عندما بكى التنين.. ضاقت العيون الصغيرة
فعملية الاختطاف التى تعرض لها المهندسون الصينيون الثلاثة ومعهم ستة عمال من ذات الجنسية ظهر السبت الثامن عشر من اكتوبر الحالى شغلت الصحافة السودانية والعالمية طوال العشرة ايام الماضية.
وتعود تفاصيل الحادثة الى ان مجموعة قبلية تسمى مجموعة (فضيل)، يتردد انها تنتمى للحركة العدل والمساواة، ويقودها -وفقا لبعض وسائل الاعلام- شخص يدعى ابوحميد احمد دناى. قامت باختطاف الصينيين التسعة العاملين بالشركة الوطنية الصينية للبترول والتى تعرف اختصارا بـ(سي ان بي سي) فى حقل نفط بمربع «4» جنوب كردفان، وقالت المجموعة انها تشترط لاطلاق سراح الصينيين تنمية شاملة لاقليم كردفان، وتسوية بعض المشكلات الفنية المتعلقة بالتسريح واعادة الدمج، علاوة على توظيف قرابة الخمسمائة شاب من المنطقة.
—–
(1)
تركيز وسائل الاعلام على قضية المختطفين الصينيين فرض على العاملين بمهنة المتاعب بذل جهد اضافى لمعرفة الاخبار وآخر التطورات. واصبح من المعتاد ان يطرح على الناطق الرسمى باسم الخارجية السفير على الصادق، والسفير الصينى بالخرطوم سؤال يومي (ما هى آخر التطورات على صعيد المختطفين الصينيين)؟، بل وصل الامر حد الاجابة الفورية للسؤال حتى دون طرحه. فالسفير الصادق اعتاد ان يقدم كل جديد عن القضية عقب اى تصريح له حتى لو قال (لا جديد). غير ان ظهور على الصادق فى صدر نشرة العاشرة مساء امس واعلانه عن تصفية 5 مخطوفين، قلب الامور رأساً على عقب. وسرعان ما تغيرت عناوين الصحف الصادرة بالخرطوم فى اليوم التالى.
(2)
وما ان اشرقت شمس الامس حتى بدأت رحلة البحث عن آخر المستجدات والتطورات، اولى المحطات كانت الخارجية ولكن لم يكن هناك جديد يذكر.
ظهيرة اليوم كنا ونحن نقرع باب السفارة الصينية بضاحية المنشية، لكن لا احد بالداخل. فالسفير توجه الى جنوب كردفان لمتابعة الاحداث، اما بقية الاداريين والقناصل فقد بدوا منشغلين تماما وهم يتنقلون بين موقع السفارة والخارجية ومقر شركة (سي ان بي سي) بشارع النيل. حاولنا ان نحصل على معلومات وصور للضحايا ولكن دون جدوى. انتقلنا بعدها الى موقع الشركة بشارع النيل (فندق السودان). غير ان الموظف الصينى رفض بشدة الادلاء باية معلومة او تصريح او حتى تعليق عن الضحايا. فقدنا خيبتنا الصحفية الى المطار للحاق بالطائرة التى تحمل نعوش الضحايا.
(3)
والشمس توشك ان تلقى قبلة الوداع الاخير على ذلك اليوم، احتشد العشرات فى صالة كبار الزوار لتحية الضحايا الثلاث. فتنوعت الجنسيات، وتباينت الالوان، لكن الاحساس كان واحدا بين الحضور فى ذلك الوقت.
وفى تمام الساعة السادسة والنصف حطت طائرة شركة (فيقا) EK-74043 على مدرج مطار الخرطوم وسط ترقب الجميع.
وسط الصفوف المتراصة لالقاء نظرة الوداع، وكاميرات الاعلاميين، ارتجفت بعض القلوب، وهطلت الكثير من الدموع خاصة من زملاء الضحايا.
ليتم بعدها وسط مراسم عسكرية للصينيين ببعثة الامم المتحدة بالسودان، تم انزال التوابيت الثلاثة الموشحة بالعلم الصينى. وبعد مراسم تشييع قصيرة لم تتجاوز الخمس دقائق، والقاء الورود ونظرة الوداع، حملت التوابيت الى داخل سيارة الاسعاف التى حملتهم الى المشرحة.
(4)
اصعب جزء فى رحلة اليوم كان الحصول على اسماء الضحايا الصينيين، وصورهم. ولكن زميلى حافظ نجح فى الحصول على بعض المعلومات عن الضحايا.
فالاول اسمه (نيت جن شانق) وهو مهندس فى الثانى والثلاثين عمره، اما الآخران فهما (جانق لينق شانق) و (فون اى قون) وهما مهندسان فى الخامسة والثلاثين من عمرهما.
اما المصابون الثلاثة فقد وصلوا الى الخرطوم ظهر الثلاثاء فى اجواء اتسمت بالتعتيم، ونقلوا فورا الى مستشفى (هواشا) الصينى بالعمارات.
(5)
مقتل الصينيين وجد التنديد من الجميع دون استثناء، فقبيلة المسيرية والتى يحسب البعض ان الخاطفين ينتمون اليها، سارعت بالتبرؤ من الخاطفين، وفى ذات الوقت تواصلت حملات الادانة والتنديد بما حدث من مختلف القطاعات الشعبية والرسمية.وقد تلاحظ اتفاق الطرفين السودانى والصيني على ان ما حدث لن يؤثر مطلقا على العلاقات بين البلدين، بل على العكس من ذلك سيزيد من تمتينها. ويقول السفير على الصادق الناطق باسم الخارجية انهم اتفقوا مع الجانب الصينى على تمتين العلاقة، ولم يتأخر كثيراً اذ انه كشف فورا عن سر ذلك بقوله: ( نحرص على ألا تصل اية رسالة سالبة للخاطفين وامثالهم تفيد بعدم جدوى القيام بمثل هذه الجرائم).
(6)
احتشدت وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وبمختلف اللغات الحية فى العالم لتغطية وصول نعوش الصينيين للخرطوم.
وفوجئ البعض عند متابعتهم للحدث، ووصولهم للمشرحة بوجود جثة رابعة لعامل هندى (شيفا واو كيرتى) عامل بشركة رام، فى حقل هجليج، يبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً. مما تسبب فى ارباك الكثير من وسائل الاعلام، وخلط اوراقها. واتضح لاحقا من خلال المتابعة ان الهندى لا علاقة له بالعملية الاخيرة، وهو مفقود منذ شهور فى عملية اختطاف مشابهة وبذات المنطقة، وقد عثر على جثته بعد الاحداث الاخيرة.حتى الآن لم تكشف جميع التفاصيل الا ان وكيل الخارجية د. مطرف صديق كشف عن تفاصيل جديدة مفادها انه واثناء تحليق مروحية فوق الخاطفين، لم يتمالكوا انفسهم، وقاموا بتصفية الرهائن، ومن ثم الفرار.وكشف صديق انه تم اعتراض اتصالات للخاطفين مع قيادات من العدل والمساواة. وحديث مطرف الاخير يتسق مع بعض ما يشاع عن ان هناك من اتصل بالخاطفين وطلب منهم تصفية الرهائن.
محمد عبد العزيز :الراي العام [/ALIGN]