العقوبات الاقتصادية ستعرقل مساعي السودان للحصول على القروض الأجنبية، وإن البدائل الاقتصادية التي اتخذتها حكومة السودان أما أنها لا تسعفها لوقف التدهور الاقتصادي أو أنها سوف تزيد من حدة الاحتجاجات الشعبية ، إلا أنه وبعد مرور عدة أشهر لم تحقق تلك التنبوءات وعلى العكس فإن الأزمة الاقتصادية الناتجة عن وقف دولة الجنوب تصدير النفط سوف تعجل بسقوط دولة جنوب السودان قبل السودان وارتفعت الأصوات الدولية التي تحذر من أن دولة الجنوب على شفا الكارثة وأنه في غضون شهور قليلة يمكن أن يحدث انهياراقتصادي كامل بها.

دولة متسولة
توهم قادة دولة جنوب السودان أن العطف والدعم والدعاية التي وجدوها ابان سنوات الحرب وقبيل إعلان دولتهم الجديدة سوف يستمر ويغدق عليهم الأموال من الخارج باستمرار ولم يدركوا مدى التحول في رؤية العالم إلى الدولة الوليدة، فالعالم بات ينظر إلى قادة الدولة كونهم مسؤولين أمام شعبهم ويقع على عاتقهم إدارة موارد وإمكانات الدولة الوليدة بما يوفر الرفاه والازدهار الاقتصادي لهذا الشعب، كما أن قواعد بذل الأموال والمساعدات الإنسانية في فترة الحرب اختلفت عنها في مرحلة الدولة فلم تعد النزعة الإنسانية والخيرية هي التي تتحكم في النظر إلى دولة جنوب السودان وإنما (المصالح القومية) التي سوف تحصل عليها الدول المانحة سواء أكانت عقود أو عطاءات أو فرص اقتصادية لشركاتها الخاصة أو العامة وظلت المنظمات الإنسانية العاملة في جنوب السودان تطلق النداءات لدعم توسيع أنشطتها ومقابلة الحاجات الإنسانية المحلة في الدولة الجديدة رغم بعض التقديرات ذهبت إلى أنه موضوعياً كان يجب تقليص العمليات الإنسانية هناك حيث تقاعس مسؤولو الدولة الوليدة عن إظهار قدرتهم على بناء سياسات أو مؤسسات بديلة تضطلع بمسؤوليات ملء الفراغ الذي يولده مغادرة أو تقلص نشاط المنظمات الإنسانية . ونقل المحلل السياسي الدكتور عبد الوهاب الافندي عن أحد الموظفين الدوليين والذي عمل لسنوات طويلة في جنوب السودان بعد إعلان الدولة الجديدة قوله: (إننا نشهد ولادة أول دولة يديرها المتطوعون في العالم) في إشارة إلى أن المنظمات الأجنبية وليس مؤسسات دولة جنوب السودان هي من يقع عليها عبء توفير الخدمات العامة في الظروف العادية وفي حالات الطواريء أيضاً.

