تحقيقات وتقارير

الإشكال في المعارضة .. لأن الحكومة تقدم لها هدايا يومية بممارساتها المزرية

[JUSTIFY](1) يقترب متوسط أعمار كبار قادة المعارضة في السودان من الثمانين عاماً، وهي حقيقة كثيراً ما استخدمها خصومهم ضدهم باتهامهم بأنهم من جيل دارس، لا علاقة له بواقع اليوم وتطلعات الشباب. كما أن القادة متهمون بأنهم مخلدون في مقاعد القيادة، متشبثون بها رغم انتهاء الصلاحية إن كانت هناك صلاحية أصلاً- منذ عقود، ولا يريدون إفساح المجال لغيرهم، في مخالفة واضحة لمبادئ الديمقراطية وتداول السلطة التي ينادون بها.

(2)
ولكن من جهة أخرى على طريقة أخينا فيصل القاسم- فإن تمرسهم في السياسة وطول معاركتهم لشؤونها يمكن أن يحسب لصالحهم. فمعظمهم شارك في معارك استقلال السودان، وساهم في انتفاضات أكتوبر 1964 وأبريل 1985 التي أعادت الديمقراطية للبلاد، وتبوأ مقاعد الحكم، فخبر خيره وشره. وهذا قد يجعلهم مستودع الحكمة والتجربة في أوقات عصيبة يحتاج فيها الوطن إلى مثل هذه المزايا.

(3)
وقد لا أكون ممن يستعجل فينسب الحكمة للقيادات السياسية السودانية، معارضة كانت أو حاكمة، ولكن حتى بمقاييس ما نتوقع منهم وهو قليل- لم نكن نتحسب أن تصدر عنهم تصريحات مثل تلك التي نسبت لقيادات تحالف قوى الإجماع الوطني، دعت فيها لانتفاضة مسلحة ضد النظام. وبحسب تصريحات نسبتها صحيفة الشرق الأوسط لرئيس هيئة قوى الإجماع الوطني الأستاذ فاروق أبو عيسى المحامي، فإن قادة المعارضة عقدوا العزم على الخروج في مقدمة المظاهرات الجماهيرية، كما اتفقوا كذلك على تسريع توحيد قوى المعارضة في الداخل والخارج من أجل إسقاط النظام وتوفير الحماية المسلحة في مواجهة قمع المظاهرات من قبل الأجهزة الأمنية.

(4)
ولا شك أن أبسط تأمل في مثل هذه التصريحات يرى فيها دعوة إلى حرب أهلية في وسط الخرطوم. فكيف لعمري تكون هناك حماية مسلحة لمظاهرات سلمية؟ هل هذا يعني أن يتوسط هذه المظاهرات مسلحون يطلقون النار على رجال الشرطة والأمن إذا حاولوا فضها؟ أم هل سيكون هناك أفراد من الجيش السوداني الحر في مكامن قريبة من أماكن التظاهر ليتناوشوا مع قوى الأمن حال تصديها للمظاهرات؟ في الحالين أشك أن يفي قادة المعارضة بوعدهم بأن يكونوا في مقدمة المظاهرات في هذه الحالة، بل أشك في أن تكون هناك مظاهرات أصلاً، فمن هو ذلك المتهور الذي يخرج للتظاهر في ساحة لإطلاق الرصاص؟

(5)
كانت الدعوة (أو بالأصح الدعاوى) حول بدعة الانتفاضة المحمية بالسلاح ظهرت في منتصف التسعينات بعد مؤتمر أسمرا للتجمع الوطني الديمقراطي المعارض. وقد علقنا في حينها على خطل هذه الفكرة الحمقاء، لأن إطلاق الرصاص في الشوارع لا يشجع الناس على الخروج للتظاهر، بل هو مدعاة لأن يلزم كل إنسان بيته أو أن يفر إلى مأمن. وهذا بالضبط ما حدث عندما وقع هجوم المعارضة المسلح في يوليو 1976، أو عندما وقعت الاضطرابات التي صاحبت خبر وفاة العقيد جون قرنق في أغسطس 2005، أو عندما هاجمت حركة العدل والمساواة أم درمان في مايو عام 2008.

(6)
يبدو أن العقل قد غاب تماماً عمن أصدر هذه التصريحات، لأنها تعطي النظام العذر لمنعها والتصدي لها بعنف، ولا تشجع مواطناً على الخروج. والأهم من ذلك هو أن نجاح الانتفاضات ضد الأنظمة الدكتاتورية يعتمد على سلميتها. وكان أبرز ما ميز انتفاضات الربيع العربي (وقبل ذلك انتفاضات أكتوبر ومارس-أبريل، والانتفاضة الفلسطينية عام 1987، هو إصرارها على سلمية الحراك. وقد تمسك المتظاهرون بسلمية حراكهم في اليمن مثلاً، رغم انحياز قطاعات من الجيش لهم، وتوفر السلاح في أيدي كل اليمنيين. وحتى في سوريا والبحرين، أصر المتظاهرون على سلمية حراكهم حتى بعد تعرضهم لعنف مبالغ فيه، بلغ في سوريا القصف بالدبابات. ولم يكن التحول إلى النزاع المسلح في سوريا مرجعه للثوار المدنيين، بل للجنود المنشقين عن الجيش رفضاً للعنف ضد الشعب، واضطرار المنشقين للدفاع عن أنفسهم.

