منى سلمان

النار تلد الرماد

النار تلد الرماد
تعبّر الامثال عن حاكمية الجينات والعوامل الوراثية في مشابهة الابناء لآبائهم، ففي ذلك نقول (من شابه اباه ما ظلم) و(البت لي امها) .. حتى في توارث الشر نقول (الحيّة لا تلد إلا مثلها) و(جنا الفار حفّار) .. ولكن وبما ان لكل قاعدة شواذاً فقد يأتي الخلف مختلفا كاختلاف الليل والنهار عن السلف .. تكون الام هدية ورضية طائعة لربها وزوجها حافظة لنفسها، ويكون الاب مثالا لحسن الخلق والصلاح، ولكن يبتليا بابن (يرهقهما طغيانا وكفرا) وفي ذلك تقول امثالنا الدارجة (النار تلد الرماد)، كذلك عندما يخذل الابناء التوقعات ويفشلوا في مواصلة مسيرة تميّز آبائهم نقول (يخلق من ظهر العالم فاسق أو فاسد).. والعكس صحيح ايضا فقد (يخلق من ظهر الفاسق عالم) ..
نعود لحكمة (النار تلد الرماد)، فقد لا يكون للآباء يد تقصير او اهمال في خيبة رجاء الابناء، كحال سيدنا نوح مع ابنه الذي كان (عملا غير صالح)، او كحال سيدنا آدم مع ابنه الذي سولت له نفسه قتل اخيه ليكون اول قاتل في التاريخ، ولكن بالمقابل نجد ان انشغال الآباء وغيابهم الدائم عن مشهد الحياة اليومية للابناء، وترك مهمة الاشراف والمتابعة التربوية على عاتق الام وحدها، سببا في تحول نار التوق للمستقبل المشرق لرماد خيبة الآمال وسوء المآل، عندما تفشل الام في سد خانة غياب السلطة الابوية وهيبتها، وتسقط في امتحان القدرات امام تحديات (قرش الحصى) في عنت التربية، خاصة اذا تعمدت تغييب دور الاب وتهميشه، بسبب انغماسه في هموم كسب العيش، او (مساككة) مظان المال والاعمال، او الانشغال بالابحار في بحور العلوم .. علوم دين كانت او دنيا ..
في احدى سفرياتي قمت بزيارة لاسرة سودانية (معكوسة الاوضاع)، فعلى عكس المعتاد اختارت الام والابناء الاقامة بالخارج لضرورات العمل والتعليم، بينما ظل رب الاسرة مقيما بالداخل ايضا للضلوع بمسئوليات والتزامات بشأن العمل العام .. حدثتني ربة المنزل عن معاناتها في رعاية ابنائها ومتابعة تحصيلهم العلمي، ومجاهداتهم الاجتماعية لردم هوة الاختلاف بين مجتمع محافظ عاشوا فيه طفولتهم، ومجتمع مشرع الابواب نحو عوالم الحرية والتحرر المشوب بالانحلال انتقلوا اليه في بواكير الصبا والشباب .. حدثتني في حزن عن مشاعر ابنائها السالبة تجاه غياب ابيهم الدائم، وانحيازه لخياراته الفكرية والعملية على حساب التزاماته الاسرية، بل وشعورهم بالاستغناء النفسي عن وجوده في المستقبل، خاصة وانهم قد افتقدوه في محطات مهمة من حياتهم احتاجوا وجوده بينهم فيها، فلم يجدوا غير وسادته الخالية وشيئاً من رائحة الذكرى المتخلفة على ملابسه التي يرتديها عندما يزورهم في الاجازات ..
مع بداية ولوجي لعالم الكتابة الصحفية (على كبر)، حدثت الاستاذ (كمال حسن بخيت) عن رغبتي في انجاز مقاربة لعوالم أسر وابناء مشاهير العمل العام من الساسة وقادة الفكر والرأي، فقد كنت شغوفة بالاطلاع على العوالم الاسرية والشخصية لهؤلاء، للمقارنة بين ما يحملونه من افكار ونجاحهم في تطبيقها على واقعهم المعاش، وهل تتطابق الاقوال مع الافعال .. فكان ان تعثر مشروعي بفعل دكتاتورية ذكورية .. الاولى جاءتني من (سيد الاسم) وخطوطه الحمراء ازاء اي تجاوز بكتاباتي عن ما ارتضاه واطمأن إليه، من خواطر وتأملات في تفاصيل حياتنا الاجتماعية الطيبة، وعاداتنا بشقيها الطالح والصالح، أما الثانية فقد كانت من الاستاذ (كمال) الذي (مسّخ لي) الفكرة جملة وتفصيلا، بحجة ان جل زعماء وقادة الرأي والفكر والسياسة في بلادي، يتعاملون بقانون (ممنوع الاقتراب أو التصوير) مع اية محاولة للاقتراب من حريّمهم وحرماتهم وحياتهم الخاصة ..
على كل حال وعلى طريقة الكديسة الما طالت اللحم، اعتقد ان الازواج والآباء السودانيين المشتغلين منهم بالعمل العام او الخاص لا يختلفون كثيرا عن بعضهم البعض .. فكل من تتيح له (سبوبة) الانشغال بالمهام الجسام (حجة غياب) قانونية، بالغ في استغلالها ليغادر البيت من النجمة والعيال وامهم نيام، ليعود إليه مع النجمة والعيال نيام بينما امهم (بين صاحية ونايمة) لترفع التمام بأن الامور في غيابه كلها تمام التمام ..

منى سلمان
الراي العام
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]

تعليق واحد

  1. الأستاذة الحترمة منى أنت على الدرب الصحيح واصلي ،،