المدمن : نعالجه أم نعاقبه ؟
وكنت أكتفي بهذا القدر من الجواب متحاشياً مناقشة مسألة العقوبة، خشية أن أثبتها فأصبح في مرمى سهام من يقول إن المريض جاء باحثاً عن العلاج وطالباً للتخلص من الإدمان فكيف يعاقب؟ وقد لجأ إلى الطبيب ووضع ثقته فيه، وهو الذي ينبغي أن يكون مثالا للرحمة والشفقة.. الخ، وإن أنا نفيت العقوبة عنه في مثل هذه الحال خشيت أن أكون في مرمى سهام أخرى تتهمني بتعطيل الحدود والتمرد على الشريعة.
ثم خطر لي مناقشة المسألة بشيء من الروية.. ووجدت عند التأمل أن شرب الخمر يترتب عليه حد شرعي، هذا حق.. لكن المناط به تطبيق هذا الحد هو السلطان أو من وكّله السلطان بهذا وهي الجهات القضائية، وليس لأحد من أفراد الناس تطبيق حد من الحدود، ولهذا فإن السؤال عن العقوبة لم يكن صالحاً منذ البداية أن يوجه إليّ أو إلى غيري من الأطباء، فلسنا المسؤولين عن تطبيقها، بل ولا التبليغ عنها، فإن الأصل أنه ينبغي الستر على المسلم إذا ابتلي بمعصية، وعدم فضحه أو رفع أمره للسلطان ما لم يكن مشتهرا بالفساد داعياً له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سترعورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته، حتى يفضحه الله بها في بيته» رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
والغالب أن المدمن الذي يراجع الأطباء النفسيين أو مراكز علاج الإدمان إنما جاء طلباً للعلاج، ورغبة في التخلص من هذا البلاء، وهذا يدل على عدم رضاه عنه، وعدم إصراره عليه، وإلا لو كان راغباً في الاستمرار في التعاطي فلماذا أتى؟ والمعلوم أن دور المختصين في الطب النفسي أو طب الإدمان مساعدة المدمنين في التخلص من هذا الداء بأنواع من المعالجات منها الدوائي وغير الدوائي، أعني المعالجات النفسية والسلوكية.
ثم إن هناك فرقاً بين ما نتحدث عنه كأطباء وبين ما تتناوله الجهات القضائية، فنحن يعنينا الإدمان كمرضٍ له معايير تشخيصية محددة، بينما الجهات القضائية يعنيها مجرد شرب الخمر، والفرق واضح، فما كل من شرب تنطبق عليه المعايير التشخيصية للإدمان ولو كان مكثراً فليس التشخيص مرتبطاً مباشرة بالقلة والكثرة.. بينما كل من شرب تنطبق عليه معايير الجهات القضائية إذا رفع إليها.. وبعبارة أخرى فالفرق بين التعاطي والإدمان هو الفرق بين الخطيئة والمرض، أما الخطيئة فحقها أن يحذر منها وينفر، وأن يعاقب عليها ويحاسب، والطب هنا ليس له كثير فائدة، وإنما يأتي دوره في علاج المرض الذي هو الإدمان، والذي نتج عن خطيئة هي التعاطي، وهذا يذكرني ببعض الأمراض المنقولة جنسيا كالزهري مثلاً إذا انتقل لشخص ما نتيجة لممارسة جنسية محرمة، فهل يقول قائل إننا لا نعالجه من مرض الزهري لأنه إنما أصابه من خطيئة الزنا..!! لا أعتقد أن عاقلا يقول بهذا..مع العلم أن هناك فرقاً كبيراً بين المسألتين، وهو أن علاج الإدمان ينتج عنه عدم رجوع المريض إلى التعاطي ثانية مما يعني تخليصه من المرض والخطيئة معاً.. وهذا ما لا ينطبق على مثال الأمراض المنقولة جنسياً.
أخيرا .. إذا كنا كجهات طبية علاجية لا نعاقب مدمن الخمر أو المخدرات الساعي للعلاج ولا نقدمه إلى الجهات القضائية لتعاقبه، فهل نحن نوفر له الحماية الكاملة بمعنى أننا نمنع السلطات إذا ضبطته يوما من الأيام في حالة سكر مثلا من أن تطبق عليه الحد؟ الجواب لا.. لأنه لا حق لنا في منع الحدّ عنه إذا وجب عليه شرعاً، وليس لنا التدخل في مثل هذا، ولأنه لو عاد إلى التعاطي فهذا يعني أنه أخل بعقد العلاج بينه وبين من يعالجه، ثم إن المدمن نفسه قد يستفيد من هذه العقوبة ارتداعاً وانزجاراً وهو مما شرع الحد لأجله، بينما لو أمن العقوبة سهل عليه الاستمرار في التعاطي وهذا يتعارض حتى مع المقصود من العلاج.
إذن فلكل من المؤسسات العلاجية والجهات القضائية دوره الذي يؤديه ومهمته التي يقوم بها، ولا تعارض بين المهمتين بل تكمل كل منهما الأخرى.
د. أنس ابنعوف
المشكاة الإسلامية
[FONT=Arial][SIZE=5][B]
أولاً لا يمكن يدخل المستشفى سكران أو محشش.. لأنه في تلك الحالة بيكون حاسي بالعظمة الخيالية وعايش في جو تاني ويحس نفسه هو الصاح.. لذلك سيدخل وهو في كامل وعيه ويشتكي الإدمان.. وهنا لا يمكن أن تبلغ عنه لأنه في حالة وعي.. عليه.. المفروض الأخذ بيده ومساعدته حتى يترك الإدمان وليس التشكي عليه في السلطات….. الله يجيرنا وأبناءنا وبناتنا من الشر المستفحل هذه الأيام والمستشري في كل زاوية[/B][/SIZE][/FONT]