تحقيقات وتقارير

اغتيالات ومحاولات للزعزعة : شمال دارفور .. ماذا بعد طوارئ “كتم”؟!

عادت الأحداث مرة أخرى لسخونتها في جزء من إقليم دارفور عقب حالة من الهدوء النسبي شهدها الإقليم خلال عامين، بعد أن طفح الصراع إلى أفق السياسة محلياً وإقليمياً ودولياً.. وتجددت أعمال العنف بمناطق من الإقليم، كان أبرزها بولاية شمال دارفور بعد مقتل معتمد محلية الواحة “عبد الرحمن محمد عيسي” في شهر أغسطس الماضي، حيث أشعل مقتله الأحداث، وأخذت بعداً مختلفاً بالمنطقة، واتهم البعض المجموعات المتفلتة بالتورط في الأحداث التي أخذت تتطور بوتيرة متسارعة وسط مخاوف من اتساعها في مناطق أخرى..
وامتداداً لذلك جاءت محاولة اغتيال معتمد محلية كتم “أحمد آدم أبّو” داخل أحد أحياء المدينة في وقت تجري فيه مفاوضات أديس أبابا، ودخلت فيه اتفاقية الدوحة للسلام في دارفور عامها الثاني.
ويربط الكثير من المراقبين الأحداث باتفاقية الدوحة للسلام، ويرون أن بعض الحركات تحاول إثبات وجودها بعد قفل ملف المفاوضات واعتماد وثيقة الدوحة المفتوحة لمن أراد الانضمام إليها من الحركات.. ويشير القيادي بحركة التحرير والعدالة دكتور “عبد الناصر سلم” في حديثه لـ (المجهر)، أمس (الخميس)، إلى أن العمليات العسكرية التي تقوم بها الحركات غير مقننة، وتهدف لمزيد من التشريد وإقامة معسكرات جديدة للنازحين.
وتشير أصابع الاتهام لحركة جيش تحرير السودان جناح “مناوي” التي لها وجود واضح في بعض أجزاء شمال دارفور، وتعتبر من أكثر الحركات نشاطاً بالمنطقة.
لكن حكومة الولاية – التي دائماً ما تبتعد عن رمي الاتهامات جزافاً مثل ما حدث في المحاولة الشهيرة لاغتيال والي الولاية “عثمان محمد يوسف كبر” في منطقة (شنقلي طوباي) – نأت عن اتهام أي حركة.
وأبدت الحكومة انزعاجها من تطورات الأحداث الأخيرة، وفي محاولة للسيطرة على انفراط العقد أصدر والي الولاية قراراً قضى بتكليف العميد “محمد كمال محمد نور” قائد المنطقة للإشراف على إدارة الشؤون التنفيذية لمحليتي كتم والواحة وتمديد حالة الطوارئ بالمنطقة، وذلك لحين استقرار الأوضاع الأمنية، كما أصدر الوالي قراراً بسحب لجنة التحقيق في أحداث مقتل معتمد الواحة من مدينة كتم، بجانب سحب قوات الشرطة والاحتياطي المركزي، ونقل رئاستيهما إلى خارج المدينة، علاوة على إغلاق جميع المدارس لحين إشعار آخر.
ووصف”كبر”، خلال مؤتمر صحفي، الأحداث التي شهدتها المحلية بالمؤسفة والفردية، معلناً في هذا الصدد حظر تجوال بالمحلية من الساعة السادسة مساء وحتى السابعة صباحاً. ولاحتواء الموقف قام بعض قيادات الإدارة الأهلية ببعض الاتصالات؛ توجت بصلح بين الأطراف المتنازعة، ووقعت من خلالها ما سميت بوثيقة الصلح، وعادت بعدها الأوضاع الأمنية في المنطقة إلى طبيعتها.
ويقول رئيس الإدارة الأهلية بالولاية الناظر “حسين ضو البيت” إن أي عمل عدائي يتم بعد التوقيع على الوثيقة يعتبر عملاً فردياً.. ونفى أن تكون الأحداث الأخيرة ذات طابع قبلي.. وقال: (كنت وسيطاً في الاتفاق ونتمنى وقف العدائيات وندعو للتعايش السلمي). وأوضح لـ (المجهر) أن بمحليتي كتم والواحة أكثر من ثلاثين قبيلة تعيش في سلام.
بعثة الـ (يوناميد) التي كانت شاهدة مؤخراً على التوقيع على وثيقة عهد وميثاق بين المحليتين الملتهبتين (كتم والواحة)، يتم بمقتضاها وقف العدائيات، وإزالة التوترات والاحتقانات جراء الأحداث الأمنية.. لم تبدِ أي تحرك إزاء تدهور الوضع الأمني، بل اكتفت ببيان، قالت فيه إنها تلقت أنباءً تفيد بمقتل وإصابة أشخاص خلال الأحداث التي وقعت بمحلية كتم، وأشارت إلى أن مسلحين هاجموا معسكراً للنازحين في كساب، ونهبوا سوقاً، وطالبت البعثة في بيان الحكومة بالتحقيق في أنباء الهجمات وتدمير ونهب بعض المعدات الخاصة بوكالات الإغاثة الإنسانية، وتقديم كل المتورطين للعدالة. وقال البيان إن البعثة اتخذت التدابير، بما في ذلك وجود قوة حماية في مخيمات النازحين، وأن هناك فريقاً للتقييم من البعثة زار كتم ومعسكر كساب للاجتماع مع السلطات المحلية وممثلي المجتمع المحلي، لتقييم الأوضاع على الأرض ومعرفة احتياجات السكان.
وينظر مراقبو الأوضاع بدارفور عامة بقلق شديد لأي تحركات على الأرض، خاصة التي تقع في قري مأهولة بالسكان، كالتي وقعت داخل مدينة كتم ومليط مؤخراً، في أعقاب مقتل معتمد محلية الواحة وسائق عربته، حيث أن أي اشتباكات قد يروح ضحيتها الكثيرون، حيث تنعكس مثل هذه التطورات سريعاً على الأوضاع الأمنية والإنسانية بزيادة أعداد الفارين إلى معسرات النازحين للاحتماء.
وكانت قد شددت الوثيقة، التي وقع عليها معتمدا كتم والواحة بالإنابة، ورئيسا المجلسين التشريعين ورؤساء الإدارات الأهلية والأعيان الواجهات المختلفة بالمحليتين، وبشهادة أعضاء حكومة ولجنة أمن الولاية، واعتماد والي الولاية، شددت على التزام الطرفين بالحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار، ونبذ الشائعات وإزالة التوترات والاحتقانات وإيقاف أنواع التحرشات والاعتداءات والعدائيات كافة بالمدن والقرى والدمر والفرقان ومعسكرات النازحين ومشارب المياه والمزارع والمراحيل والطرق..
ورغم بسط السلطات لسيطرتها على المنطقة، إلا أن بعض المناوشات ما زالت تقع بين الفينة والأخرى، أخطرها حادثة اعتداء متفلتين بالمدينة يوم الأربعاء على طلاب في طريقهم للمدارس؛ مما استدعى إغلاق جميع المدارس بمدينة كتم.

سيف جامع
صحيفة المجهر السياسي

تعليق واحد