الأمن أولاً
وبالنسبة للحكومة السودانية فإنها قد تجاوزت الشرك الذي نصب لها والصدمة الاقتصادية التي خلفها فقدان بترول الجنوب وعائدات مروره بعد الانفصال حيث قطع تنفيذ البرنامج الثلاثي مراحل متقدمة كما أن البدائل الاقتصادية مثل الذهب والمنتجات غير البترولية قد أثبتت جدواها إلى جانب الإجراءات التقشفية التي اتخذتها الدولة في مستويات الحكم المختلفة بالمركز والولايات.
وعقب إعلان التوصل إلى اتفاق حول ملف النفط مع حكومة جنوب السودان قال د. كمال عبيد رئيس و فد الحكومة للتفاوض حول ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق إن تنفيذ اتفاق النفط رهن بمدى التوصل إلى حلول للقضايا العالقة الأخرى وفي مقدمتها الملف الأمني وشددت ورقة الحكومة السودانية التي قدمتها إلى الوساطة الأفريقية على ضرورة فك الارتباط مع الفرقتين التاسعة والعاشرة التابعتين للجيش الشعبي بجنوب كردفان والنيل الأزرق ووقف كافة أشكال الدعم التي تقدمها حكومة جنوب السودان لما يسمى بتحالف كاودا.
وأدرك المجتمع الدولي من تطورات الأحداث المتلاحقة أن استمرار دولة جنوب السودان في دعم حركات التمرد ضد الشمال كفيلة بإشعال حرب إقليمية تلقي بظلالها على سائر منطقة القرن الأفريقي والبحيرات العظمى وأن المجتمع الدولي ليس مستعد لتحمل التبعات الإنسانية لأي حرب إقليمية أو أزمات قد تنجم عنها، كما أن قدرته على مساعدة دولة جنوب السودان على النهوض قد تتضاءل إذاما استمرت سياسة إشعال الحروب ضد الجوار والنزاعات المسلحة داخل الدولة الوليدة نفسها، وتجد الآن اطروحات حكومة السودان بأن الأمن مقدم على بقية الملفات القبول من الوساطة الأفريقية رفيعة المستوى والأمم المتحدة وحتى الأطراف الدولية التي تتزرع بانعدام الأمن لعقد مؤتمر للمانحين لدعم الاقتصاد السوداني حسب مقتضيات اتفاقية السلام الشامل.
حيلة أخرى
ويرى البعض أن الصقور والمتشددين داخل قيادة دولة جنوب السودان يقبلون على مضض الضغوط التي مورست عليهم لاستئناف ضخ النفط ولكن لن يتحلوا بالمسؤولية ويركنون إلى خيار السلام وحسن الجوار مع السودان ما دامت توجد أصوات داخل المؤسسات الأمريكية توفر لهم الغطاء السياسي والدعم الإعلامي وسارع باقان اموم كبير مفاوضي دولة جنوب السودان إلى اتهام المجتمع الدولي بممارسة الضغوط عليه والتحيّز إلى السودان في اتفاق النفط الذي تم التوصل إليه مؤخراً لارتباطه بالسوق العالمي ولكن حسب احصائيات اسواق الطاقة في العالم فإن إنتاج دولة جنوب السودان لا يشكل إلا نسبة ضئيلة من الإنتاج العالمي ولم يؤثر وقف تصدير نفط دولة الجنوب بحيث ترتفع أسعار برميل النفط في العالم مثلما يحدث في حالات الأزمات بمناطق الإنتاج مثل حادثة التسرب النفطي في خليج المسكيك أو التوتر في دلتا النيجر او بحر قزوين او بلدان الخليج العربي.
وبعد سقوط كل المخططات الرامية لإضعاف السودان والتي تم تدبيرها انطلاقاً من دولة جنوب السودان من المتوقع أن يضعف الموقف التفاوضي للأخيرة بشكل كبير مما يفتح الباب للتوصل لحلول سلمية للقضايا العالقة بينها وبين السودان فهل يبرز صقور الحركة الشعبية الحاكمة في دولة جنوب السودان بحيلة جديدة لاستمرار التوتر والعدوان ضد السودان.

تقرير smc

تعليق واحد

  1. الغاء النهج العدائي الغبي والغير مبرر علي الشمال او الطوفان!! هكذا تبدوا المعادله في وجه قاده الحركه الشعبيه!! فالحقد الاعمي للشمال وثقافه الكراهيه لاتكفيان لاداره دوله وليده تعتمد بنسبه ٩٨% علي عوائد تصدير البترول عن طريق الشمال!! فالاقتصاد يحتاج الي السلام واعاده العلاقات الوديه !! وتعاون الشمال يوفر ضخ الاموال في شرايين مؤسسات الدوله الحيويه!! وفي مقدمتها الامن والغذاء والطاقه والخدمات الصحيه والتعليميه .وفي ظل الازمات العالميه الماليه في العالم الغربي كله فلا معين لاموال تاتي من الخارج لاستمرار سياسات عقيمه مثل اسقاط نظام حكومه الاتقاذ الاسلاميه !! ففي خلال العقدين الماضين فشلت الادارات الامريكيه المتعاقبه في اسقاطه لانه اكتسب مناعه وازداد قوه وتجاوز كل العقبات والازمات العسكريه منها والاقتصاديه والسياسيه!!
    والعكس تماما حدث مع جنوب السودان؟ فبدلا عن الانتعاش الاقتصادي والوفره ومشاريع التنميه المتوقعه وفوائض الاموال من البترول والمعونات الماليه والفنيه والعسكريه من الغرب !! توقفت التجاره مع الشمال الذي كانت توفر كل شئ لاقتصاد الجنوب !! وانقطع النفط وامواله وتجاره الدول المجاوره !!فاصبح الناس والدوله علي حافه الهلاك والسقوط!! وانعدم كل شئ !! وجائت الفكره بعد ذهاب سكره الاستقلال المزعوم !!
    فاما التعاون والسلام والاستقرار والتحرر من التبعيه للغرب ؟؟ واما السقوط في الهاويه!!. والله من وراء القصد…ودنبق