(7)
كما كررنا من قبل مراراً فإن الطريق إلى التغيير المطلوب في السودان لا يكون بعسكرة النضال السياسي، ولكن بنزع السلاح من السياسة بصورة شاملة. فهناك محاذير أخلاقية واعتبارات عملية ضد تلويث النضال السلمي عبر الخلط بينه وبين العنف، خاصة بعد أن جربت المعارضة من قبل الاحتماء الكسول بحركات العنف فلم تجن ثمرة تذكر. فالتحالف مع الحركة الشعبية في التسعينات لم ينجح طوال عقدين من الزمان في انتزاع مدينة كبرى واحدة من النظام، رغم إزهاق أرواح عشرات الآلاف من فقراء البلاد، وتدمير المنشآت القليلة من مدارس ومستشفيات ومبان حكومية في كل الريف الجنوبي وبعد ذلك في مناطق واسعة من دارفور. ومع كل هذا الدمار لم يتغبر جلباب أحد قادة المعارضة بتراب المعارك، فضلاً عن دمائها.

(8)
ليس المطلوب هو نقل ما أصاب أرياف السودان من دمار وتخريب وحروب إلى العاصمة ومناطق السودان الأخرى الآمنة نسبياً، بل بالعكس، المطلوب نقل الأمن والرخاء النسبي من المركز إلى مناطق الريف المنكوبة. وعليه لا بد من أن تنصب جهود كل القوى السياسية على إقناع حملة السلاح بالتخلي عن التدمير والتقتيل، ثم توحيد جهود المواطنين السلمية من أجل الضغط باتجاه التحول الديمقراطي. وكما ذكرنا سابقاً فإن هذه المهمة أصبحت اليوم أيسر بكثير من ذي قبل بعد أن ظهر بوضوح أن الجيش منحاز للشعب في غالبه.

(9)
نتفهم الإحباط الذي تشعر به بعض أطراف المعارضة بسبب فشل جهودها في إسقاط الحكومة أو إقناعها بحوار ذي معنى. ولكن الإشكال هنا هو في المعارضة، لأن الحكومة هي التي تقدم للمعارضة كل يوم الهدية بعد الهدية من واقع ممارساتها المزرية.
ولكن المعارضة لا يمكن أن تعتاش على رذائل الحكومة إن كانت هي بدورها عاطلة عن الفضائل، عاجزة عن العطاء الإيجابي. فتعداد سيئات الحكومة لا يعني بالضرورة زيادة رصيد حسنات المعارضة، خاصة إذا كانت هذه المعارضة تغطي عجزها وعزلتها عن الشارع بالاستغاثة بحركات مسلحة تعاني بدورها التشرذم وفقدان السند الشعبي حتى في مناطق تمركزها.

4526

سودان تربيون-عبدالوهاب الأفندى
[/JUSTIFY]

‫8 تعليقات

  1. القاعد في بيتوا وراجي ناس الانقاذ يمشوا الترابه في خشموا ري ماقال الفكي.

  2. (فمعظمهم شارك في معارك استقلال السودان)… [SIZE=4]الانجليز طلعو براهم وياريت لو ماطلعو [/SIZE]

  3. [SIZE=7][B][COLOR=undefined]هذا المقال لعبدالوهاب الأفندى تم نشره فى موقع سودانايل ، وهو أول مقال يتلمس الحقيقة يكتبه الأفندى منذ أن فارق الحكومة بعد إنشقاق الحركة الإسلامية حين كان الملحق الإعلامى لسفارة السودان بلندن ، وبسبب ما كتب فى هذا المقال نقرأ هذه الأيام هجوماً عنيفاً وغير مبرر عليه من كُتاب المعارضة والذين ينكرون عليه ما قال فى مقاله هذا حيث أن نفس هؤلاء الكُتاب كانوا يشيدون به ويستدلون بما يقول حين كان الأفندى يهاجم الحكومة وها هم ينقلبون عليه مستخدمين ألسنتهم وأقلامهم السليطة لأنه كشف حقيقة هذه المعارضة والتى ستقود السودان وأهله لمصير الصومال وربما أسوأ ما دامت تعتمد على بندقية الحركات المتمردة العنصرية والجهوية وعلى التخريب وسفك دماء المساكين من أهل السودان. [/COLOR][/B][/SIZE]

  4. السودان وطن لكل سودانى
    المعارضة والحزب الحاكم كلهم ابناء هذا الوطن
    حواء السودانية لم تعقر بعد والرجال البقودو البلد موجودين
    للاسف الشديد ناس الحكومة فاكرين غيرهم مافى شخص متعلم وقادر على قيادة البلد وناس المعارضة مفتكرين نفسهم هم صانعى الاستقلال والديمقراطية
    وانا اقول الحقيقة لاخير فى الحكومة ولا فى المعارضة
    دايرين دماء جديدة همها يكون السودان وبس .

