تحقيقات وتقارير

الحركة الإسلامية : مقالات في الإصلاح

[JUSTIFY]كنت أنوي متوكلاً على الله الكتابة عن مخرجات مؤتمرات الحركة الإسلامية طارحاً سؤالاً محددًا: هل حققت الحركة الإسلامية أهدافها التي من أجلها استولت على السلطة؟ وبعد أن كتبت مقالاً واحدًا جاء العدوان الصهيوني الغاشم على غزة العزة منارة فلسطين. وبعد العودة صرفتنا عن الكتابة مشاغل الحياة التي لا تنتهي إلا بمبيت أول ليلة في القبر أو أول قدم في الجنة كما قال الإمام أحمد. ثم هزتني حادثتان في غاية الخطورة إن لم تتحرك الحركة لتتدارك الأمر ووضع العلاج الناجع للظواهر السالبة التي لا تجد من يقوم بدراسة أسبابها وتشخيص الأمراض التي أصابت جسد الأمة وكادت تقضي عليها القضاء المبرم.

الحادثة الأولى: إنني ذهبت إلى ساحة المولد بأم درمان مساء ثاني أيام المولد النبوي الشريف في صحبة عالم جليل من غزة جاء ضيفاً على السودان لحضور مسابقات القرآن الكريم، كان العالم الجليل مدعوًا لإلقاء محاضرة في خيمة الإخوان المسلمين ولكننا فوجئنا أن الخيمة أزيلت من داخل الساحة وسمح لهم بنصبها على الشارع خارج السور. سألت عن السبب فقيل إن صداما قد وقع بين أنصار السنة وأنصار الصوفية وعولج الأمر أمنياً بإزالة خيمة أنصار السنة ومنعهم من الوجود داخل الساحة وجعلها سلماً لأهل التصوف خشية أن يقع ما لا يحمد عقباه و سمح للإخوان بالوجود خارج الساحة بعد قطع التيار الكهربائي عنهم مما أفشل محاضرة الضيف الجليل القادم من أرض العزة وتحسرت كثيرًا للموقف المشين المخزي.

أما الحادثة الثانية فهي الظاهرة العجيبة والهزة العنيفة التي تجعل الحليم حيرانَ والنائم يقظانَ في ذهول ودهشة. تلك هي التي حدثت عند إذاعة نبأ وفاة فنان شاب في الأردن أشهد الله أنني لم أسمع به إلا عند وفاته رحمه الله.

لقد تدافعت جموع الشباب والشابات وصغار السن إلى الميناء الجوي الوحيد في العاصمة لاستقبال جثمان الفقيد في فوضى عارمة واحتلال لصالات الوصول وكذلك للمدرجات والساحات مما أربكت حركة الطيران المحلية والأجنبية وأورثتنا العار والشنار.. فيا أمة ضحكت من جهلها الأمم!!.

هاتان الحادثتان مع غيرها من الظواهر تؤكد أمرين مهمين السكوت عنهما جريمة تجعلنا كالشيطان الأخرس:
الأمر الأول أن الماسونية التي تعمل في بلادنا سرًا وجهرًا وفق أهدافها وخططها ووسائلها وكوادرها نجحت بتفوق لا مثيل له في توطين الجهل والتخلف والسلبية والفساد والسطحية والاختلال القيمي والتراجع الأخلاقي و والتبعية الاقتصادية والانهيار الاجتماعي والسفه الاستهلاكي والكسل العقلي وغيرها من الظواهر السالبة الأخرى التي صارت بكل أسف تميز أمتنا.

الأمر الثاني: أن الحركة الإسلامية بعد ربع قرن تقريباً من استلام السلطة ومقاليد الأمور يجب عليها أن تعترف بكل صراحة ووضوح أنها فشلت في تحقيق أهدافها التي من أجلها قفزت على السلطة.

إن كانت هذه هي أخلاق وسلوك الجماعات الدينية كل جماعة تعتبر نفسها صاحبة الحق الوحيد في البقاء على مسرح الحياة الإسلامية مما أدى هذا الاعتقاد الخاطئ إلى الصراعات وتعدد الجماعات الإسلامية وتفرُّق يؤدي إلى الصراع ويمزق المجتمع شر تمزيق.
إن كان هذا هو سلوك الشباب الذين ولدوا في عهد الإنقاذ والشباب هم عدة المجتمع ورمز قوته في الحاضر والمستقبل فيجب أن نقف مع أنفسنا وقفة موضوعية لأننا في نقطة الصفر ولابد أن نراجع أنفسنا ونمارس فضيلة النقد الذاتي ونتلمس أسباب الفشل ومسببات الإخفاق مع أن الإنقاذ حينما جاءت وعدت بأنها ستجعل من أهل السودان أعبد أهل الأرض لله فإذا بالشباب قلوبهم وذواتهم ملتصقة بأهل الفن والكرة واللهو والطرب لا بالله وبرسوله وبالمؤمنين.

النقد الذاتي الذي أطالب به يعتمد أساساً على عدم تلمُّس العذر والتبريرات وإلقاء المسؤولية على الآخرين بل إن ما نحن فيه من مصيبة هي من كسب أيدينا وهذا مبدأ يتفق مع المبدأ الإسلامي القائل «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم» «30» الشورى.. والقائل «أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم» «165»آل عمران.

الحركة الإسلامية وفي عهدها الجديد وعاملة في ميدان الإصلاح والبناء عليها أن تكون جريئة وصريحة وتبدأ من معرفة ذاتها وتحديد أهدافها وإعادة تقييم الأفكار والقيم والعادات السائدة لإصلاحها، لابد من تصحيح المسار.

لقد كتب الأخ د. أمين حسن عمر، أمين الفكر والثقافة أن دور الحركة الإسلامية مع وجود المؤتمر الوطني هو كدور الختمية والأنصار بالنسبة لحزبي الاتحادي الديمقراطي والأمة، فإن كان الأمر كما قال فإن مآل المؤتمر الوطني هو مآل الحزبين المذكورين تشتت وتمزق وتفرُّق و واضمحلال.. إن ما قاله الأخ أمين الفكر قول خطير.

صحيفة الإنتباهة
محمد حسن طنون [/JUSTIFY]