منى سلمان
قنّب ساي
يللا غسّل قدّومك.
فالتفت إلي وقال في دهشة: قدومك؟ .. وين يا ماما؟!!
كتمت الضحكة واشرت إليه بيدي ناحية فمه أن (ياهو ده)، ولكن يبدو أن اشارتي كانت اقرب لخده من فمه، فقد مدّ يده لتيار الماء المناسب من الماسورة ثم قام بنفضها قبل أن يمسح بها على خده بـ رقّّة، ثم اشرأب إلي بنظره وهو يقول في براءة:
خلاص؟!!
مع انني جعلت من الحكاية نكتة ورويتها للجميع، إلا أن الحادثة جعلتني اتوقف لاتأمل غربة جيل الابناء عن الكثير من مفردات عاميتنا الجميلة .. صرت اتحين الفرص لادخل على كلامي مع العيال بعض من تلك المفردات.
فـ عندما اكثروا من الجري والتنطيط حولي في ذات مرة صحت عليهم عامدة بالقول:
قنّبوا ساي يا أولاد !
كفوا فورا عن لعبهم وتحلقوا حولي في فضول .. سألوني من بين ضحكاتهم عن الكلمة الجديدة على اسماعهم:
قلتي شنو يا ماما؟
وعندما اعدتها عليهم، فاروا وتفرفروا انفعالا وضحكا، كما لو كنت قد القيت على اسماعهم بنكتة .. سألوني مرة أخرى:
قنّبوا معناها شنو؟
فشرحت لهم بان معناها (اقعدوا رايقين)، ومن يومها دخلت مفردة (قنّب ساي) في لغة (نبيحي) اليومي عليهم للكف عن اللعب .. صرت اتعمد أن ادخل على لغة تعاملي معهم مفردات من النوع الذي كنا نستعمله في صغرنا ثم اختفى بالتدريج من طريقة كلامنا .. لاحظت عليهم الاهتمام بتلك المفردات وان اصابها على السنتهم التحوير فـ (القُطّية) صارت قُرطّية و(الادبخانة) صارت مطبخانة .. أما (صنقر في بطن الواطة) فقد كانت لوحدها موضوع.
كما لاحظت ذلك التغيير الخطير الذي طرأ – في غفلة منا – على لغة التعامل اليومي البسيطة، لتحل محلها على افواه صغارنا لغة (هجين) من الانجليزية والفصحى وشي من مفردات الراندوك، فكثيرا ما اسمع منهم مفردات مثل (جون سينان) أو (بلّوا بلابل) و(كرنقو) وغيرها، شخصيا .. لا ادري متى ولا كيف تسللت تلك المفردات لافواه العيال .. فالجلوس امام قنوات الاطفال لساعات وما التقطوه من رفقاء المدرسة شّكل تلك الخلطة العجيبة أو – على الاقل – هذا ما احسب انه قد حدث مع عيالي، لان (اللعب في الشارع) الذي يعد المرجع الاول في مفردات لغة تعامل الاطفال، يأتي في صدر قائمة الممنوعات في نهج التربية الذي انتهجناه معهم والذي فرضه علينا وعلى الكثير من الآباء والأمهات، الخوف على الابناء، فـ الحال ما عاد كحال ايام طفولتنا الزمان، وبالتالي فلم يعد بالامكان ارسال العيال للعب في الشارع دون الخوف عليهم من خطر الوحوش الآدمية الذين صارت افعالهم مصدرا لترويع القلوب.
احببت من خلال هذه المادة أن اسلط الضوء على تلك الظاهرة وتنبيه الكبار وبالاخص الامهات، للحرص على مراقبة لغة الاطفال ومحاولة الحفاظ على مفردات عاميتنا الجميلة من الاندثار، فبعد أن تحولت يمة لـ ماما ويابا لـ بابا، و(اتلكنت) جدي لتصير جدو .. عمو .. خالو، ليس من المستبعد ان تتحول حبوبة لـ تيتة أو (قراند ما)، ليحل علينا في غفلة منا زمان لا يعرف فيه الابن (العصاعيص) و(العنقرة) وهل هي عاصمة دولة أم جزيرة كاريبية لينشأ بعدها جيل جديد لا يعرف (كوعو من بوعو) !!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com
كتاباتك رائعة – فما رأيك في ابناء المغتربينالذين يجهلون جل العامية السودانية- في احدي اجازاتنا للسودان صحبنا ابننا الصغير الذي ولد في الغربة- انبهر برحابة البيت و دلف الي الشارع صباحا للتعرف علي هذا الحي الذي نسكنه فمرت من الطريق غنماية فبدأ يصيح بابا تعال شوف الغزال وذكرت له ان هذا ليس غزالا بل هي غنماية فاكتسب مفردة جديدة- ونحن في الغربة و دائما في الامسيات لما نطلب منهم ان يذهبوا لاسرتهم تراني بدون وعي مني اردد خلاص كل واحد فيكم يطلع عنقريبو يلوذون بالصمت حيث هناك لا توجد عناقريب و الله اعلم