  5. (الصادق|) في عرفه يرى ان السودان ليس فيه أحد أحق بتولي السلطة غيره لذا طيلة عمرة مناكفا للحكومات التي تمنعه من ان يكون رئيس وزرائها…..و كثيرا ما يلجأ للعون السياسي الخارجي او الدعم العسكري من الدول المجاورة …..فرفع السلاح في وجه الحكومات السودانية امر مفروغ منه بالنسبه( للامام) ما دام يلبي رغباته الطموحه و لو بعد بلوغه الثمانين لان الاحلام لا تموت يالاعمار…..أما (الشيخ) فنرجو الا يفجر في الخصومةفبعد ان زحزح من الكرسي بواسطة تلاميذه اصابه دوار الانتقام ….و كثيرا ما سعى شيوخ الامة امثال (القرضاوي) و (الزنداني) للصلح بينه و بين الحكومة الا انه رفض حتى ينتقم لنفسه لذا هو مع المعارضة و لو يقودها من يعارض الاسلام في منهجه و اصوله لان الانتقام يعمي البصيرة و البصر كالشيخوخة…

  6. لم نشهد لهؤلاء العواجيز إي تمرس في السياسة بدليل إنهم هربوا جميعهم من السودان عند مجيئ الأنقاذ وكانت نظرتهم ضيقه ويؤمنون إيماناً قاطعاًبأن عمر الأنقاذ قصير وإعتمدوا على المعارضة الضعيفة بالداخل لتغير النظام وعاشوا في ترف ونعيم وعربده بالفنادق في الدول الأوربية
    ومصر وأضاعوا باقي عمرهم وفي المقابل عملت الأنقاذ عل ترسيخ حكمها وإستقطبت كوادر جديده بمن فيهم أنصار الأمة والأتحادي والشيوعيين ولو ترشح واحد منهم الآن وصوتت له جميع أحزاب المعارضة لن يفوز (والجماعة شربوا زيت)

  7. [JUSTIFY][SIZE=5][COLOR=#0033FF]استاذي الفاضل كاتب المقال واعتقد انه الافندي ..قلت[/COLOR] [COLOR=#FF0036](ولكن المعارضة لا يمكن أن تعتاش على رذائل الحكومة إن كانت هي بدورها عاطلة عن الفضائل، عاجزة عن العطاء الإيجابي. فتعداد سيئات الحكومة لا يعني بالضرورة زيادة رصيد حسنات المعارضة، خاصة إذا كانت هذه المعارضة تغطي عجزها وعزلتها عن الشارع بالاستغاثة بحركات مسلحة تعاني بدورها التشرذم وفقدان السند الشعبي حتى في مناطق )[/COLOR]
    [COLOR=#0A00FF]حين تقول تعتاش على رذائل الحكومة انك تناقض نفسك لان المعارضة اعتاشت على ماهوة غير وطني وارذل من رذيلة الرذائل ,, وان رذيلة الحكومة السودانية هي شرف كبير لبعض المعارضة .. والمعارضة صدقني لو انها كانت تعتاش على رذائل الحكومة لكانت سودانية التربية والمنهج وسودانية الهوى والوطنية الا انها اثرت الارتماء في احضان الخارج ولعب بها كما يحلو له حتى الصغير كان يضحك من تقلب وجوههم وهيمانهم في الاندية السايسية . ذهبوا لامريكا فاسقطهم الشعب من حسابات الدعم للاسلام.. ذهبوا لاوربا فوجدوا الغرب يدعم التشتت العنصري في السودان ويدعم التمرد المسلح الذي تخشاه الحكومات الحزبية من عهد بعيد ولا تعرف تتعامل معه عسكريا او سياسيا او دبلوماسيا ,, المعارضة تقريبا رصيدها في العالم العربي صفر او دون الصفر فانظر اينما اتجهوا لم يجدوا ترحيبا يذكر بل اشاحة الوجه عنهم .. فالصادق لاتربطه علائق جيدة مع السعودية والخليج قاطبة ، والترابي منبوذا اصلا ولا يدخل الا قطر ، اما المافون فالعرب لايعرفون عنه غير اسمه .. اذن المعارضة بكل المقاييس ان اتت للحكم ستجد نفسها في عزلة اكثر مما فيه حكومة الانقاذ .. ولن تجد نصيرا حتى من الدول الاوربية وامريكا لان لو كان ذلك ممكناً لكانوا دعموا السودان ببنية تحتية ابان العهود الديمقراطية بين قوسين . حين كان الاقتصاد السودان افضل من دول الخليج .. [/COLOR][/SIZE][/JUSTIFY]